بقلم: د. رؤوفين باركو
المضمون: يطمح أعداء اسرائيل وهم في الأساس الاسلاميون المتطرفون في الدول العربية الى القضاء على دولة اسرائيل كما قضى صلاح الدين على الدولة الصليبية. يجب على اسرائيل ان تكون على استعداد وتأهب دائمين لمواجهة هذه الأخطار المحدقة - المصدر).
العامل المشترك بين جميع التيارات الاسلامية المتطرفة المتنافسة في السلطة في الدول العربية في هذه الايام هو اشتهاء القضاء على اسرائيل. ويتميز بهذا بصورة خاصة الاخوان المسلمون والسلفيون أبطال ميادين التحرير. وهم يرون ان هذا الهدف سيتحقق في أسرع وقت، كما حسم بالضبط وبنفس الصورة مصير الدولة الصليبية التي قامت في ارض اسرائيل في القرن الحادي عشر. ويرى هذا التصور ان كل ما يُحتاج اليه طائفة من الاعمال الاسلامية الطويلة النفس والدؤوب تفضي الى انهيار اسرائيل. وعلى حسب ذاكرتهم التاريخية بقيت الدولة الصليبية بعد علو وهبوط زهاء 200 سنة في قلب المحيط الاسلامي لكن صلاح الدين قهرها آخر الامر، وبعد ذلك ببضع عشرات من السنين قضى عليها المسلمون نهائيا.
يقول محللون ليسوا اسلاميين بالضرورة ان اسرائيل حقا في موقع ضعف ينبع من حقيقة انها دولة تُعرف نفسها بأنها يهودية وباعتبارها كذلك فانها تعتمد على نظام دعم غربي – نصراني. وينبع شك هؤلاء من تجربة الابادة التاريخية التي نفذها النصارى الاوروبيون في اليهود في الحرب العالمية الثانية. وذلك الأساس المعادي للسامية القديم ينفجر بين الفينة والاخرى واليوم ايضا تحت غطاء عمليات "معادية لاسرائيل ومعادية للصهيونية".
بحسب وجهة النظر هذه، اذا كان الغرب فشل في تأييده مملكة الصليبيين النصرانية التي كانت في ضائقة في ايام خلت فكيف سيقف هؤلاء لمناصرتنا – بصفتنا يهودا – في يوم الحسم؟.
ينجح اسرائيليون يعون هذه القضية في ان يجدوا فروقا في كل واحد تقريبا من سمات التشابه المقلق هذا بيننا وبين الصليبيين. ويؤكد هؤلاء الناس المتفائلون ان الفرق الجوهري هو في الأساس في باعثنا الأساسي بصفتنا يهودا عدنا الى بيوتنا وليس لنا ارض اخرى لا اجانب مغامرين توجههم شعارات دينية ويبحثون عن اراضي وألقاب نُبل. وهم يصدرون عن افتراض ان اسرائيل لا تعتمد إلا على نفسها وستصمد وحدها بنجاح لكل تحدٍ ولن ترجو مساعدة أحد في يوم العُسر.
يشير هؤلاء الناس الى "المعركة عن البيت" التي سيُدفع اليها الاوروبيون خاصة في حربهم المتوقعة المؤكدة لسكان الجيوب الاسلامية المتطرفة في دول الغرب ومدنه. فالمسلمون المتطرفون يهددون باحتلال اوروبا دون اطلاق رصاصة واحدة بحسب خطة القذافي. آنذاك وباعتبار هذا أمرا لا مفر منه سيتبدل التلون الاوروبي ليصبح تأييدا مكثفا لاسرائيل، وهذه مسألة وقت فقط في رأي الاسرائيليين المتفائلين.
هل ستستطيع اسرائيل حقا ان تصمد في وجه التسونامي الاسلامي الذي سيضرب المنطقة حينما يُستكمل البازل الاسلامي المتطرف حولنا؟ وهل هناك احتمال لأن يتحقق توق المتطرفين الاسلاميين وان تُهزم اسرائيل كخيبر اليهودية التي ذُبح ناسها على أيدي محمد وأصحابه في القرن السابع الميلادي؟.
تراث ابن خلدون
يصعب على اسرائيليين كثير، بطبيعة الامر ان يعيشوا في ظل تهديد اسلامي ملقى على واقع حياتهم في الحاضر ويهدد مستقبلهم. يخيل الينا ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعيش في ظل تهديد بفناء لا يحتمل منذ يوم تأسيسها. واستدخال هذه الصورة العامة المتشائمة عند دوائر ما تفضي الى مهادنة بلا منطق مع العدو كي يرضى.
