(الحلقة الأولى) من الوثائق السرية البريطانية حول المفاعل العراقي ومبارك والسلاح النووي الإسرائيلي
فلسطين اليوم: غزة - الشرق الأوسط
تبدأ «الشرق الأوسط» ابتداء من اليوم، نشر سلسلة من الحلقات تستمد مادتها من وثائق سرية بريطانية، أفرج عنها هذا الشهر بناء على قانون السرية المطبق على الملفات الرسمية التي مضى عليها 30 عاما.
ففي نهاية كل عام في شهر ديسمبر (كانون الأول) تزيل الحكومة البريطانية قيود السرية المفروضة على نقاشات رئاسة الوزراء ومحاضر جلساتها ومراسلات سفاراتها مع جهازها الإداري في وزارة الخارجية ولقاءات وزرائها مع نظرائهم في الدول الأخرى وطواقم مباحثاتها الدولية ومفاوضاتها في أمور الساعة والقضايا الدولية.
طبعا بعض الملفات يبقى قيد السرية لمدة أطول من ذلك، كما أن بعض الوثائق قد تحتوي على أسماء أشخاص ما زالوا في مواقع حكومية رسمية وقد يتعرض أصحابها للإحراج أو الأذى الشخصي، فتجد أن بعض الأسماء حذفت عمدا من الوثيقة.
الوثائق المفرج عنها تعود الى عام 1981 ومنطقة الشرق الأوسط، خصوصا الصراع العربي - الإسرائيلي، استحوذت على حصة كبيرة من هذه الوثائق السرية، خصوصا أنها جاءت في فترة حرجة من التطورات السياسية في المنطقة، التي شهدت استمرارية مفاوضات كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لكن، وخلافا لملفات العام الماضي، فإن وثائق هذا العام تتضمن عوامل جديدة في العلاقات المصرية - الإسرائيلية بوجود إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان. وثائق العام الماضي تضمنت المفاوضات بين مصر وإسرائيل بوجود الرئيس المصري الراحل أنور السادات في خضم مفاوضات كامب ديفيد بينه وبين رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن وتحت رعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر. إلا أن العامل الجديد في المفاوضات بين مصر وإسرائيل، وهذا ما عكسته الوثائق البريطانية، هو اغتيال السادات وتسلم نائبه حسني مبارك زمام الأمور في مصر. كما أن المباحثات بين السادات وبيغن قد تعثرت قبل أشهر من اغتيال السادات، الذي كان يريد غطاء دوليا للضغط على إسرائيل.
مباحثات السادات مع مارغريت ثاتشر في داونينغ ستريت تستحوذ على حصة كبيرة من الوثائق، لكن اللافت للنظر هو كيف أن بريطانيا كانت تنظر إلى مبارك، على الرغم من أنها كانت تعتبره أقل ذكاء وحنكة من السادات، لكنها اعتبرته الوريث الشرعي الذي يمكن الاعتماد عليه في استمرار مصر على نفس النهج في العلاقات الدولية. إحدى الوثائق تتناول هذا الجانب من الزيارة وتلقي بعض الضوء على نظرة بريطانيا لمصر تحت حكم مبارك من خلال زيارته لبريطانيا قبل اغتيال السادات.
ومن الوثائق التي أزيح عنها ستار السرية وكانت من الأحداث الكبرى في الشرق الأوسط هي تلك التي تتعامل مع الملف العراقي من خلال تدمير إسرائيل المنشآت النووية العراقية. بعض الوثائق بهذا الخصوص تبين كيف أن إسرائيل كانت تتعامل من دون تنسيق مع حلفائها الغربيين، خصوصا الولايات المتحدة، وجاء هذا في برقية من سفارة بريطانيا في واشنطن، والتي تبين أن وزير الدفاع الأميركي كاسبر واينبرغر آنذاك كان غاضبا وهاجم مناحم بيغن عندما سمع الخبر قائلا إن «بيغن قد فقد صوابه».
في العام الماضي سلطت بعض الوثائق الضوء على خشية بريطانيا من جدية إسرائيل في استخدام الأسلحة النووية في حالة شعور الأخيرة بالوحدة والتحدي. ويظهر ذلك جليا من خلال تقييم السفارة البريطانية في تل أبيب للوضع في الشرق الأوسط، ومن خلال معلوماتها الخاصة حول امتلاك إسرائيل الأسلحة النووية، على الرغم من عدم تأكيد الأخيرة أو نفيها الموضوع لعشرات السنين.
