بقلم: آفي يسسخروف
(المضمون: مراجعة شاملة للتدقيق في مسألة هي تجتاز حماس تغييرا استراتيجيا ام ان تصريحاتها الاخيرة هي مجرد تكتيك – المصدر).
رغم الهزيمة العسكرية الشديدة التي تكبدتها في حملة رصاص مصبوب، فان حماس في قطاع غزة لا تزال عدوا شديدا لدولة اسرائيل. بمفاهيم عديدة، ولا سيما من حيث الطاقة العسكرية الكامنة، فان هذه منظمة أخطر بكثير مما كانت عليه في كانون الاول 2008. ولكن من الصعب تشبيه حماس في تلك الايام، التي كانت تطلق الصواريخ نحو اسرائيل صبح مساء، بالمنظمة في نهاية 2011 التي تمتنع عن اطلاق الصواريخ بل وتعتقل نشطاء من فصائل اخرى يحاولون عمل ذلك.
واذا كان واجبا دليل على التغيير الدراماتيكي الذي مرت به حماس في السنوات الاخيرة ولا سيما منذ بداية الربيع العربي فقد جاءت تصريحات رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في نهاية الاسبوع الماضي. وعلى حد قول مشعل، فان المنظمة ستركز من الان فصاعدا على الكفاح الشعبي، على المظاهرات الجماهيرية. وقد قال ان حماس وفتح اتفقتا على طريقة عمل مشتركة وكذا على اقامة دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس. وقد قال ذلك بعد جولة اخرى من المحادثات في القاهرة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) وقيادة فتح على المصالحة.
على نحو شاذ، لم يحاول مشعل اخفاء هذه التفاهمات، بل العكس. فقد تحدث عنها في المقابلات مع وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية الرائدة، كرسالة موجهة الى آذان نشطاء حماس وفتح بل ولحكومات اسرائيل أيضا.
مسؤولو السلطة لم يفاجأوا حقا. فقد اكثر من شهر، بعد نهاية الجولة الاولى من المحادثات مع عباس، اتفق الرجلان على الانتقال الى المقاومة الشعبية ووقف النار مع اسرائيل في غزة وفي الضفة. وعلمت "هآرتس" هذا الاسبوع بانهم في اعقاب ذلك اللقاء، أمر مشعل الذراع العسكري لحماس، عز الدين القسام بالكف عن النشاط المسلح ضد اسرائيل.
بيان عن تغيير طريقة الكفاح، جر سلسلة من ردود الفعل شبه الغاضبة من كبار رجالات الذراع السياسي للمنظمة في غزة. وهم بالذات، الذين اعتبروا برغماتيين، بل وربما معتدلين، طرحوا خطا متصلبا مقابل خط رئيس المكتب السياسي. في نهاية المطاف يدور الحديث عن جماعة من السياسيين. رئيس الوزراء اسماعيل هنية، وزير الداخلية فتحي حماد، محمود الزهار وآخرون من قيادة حماس في غزة، شعروا أساسا بالاهانة لانهم لم يستشاروا قبل البيان عن تغيير نهج المنظمة.
معوزو البيت
صراعات القوى الجديدة – القديمة بين الداخل والخارج في قيادة حماس، تشير الى تغيير دراماتيكي آخر تمر فيه المنظمة في الاشهر الاخيرة: قيادة حماس في الخارج، "مقيمو دمشق وطهران"، فقدوا مكانتهم (واملاكهم ايضا) في اعقاب الازمة العلنية مع النظام السوري والايراني. من ناحية سياسية، ضعفوا بالقياس الى مسؤولي غزة. قيادة الخارج منشغلة في هذه الايام بالبحث عن شقق للاستئجار في أرجاء العالم العربي، في ضوء قرار المنظمة ترك سوريا (الامر الذي أدى ايضا الى قرار ايراني بتقليص المساعدات لحماس). فقدوا "الظهر" السياسي، العسكري والمالي، في غضون أسابيع قليلة.
ولا يزال، "السيد" الكبير للمنظمة كان ولا يزال مشعل. فقد شدد هذا الاسبوع على أن القرار بالانتقال الى المقاومة الشعبية اتخذ من كل كبار مسؤولي المنظمة، وليس هو وحده فقط. وعن الانتقاد من حماس غزة، قال مقربو مشعل ان هنية يخشى اساسا فقدان منصبه كرئيس وزراء. يمكن التخمين بان غضب هنية ازداد فقط عندما علم بانه حاليا على الاقل، ليس في نية حماس ترشيح منافس للرئاسة في الانتخابات في شهر ايار.
ليس واضحا بعد اذا كانت هذه خطوة تكتيكية أم استراتيجية. الاستعداد التاريخي لتغيير طبيعة الكفاح، الى جانب موافقة حماس على الانضمام الى م.ت.ف (وبقدر كبير قبول الاتفاقات التي وقعت مع اسرائيل)، لا تدل بالضرورة على تغيير استراتيجي بالنسبة للاهداف والمرامي.