يصعب على انسان من دولة اسرائيل في الحقيقة ان يتقبل التطرف الاسلامي على اسرائيل باعتباره لن يُسلم أبدا لوجودها ويحاربها الى الأبد. ولا يقل صعوبة عن هذا ابتلاع الحبة المرة لأن الفلسطينيين – أبطال الصبر – لن يتحركوا ملليمتر واحد لمواصلة مسيرة السلام لأنهم لم يتخلوا قط عن فلسطين كلها، ومن المؤكد انهم لن يتغيروا الآن. ان مواقفهم قد تزداد صرامة الآن عن اعتقاد ان هذا قد يخدم قضيتهم في نضالهم المستقبلي لاسرائيل، بمساعدة الذرة الايرانية التي يفترض ان تمحو الدولة الصهيونية عن الخريطة.
ان الذي يحث اسرائيل على التبكير والتوصل الى تسوية عاجلة كثيرة التنازلات مع الفلسطينيين في هذه الظروف يجعل نفسه سخرية للفلسطينيين والمتطرفين الاسلاميين سواءً.
بازاء صورة الوضع هذه هل يمكن تغيير تصور أعداء من هذا النوع يؤمنون بأن القضاء على اسرائيل فريضة دينية من السماء؟.
وضع ابن خلدون، وهو مؤرخ عربي عمل منذ الثلث الاول من القرن الرابع عشر الميلادي في كتابه "المقدمة" أساس تحليل ظواهر في مجال علم السياسة بالصورة العلمية التي ما تزال مقبولة الى اليوم. وهو يصف الثورة الاسلامية في الدول العربية وكأنه صحفي معاصر. فهي تشمل دورية لنظام العلاقات بين البدو الذين تصفهم نظريته بأنهم "هادمو المدن الآهلة وقاطعو الاشجار"، وبين أهل الحاضرة المنعمين في المدن المبنية والحصينة التي هي هدف للغزو.
على حسب تصوره تتم دائرة العلاقات التاريخية هذه بصورة دورية. فحينما يصبح المحتلون الجياع سمان مترفين يقهرهم مرة اخرى الجياع من خارج الأسوار وهكذا دواليك.
ان ابن خلدون يقرن الدورية في صعود وسقوط الممالك ونظم الحكم بالوعي الجمعي الذي يوحد الجموع للعمل (العصبية). ويبدو ان هذا الوعي الاسلامي يحرك فقهاء الشيعة من ايران وثائري أهل السنة من سوريا ومشاغبي ميدان التحرير في مصر. فكل هؤلاء يدعون الى القضاء على اسرائيل ويعملون بروح جماعية خاضعين للصيغة الاسلامية القديمة.
ومع ذلك فان كل هؤلاء منقسمون وما زالوا ينتظرون الساحر الاسطوري – "المهدي" أو "الخليفة" – في حين يغرقون العالم بالارهاب والقتل. والسؤال الذي يسأله الغرب الآن هل يستطيع أحد ان يوقف هذا السحر؟.
في الطريق الى احتلال مكة
ليست جميع الطرق تؤدي الى روما، فان جزءا مهما منها يؤدي الى مكة. ويعلم هذا جيدا القادة القلقون في السعودية ودول الخليج. وقد عقد هؤلاء قبل اسبوعين في الرياض مؤتمرا طارئا دعا الى رص الصفوف لمواجهة التهديد والاضطراب اللذين نزلا بالدول العربية. وكانت غاية هذا المؤتمر الاستعداد للمعركة الحقيقية التي أخذت تقترب وهي صد تهديد ممتلكات الاسلام في حصنهم الرمزي والديني والمادي والأعظم قيمة الذي يقع في شبه الجزيرة العربية.
ان المسلمين المتطرفين الذين يطمحون الى تقليد محمد في الطريق الى القوة والسلطة يتذكرون جيدا كيف استغل محمد حالة الصراع والاضطراب التي كانت تسود ما بين قبيلتي الأوس والخزرج اللتين سكنتا المدينة، وكيف سيطر على المدينة بحسن ادارته وحله. ويتذكر كل مسلم كيف احتل محمد مكة، وتوجه أصحابه من هناك مشحونين بالقوة الدينية لاحتلال العالم.