وتقدر الترسانة النووية الإسرائيلية بأكثر من مائتي رأس نووي، حسب ما قدره خبراء الأسلحة النووية بعد سلسلة المقالات التي كتبتها صحيفة «الصنداي تايمز» بناء على التسريبات التي وصلتها من المهندس الإسرائيلي مردخاي فعنونو، الذي عمل في مفاعلات ديمونة.
وتظهر الملفات كذلك كيف أن رئيسة الوزراء في ذلك الوقت مارغريت ثاتشر التي تولت منصبها قبل ذلك بعام وجدت أن الدبلوماسية في الشرق الأوسط مرهقة. وهناك وثائق تتناول صفقات الأسلحة بين الدول العربية ومفاوضات الراحل الملك حسين في هذا الخصوص. كما تتناول موقف بريطانيا من بيع الأسلحة للعراق وإيران.
وبخصوص الحرب العراقية - الإيرانية تبين بعض الوثائق أن الموقف البريطاني يحبذ أن لا يكون هناك غالب أو مغلوب في نهاية الحرب، وكانت تحرص بريطانيا على إبقاء علاقاتها متساوية مع البلدين. الملف الإيراني يتناول ترحيل عدد من الطلبة الإيرانيين من بريطانيا وكذلك إغلاق السفارة البريطانية في طهران بعد التهديدات الذي تعرض له مبنى السفارة وبعض التقارير الكاذبة حول وجود قنابل قد تهدد السفارة.
كما تلقي الوثائق المفرج عنها بعض الضوء حول محاولات الحكومة البريطانية التدخل في عمل «بي بي سي» ورفض الأخيرة لأي تدخلات رسمية. وبخصوص برنامج يتناول عمل الأجهزة الأمنية البريطانية والذي يبن عدم رضا الحكومة حول ما يتضمنه من معلومات هناك ملاحظة بخط يد رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر تقول فيها إنها مستعدة لأن «تستعمل حق الفيتو» بخصوص بث البرنامج. إلا أن محاولات الدولة باءت بالفشل وبث البرنامج بعد لقاء سكرتير الوزارة مع المدير العام لـ«بي بي سي»، إلا أن الوثائق تبين أن التدخلات قد أدت إلى تعديلات في محتوى البرنامج. وقال سكرتير الوزارة بعد بث البرنامج إن السير ايان تريثوان (مدير «بي بي سي») لم يتمكن من «تنظيف البرنامج» كما اتفقنا. وكانت قد نفت الـ«بي بي سي» أنها أطلعت أحدا على البرنامج بعد أن نشرت «الغارديان» آنذاك أنه حصلت تعديلات على البرنامج بسبب الضغوط الخارجية. لكن من الواضح من هذه الوثائق أن «بي بي سي» لم تكن صادقة وأن بعض الرسميين اطلعوا عليه قبل بثه.
هناك بعض القصص الخفيفة المضحكة التي تبين التصرفات الطفولية لبعض رؤساء الدول مثل طلب الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان أن يجلس على كرسي بذراعين خلال القمة الفرنسية - البريطانية في داونينغ ستريت. وطلب الطاقم الفرنسي من نظيره البريطاني أن تتخلى مارغريت ثاتشر عن كرسيها أو أن يجلس الرئيس الفرنسي على كرسي مشابه حتى لا تبدو ثاتشر أكثر أهمية خلال القمة.
وهناك وثيقة تتناول مراسلات بين رئاسة الوزراء وبين الطاقم الإداري حول إعادة تجديد داونينغ ستريت والمكاتب الوزارية الأخرى والتكلفة بخصوص ذلك. ودونت ثاتشر بخط يدها قائلة إنها لا تحتاج الكثير من الأسرة والأغطية لأنها تستخدم غرفة نوم واحدة فقط، مضيفة أنها ستدفع من جيبها 19 جنيها (28 دولارا) ثمن لوح الكي، خصوصا حتى لا تضطر للإجابة عن ذلك خلال المساءلات في البرلمان.