يحتمل أن يكون مشعل ورجاله يفهمون بان حاليا على الاقل يجدر بهم ترك العمليات في صالح سبل أكثر نجاعة لتحقيق اهدافهم. رئيس المكتب السياسي نفسه وكذا رجاله يوضحون بانهم لم يتنازلوا تماما عن الكفاح المسلح وانهم يرون انفسهم من حقهم مقاومة الاحتلال الاسرائيلي "بكل الوسائل". بل ان مشعل شدد على أن حماس لا تعتزم نزع سلاحها (او الكف عن التسلح الهائل في غزة). ومع ذلك، يحتمل أن يكون حتى هذا التغيير يشكل خروجا ذا مغزى كبير عن سياسة حماس التقليدية، بحيث يمكن أن نرى فيه خطوة استراتيجية.
جبريل الرجوب، من قادة فتح، الذي شارك في محادثات القاهرة مع قادة حماس قال لـ "هآرتس" انه بتقديره يدور الحديث عن تغيير استراتيجي. "انا مقتنع بان حماس تتخذ خطا برغماتيا بل ووافقت على الهدنة في الضفة وفي غزة. على رئيس وزرائكم أن يعترف بالحقائق وان يعيد النظر بمواقفه بالنسبة للوحدة الفلسطينية كونها ستؤدي الى الكسب لكل الاطراف".
احد قادة حماس في غزة، غازي حمد قال أمس لـ "هآرتس" ان التغيير في مواقف حماس هو جزء من محاولة الوصول الى وحدة وطنية مع فتح. وقد تملص من السؤال اذا كان هذا تغيير استراتيجي ام تكتيكي وقال: "ينبغي أن نقرر معا الطريق الافضل لانهاء الاحتلال الاسرائيلي وكذا السلطة الفلسطينية تعتقد بان المجال السياسي لا يحقق النتائج حيال حكومة اسرائيل. المقاومة ستستمر، السؤال فقط متى وباي وسائل".
نذر شتاء
مسؤولو حماس درجوا على التبجح، في أن "الشتاء الاسلامي" بدأ بانتصارهم الجارف في الانتخابات للبرلمان الفلسطيني في كانون الاول 2006. برأيهم كان هذا انجازا هاما أولا للاسلام السياسي في العالم العربي وفي أعقابه جاءت انتصارات النهضة في تونس، "العدالة والتنمية" في المغرب، والاخوان المسلمين في مصر، المنظمة العليا لحماس.
ولكن مع كل الاحترام للانتصار في 2006، لم يؤدِ الى تغيير في السياسة. آثار الربيع العربي والشتاء الاسلامي هما العامل الهام في تغيير سياسة المنظمة: الابتعاد عن السيد السوري والتقرب من مصر الجديدة دفعا حماس الى خط اكثر برغماتية. البحث عن عاصمة عربية توافق على استيعاب قيادة حماس بدلا من دمشق، لعب ايضا دورا في الاستعداد للمرونة، وموجة الاحتجاج التي اجتاحت دول الشرق الاوسط، أوضحت لحماس بان المنظمة لا يمكنها ان تواصل الاعتماد على فوهات البنادق فقط في القطاع، ولا سيما في ضوء وضعها الذي تدهور في الرأي العام. كما أن انهاء صفقة جلعاد شليت لن توفر حصانة من ثورة اخرى فيما أن الضائقة الاقتصادية في القطاع آخذة في الاحتدام.
كما أن الوضع المالي لحماس ليس سهلا. فقد قلصت طهران دعمها المالي للقطاع والمداخيل من الانفاق انخفضت منذ رفع الحصار الاسرائيلي عن غزة. حماس اضطرت الى اقالة المئات من رجال أجهزة الامن في غزة (حسب الرواية الرسمية اقيل 150 من قوات الامن بسبب "مشاكل اخلاقية"). مؤخرا سيطرت قوات حماس على عدة فروع لبنك فلسطين والبنك الاسلامي الفلسطيني في غزة، وأخذت المال منها بالقوة. خطوة اخرى ترمي الى ملء صندوق المنظمة المتناقص، كانت زيادة الضرائب، الخطوة التي لا تضيف لها شعبية.
كما أن صورتها الجماهيرية النقية لحماس، والتي كانت ذخرا هاما في الانتخابات، تآكلت الان. المزيد فالمزيد من كبار رجالات المنظمة يتورطون في قضايا فساد تكاد لا تذكر في وسائل الاعلام. الحالة البارزة هي لاحد قادة المنظمة في القطاع، ايمن طه، الذي ابعد الى القاهرة بسبب تورطه في قضية كهذه، ولكنه يواصل العمل من هناك.