في الوضع الحالي يتطلع كثيرون الى دور ذلك "الساحر". بيد أنه اضيف الآن الى الباعث القديم حول مكة وبناتها في الخليج شهوة السيطرة على النفط في ارض تلك المنطقة ايضا. وهذه القوة المضاعفة يفترض ان تكون وسيلة الى قوة اقتصادية ودينية وسيطرة اقليمية ومقدمة سيطرة عالمية ايضا. وان حالة الاضطراب التي تزداد في الدول العربية كما كان الامر في المدينة هي بمثابة فراغ وتعلمون انه ليس وضعا طبيعيا ومصيره ان يُملأ.
أخذ يزدحم الآن مرشحون كثيرون فيما يشبه قاعة عرض عنيفة في صف النضال من اجل المهمة المشتهاة وهي السيطرة على العالم الاسلامي. ان شاشة التاريخ تكشف عن خبايا المسرح للجمهور فهناك تقف ايران الشيعية التي تلبس رداء ذري وهي خلاصة رعب وكابوس العرب السنيين في المنطقة وتدبر لاحتلال مكة وحصون الخليج. ويقف هناك اردوغان الذي يستعد ليعيد الدولة العثمانية الى عظمتها، ويتربص هناك مرشحو ظلال وشيوخ متطرفون اسلاميون من مثل القاعدة يريدون ان يحكموا العالم "هنا والآن". وفي المقابل، في ركن الدفاع تحتشد انظمة الحكم الملكية الاسلامية المعاصرة وبقايا النظم القديمة.
يبدو انه بعد خفوت رعود شتاء القحط الاسلامي الذي لا نعمة فيه سيتبين ان الشيوخ المندسين في مساجد الثورة الذين فازوا في الانتخابات لمجالس الشعب الوهمية في دولهم بعيدون عن الديمقراطية سنوات ضوء طويلة.
وسيتبين كالمتوقع ان هؤلاء الدُعاة لا يستطيعون ان يقدموا للشعوب الاسلامية أي حل سوى الشعارات. وصار بارزا الآن ذلك الوصف التاريخي المجرب الذي استعمل منذ زمن بعيد وهو شاهد على فشل الدول والقادة وهو جعل اليهود واسرائيل عدوا شعبويا قديما ومعروفا يستحق الكراهية والابادة وأنه يتحمل تبعة كل امراض الاسلام ويجب العمل على مواجهته.
فها هي ذي اسرائيل الصغيرة المتصارعة في الداخل محاطة كالمملكة الصليبية بقلاع فصل هشة وجزئية فقط، ويطمح أعداؤها الى اغراقها بلاجئي "حق العودة" ويغرقونها بمهاجري السودان المتسللين مع ارهابيين فلسطينيين يقتلون سكان الجنوب.
يُجري هؤلاء الناس الى داخل اسرائيل هجرة تتم كفريضة الجهاد بالفم واليد والقدم مع عدم وجود القدرة على فعل هذا بـ "السيف". ويبدو في الظاهر ان تاريخ مستقبل اسرائيل يشبه التاريخ الصليبي.
خيار شمشون وخيار شمعون
من مزيد الحظ والعقل أن نتائج المعركة الحديثة ليست هي نتاج عدد المحاربين في الميدان وعناصر الحيلة الحربية وقوة النار ودهائها كما كان الامر في العصور القديمة. فقد أُضيفت في هذه الاثناء عناصر اخرى وفيها ايضا مضاعِفات قوة نوعية ومدمرة بصورة خاصة تجعل المقارنة بين اسرائيل والمملكة الصليبية مناقضة منطقية، وهناك احتمال ان تلذع وعي الاسلاميين المتطرفين مثل كابوس دائم.
مع ذلك، ينبغي ان نعلم ان الذي لا يوقف غُزاة سيناء لن يستطيع بعد ان يوقف الارهاب وأمواج العودة الفلسطينية المخطط لها على الحدود. ويُحتاج الى مقدار مشابه من التصميم ايضا لوقف السيطرة على اراضي الدولة في النقب وشمالي الدولة ازاء تخطيط نشطاء عرب لغزو الاراضي الزراعية للبلدات العبرية حول قراهم وتوسيع مساحاتها البلدية بالزعم الهزيل انهم لا يبنون الى أعلى.