* ملابسات وأسرار الغارة الإسرائيلية على المفاعل العراقي - الطاقم الفني الفرنسي ينسحب من المكان بحافلات قبل دقائق.. ووزير الدفاع الأميركي يستشيط غضبا ويقول إن مناحم بيغن «فقد صوابه»
* في برقية أرسلت من واشنطن وموجهة إلى مكتب رئاسة الوزراء وتحمل تاريخ الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووي في العراق، أي 7 يونيو (حزيران) 1981. تحمل الرسالة اسم موقعها (هندرسون) ويقول فيها «إن (كاسبر) واينبرغر (وزير الدفاع الأميركي في إدارة الرئيس رونالد ريغان) كان يجلس معي عندما تلقى مكالمة من البيت الأبيض تعلمه بالغارة. وقال لي بشكل شخصي هناك أخبار، سيكون قد سمع بها الجميع عندما تصلك هذه البرقية، بأن الإسرائيليين استخدموا طائرات «إف 15» وقنابل خاصة وموجهة من دون أي تحذير مسبق للأميركان في هجومهم على المنشآت النووية العراقية. هناك خطر بأن طواقم الفنيين الفرنسيين والإيطاليين قد أصيبوا بأذى جراء الغارة، ولا علم للأميركان بذلك.
وتضيف البرقية أن واينبرغر كان غاضبا من الغارة وظهر مضطربا. وقال واينبرغر لهندرسون «لقد اختل بيغن وفقد صوابه».
طبعا المفاعل النووي العراقي كما أظهرت الكثير من البرقيات وبشهادة وكالة الطاقة الذرية لم يصل لمرحلة إنتاج اليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه في القنابل النووية، ولهذا قررت إسرائيل الهجوم في 7 يونيو. وتشير إحدى البرقيات إلى أن الإسرائيليين كانوا يخشون من أنهم لو تأخروا إلى شهر يوليو (تموز) فإن ضرب المفاعلات قد يؤدي إلى إشعاعات نووية من الصعب السيطرة عليها.
كما أن وزير الدفاع كاسبر واينبرغر كان يخشى ليس فقط رد الفعل العراقي أو العربي وإنما غضب فرنسا وإيطاليا بسبب وجود طواقمهما الفنية الذين يعملون في المنشآت العراقية قريبا من بغداد إذا تعرض أي منهم لأذى، لكن لم يصب أي من هؤلاء بأذى. السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كانت فرنسا على علم بالغارة ومن هنا أعطت طاقمها الفني تعليمات بإخلاء المكان قبل الغارة بدقائق واستقلال حافلات بدلا من التوجه على الأرجل، كما جرت العادة، إلى أماكن سكنهم.
وتلقي وثيقة أرسلت من السفارة البريطانية في العاصمة الأردنية عمان الضوء على ذلك. وتقول البرقية المؤرخة في 10 يونيو، أي بعد ثلاثة أيام من الهجوم الإسرائيلي، إن الدبلوماسي في السفارة الفرنسية الذي ودع الطاقم الفني الفرنسي لدى مغادرته بغداد، أبدى بعض الملاحظات «في نقاشه معنا» حول الهجوم الجوي الإسرائيلي على المنشآت النووية العراقية قائلا، أولا إنه من العادة أن يعمل الطاقم في المنشأة العراقية في الطويثة أيام الأحد، كون العطلة الرسمية بالنسبة لهم هي يوم الجمعة من كل أسبوع (حسب المعمول به في البلدان الإسلامية). لكن في ذلك اليوم غادر الفنيون الفرنسيون المكان بشكل غير متوقع، واستقلوا، وعلى غير العادة، الحافلات للرجوع إلى أماكن سكنهم بدلا من المشي وهذا ما كانوا يقومون به دائما. ويقول إن هذا القرار في مغادرة المكان فورا وبسرعة كان السبب وراء النجاة بحياتهم، لأن الطائرات الإسرائيلية ظهرت بعد دقائق من مغادرة الفريق الفرنسي.
كما أضاف الدبلوماسي الفرنسي أن المنشأة العراقية غير قادرة على إنتاج مواد انشطارية نووية قبل فترة لا تقل عن 5 إلى 7 سنوات، وحتى في تلك الفترة سيكون من الصعب عليها إنتاج أسلحة نووية من دون تقنيات إضافية والتي ما زالت المنشأة تفتقد إليها. وأضاف الدبلوماسي أن المفاعل قد تم تدميره بالكامل، وهناك منشأة أخرى صغيرة لم تدمر فهذه تستخدم للتدريب فقط.
وفي برقية أخرى من السفارة البريطانية في بغداد أرسلت إلى وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون تقول إن طائرات إسرائيلية، وعددها بين 8 و15 من نوعي «إف 15» و«إف 16» هاجمت مفاعل «تموز 2» لكن بعد الفحوصات الأولية تبين أنه لم يكن هناك أي تسرب إشعاعي في المنطقة.