ولكن، مؤخرا وقعت في غزة عدة حوادث مشبوهة لنشطاء صغار في المنظمة، اشتبهوا بالفساد أو سعوا الى التبليغ عن قضايا كهذه. احمد المملوك مثلا، قتل قبل نحو اسبوعين، على حد قول حماس في اثناء تنفيذ مهمة جهادية". وعلى حد قول عائلته كان يفترض بالمملوك أن يلتقي مسؤول في حماس ويبلغه عن حالات فساد. "حوادث" مشابهة وقعت لعلي نايف الحاج، الذي قتل في "انفجار داخلي" في بداية تشرين الثاني، محمد زكي الهمص، الذي مات في حادثة طرق في بداية تشرين الثاني، محمد المهموم الذي مات في حزيران الماضي بصعقة كهربائية في استحكام لحماس، واشرف فرج ابو الهنا، الذي غرق في بركة سباحة في اذار. حسب حماس، هذه سلسلة حالات من الحوادث، اما العائلات فتعتقد خلاف ذلك.
ان لم يكن هذا بكاف، فان امتناع حماس عن اطلاق الصواريخ والقتال ضد اسرائيل ادى بنشطاء عديدين الى الانسحاب من المنظمة والانضمام الى الجهاد التي تنجح حتى بالعثور على "المتمردين" وتجنيدهم من داخل المساجد التي تسيطر عليها حماس. يمكن ان نخمن بان السياسة الجديدة للمنظمة، ستعزز الجهاد وتضعف أكثر فأكثر سيطرة حماس في غزة.
الوحدة
على شيء واحد يكاد لا يكون جدال: اناس مختلفون التقوا مع مشعل في اثناء زيارته الاخيرة الى القاهرة، على قناعة بان رئيس المكتب السياسي لحماس معني بالفعل بالوصول الى مصالحة مع عباس وفتح.
زوار وصلوا الى قاعة فندق سيتي ستار انتركونتننتال في القاهرة رأوا مظاهر وحدة استثنائية: مسؤولون في فتح وفي حماس (ولا سيما اعضاء قيادة الخارج) يجلسون معا، يدخنون النرجيلا، يضحكون، يشربون ويأكلون. غير قليل من النكات سمعت هناك عن الغزيين، عن سكان الخليل وعن اسرائيل بالطبع.
وبدا مشعل متحمسا من النموذج التونسي لحزب النهضة، الذي بعد أن فاز في الانتخابات للبرلمان يتعاون مع احزاب علمانية. عباس هو الاخر يبدو مصمما على الوصول الى المصالحة، فور 26 كانون الثاني 2012، بالضبط بعد ثلاثة اشهر من تقديم الرباعية اقتراحها لاستنئاف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة (الاقتراح الذي طولب فيه بعدم اتخاذ خطوات احادية الجانب، كاقامة حكومة وحدة مع حماس).
عباس يشدد على ان ليس في نيته التنافس في الانتخابات للرئاسة في ايار وبدونه فان فرص فتح ليست عالية. ولكن بالذات نية حماس (والتي قد تتغير حتى ايار) بعدم ترشيح احد منها للرئاسة، كفيلة بان تنقذ فتح من الهزيمة.
استطلاع لمعهد البحث برئاسة خليل الشقاقي، والذي اجري بالتعاون مع الجامعة العبرية في القدس اشار الى تأييد متعاظم في أوساط الفلسطينيين والاسرائيليين لحل الدولتين، يتطابق الى هذا الحد أو ذاك مع صيغة مبادرة جنيف (58 في المائة من الاسرائيليين، 50 في المائة من الفلسطينيين). ولكن حسب الاستطلاع، فان معظم الاسرائيليين والفلسطينيين يعتقدون بانه لا يوجد في الطرف الاخر اغلبية لمثل هذا الاتفاق (53 في المائة في اوساط الاسرائيليين، 61 في المائة في اوساط الفلسطينيين).
عباس هو الاخر يفهم بان المفاوضات السلمية حاليا مدفونة، على الاقل حتى الانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2012. ليس له خلاف ايديولوجي حقيقي مع حماس، وبعد الاتفاقات الاخيرة، يكاد لا يكون فارق بين البرنامج السياسي للمنظمة الاسلامية وذاك الخاص بفتح.
رغم مظاهر الوحدة المثيرة للانفعال في القاهرة، مشكوك أن تنفذ الانتخابات حتى ايار، ضمن امور اخرى بسبب الطلب الفلسطيني لاجرائها في القدس الشرقية، الطلب الذي لا بد ستعارضه اسرائيل.
اضافة الى ذلك، فقد قرر مشعل وعباس بانه في ايار ستجرى انتخابات ايضا للمجلس الوطني الفلسطيني لـ م.ت.ف بمشاركة كل الفلسطينيين في العالم، الهدف الذي يبدو غير واقعي.
في هذه الاثناء يكتشف عباس ومشعل كم صعبا تغيير أنماط عمل قوات الامن لديهما، والتي اعتادت على القتال بين المنظمتين وليس على المصالحة. وقوات الامن لحماس في غزة تواصل اعتقال رجال فتح، وأجهزة أمن السلطة تعتقل نشطاء حماس في الضفة. ولكن مشكوك أن يكون هذا هو ما سيوقف السير المشترك لعباس ومشعل نحو الأفول.