لا شك في انه يجب الاستعداد الى هجمة هجرة عنيفة بمقادير لم يسبق لها مثيل من الداخل والخارج باعتبارها جزءا من سلب اسرائيل شرعيتها واتهامها بالعنصرية. وينبغي فعل هذا بعرض الغُزاة على أنهم محاربون سياسيون معادون لاسرائيل من دول هي في وضع حرب معنا لا باعتبارهم لاجئين يريدون لجوءا سياسيا كما تروج لذلك المنظمات المعادية للصهيونية.
وللأسف الشديد سيظل اليهود عامل المشايعة المبلور السلبي بالنسبة للمسلمين المتطرفين. فبازاء اخفاقات العرب في ميادين القتال مع اسرائيل وانجازاتهم الضئيلة في الارهاب الموجه على مواطنيها يطمح أعداء اسرائيل الآن – بهدي من ابن خلدون – الى اغراقها بمسيرات ضخمة لغوغاء اسلاميين كالتي تم التدرب عليها جيدا في الميادين.
قد يدخل هؤلاء حدودها كالجراد بتدبيرات "سلسلة بشرية" تخرقها بما يناسب مذهب "عدم العنف" الذي قال به الفلسطيني سري نسيبة. ان أشد تعبير عن التسونامي الاسلامي قد ينزل باسرائيل في الصعيد العسكري. وقد تعلمنا هذا من مواجهات الاختبار مع حماس وحزب الله. وفي ضوء تجربة أعداء اسرائيل المرة لم يعودوا يتكلون على مواجهات مباشرة معنا في ميدان القتال. ان السكان الاسرائيليين في الجبهة الداخلية قد تم تعريفهم منذ زمن ليس بالبعيد بأنهم الهدف المباشر للصواريخ والقنبلة الذرية الايرانية القريبة. ولما كان الامر كذلك فلم يعد سبب يدعو الى مواجهة الدبابات ووحدات المشاة من الجيش الاسرائيلي ويجب الالتفاف عليها من أعلى.
يرى أعداؤها ان الذين سيبقون بعد رشقات صواريخ الاسلام الابتدائية المفاجئة على الجبهة الداخلية لن يَجروا الى الغرف الآمنة التي ستقصف هي ايضا، بل سيستنقذون أول كل شيء أعزاءهم من تحت الأنقاض، وبحسب افتراض العدو لن تضرب اسرائيل الجبهة الداخلية لأعدائها ردا على ذلك خشية الانتقاد الدولي، واذا فعلت ذلك فان "محبي اسرائيل" سيُعرفون الرد بأنه استعمال قوة غير متناسب وغير موزون وبأنه "ردود غير تناسبية".
يوجد في أساس هذا التخطيط فرض ان هذه المنظمات لا عنوان لها ولا سكان ولا أملاك يمكن بواسطتهم معاقبتها أو تهديدها. وعلى ذلك فان حساب الأمم المتناقض الذي لم يسبق له مثيل الذي يطلب الى اسرائيل "التناسب والعين بالعين"، يضر على عمد بردع اسرائيل وبحياة مواطنيها ويشوش على جباية الثمن المؤلم الذي يُطلب الى أعدائها ان يدفعوه لتغيير وعيهم القاتل.
بازاء تحديات الساعة يجب ان نؤلف مرة اخرى بين مجالات الأمن وأن نوسع طائفة ردودها: ينبغي ان نزن مرة اخرى الحكم بالموت على مخربين وان نضع عوائق وألغاما فتاكة لمواجهة خلايا الارهاب ومخترقي الحدود، وينبغي تثخين الجدران ودوريات الاستطلاع على الحدود ووضع رشاشات على مسارات الاختراق المتوقعة لجموع الغزاة الذين يخططون لاختراق اسرائيل. وينبغي اطلاق صواريخ على المخططين للمؤامرات ونصب أدوات اطلاق نار ذات توجيه ذاتي واطلاق آلي نحو مصادر اطلاق نار حتى لو تم ذلك من مناطق مأهولة داخل ارض العدو.
ينبغي ان نحدد على الملأ الدول التي تقف من وراء المنظمات الارهابية بأنها "دول ارسال" وبأنها عنوان لـ "ضربة ثانية" وأن نؤدي هذا الاستعداد العام لتعلمه هذه الدول بوسائل الاعلام المكشوف. ومن يعرف الاسلاميين المتطرفين يعلم بأنهم لاعبون عقلانيون مشتهون للحياة والمتاع برغم محاولتهم التضليل والتخويف. ولا تقولوا انكم لم تعلموا ولم تُحذَروا.