* إسرائيل تختار يوم احتفال السفارة الإيطالية في بغداد باليوم الوطني الإيطالي
* وتسرد البرقية عدد القنابل التي لم تنفجر خلال الهجوم، وكذلك الدمار الذي تم للمنشآت. البرقية تقول «إن الكثير من الدبلوماسيين الغربيين تجمعوا للاحتفال في اليوم الوطني الإيطالي الساعة السابعة مساء بعد الضربة الأولى. وفي السابعة والنصف أطلقت صافرات الإنذار بسبب الهجوم الثاني، وبسبب الأسلحة المضادة للطائرات تحولت سماء بغداد إلى مسرح للألعاب النارية». وتقول البرقية «إن سفير وقنصل فرنسا لم يوجدا بين أعضاء السلك الدبلوماسي في الاحتفال الإيطالي، واستخلصنا من ذلك أن المنشأة العراقية في خطر. كما لا حظنا أن رد الفعل العراقي جاء متأخرا وأن الأسلحة المضادة للطائرات المستعملة قديمة، كما أن صافرات الإنذار جاءت متأخرة على الرغم من أن العراق كان في حالة حرب مع إيران».
* الموساد يسرب معلومات للصحافة البرازيلية يتهم فيها البرازيل ببيع اليورانيوم للعراق
* واستخدمت إسرائيل لتبرير هجومها على المنشآت العراقية اتهامات للوكالة الذرية بأنها لم تقدم أجوبة واضحة حول مستقبل البرنامج النووي العراقي، كما أن هناك بعض الوثائق التي تبين أنها اختلقت بعض القصص تقول بأن البرازيل قد زودت العراق باليورانيوم وهذا ما نشرته بعض الصحف البرازيلية.
وفي برقية أرسلت من مكتب البعثة البريطانية في فيينا إلى قسم الطاقة في وزارة الخارجية البريطانية، تقول بأن «ديفيد فيشر (من الوكالة الدولية) قد قدم إجابات واضحة لجميع الأسئلة التي طرحت حول البرنامج النووي العراقي». الوثيقة مستقاة من وثيقة أخرى للوكالة الذرية «والتي سربها فيشر بإيعاز من مدير الوكالة لبعض البعثات الدولية في فيينا».
وتقول البرقية الموجهة إلى قسم الطاقة بوزارة الخارجية «إن الوثيقة تقدم إجابات مقنعة لجميع الأسئلة والانتقادات الموجهة للوكالة بخصوص العراق». وتضيف الوثيقة للأسف فإن «الوثيقة لم تنشر علنا، لكنها ما زالت قيمة ومهمة لمن يريد أن يطلع عليها في وزارة الخارجية»، ويمكن استعمال الحجج التي تسردها في وجه «الانتقادات» الإسرائيلية، و«لكن دون الكشف عن مصدرها» في الوكالة. أما بالنسبة لاتهام البرازيل بتزويدها اليورانيوم للعراق فتبين بعض الوثائق أن التقارير الصحافية التي نشرت في البرازيل حول الموضوع كان مصدرها جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد). وتقول وثيقة أرسلت من السفارة البريطانية في تل أبيب إلى مكتب «الشرق الأوسط» في وزارة الخارجية ومؤرخة في 24 يونيو بأن السفير البرازيلي قد تم استدعاؤه من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية لمناقشة الادعاءات البرازيلية بأن الموساد كان وراء المعلومات التي نشرتها الصحافة البرازيلية حول بيع اليورانيوم للعراق. وكان السفير البرازيلي قد عاد لتوه إلى تل أبيب بعد فترة غياب (لا تعرف أسبابها) دامت ثلاثة شهور.
وتقول البرقية إن السفير (ماريز) قد صرح للصحافة بأن لا تقرأ الكثير حول غيابه المستقبلي، وأنه لا يفضل أن يفسر غيابه بأنه احتجاج على عمله في السفارة. وتضيف البرقية أن السفير ماريز قد سئم العمل في المكان ويرى «أن سياسات رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن صعب هضمها وأنه لا يشعر بالسعادة في عمله هنا. وسوف يحاول استخدام الحادث كوسيلة للبحث عن سفارة أخرى في مكان آخر وأن يترك السفارة في تل أبيب لنائبه». وتضيف البرقية أن «وزير الخارجية الإسرائيلي قد نفى نفيا قاطعا بأن تكون أي وكالة إسرائيلية أو أي مسؤول رسمي إسرائيلي وراء الاتهامات بأن البرازيل باعت اليورانيوم للعراق». لكن البرقية تؤكد أن قصة بيع اليورانيوم «كانت إسرائيل بالتأكيد وراءها، كجزء من سلسلة من الاختلاقات وتلفيق الحقائق التي قامت بها إسرائيل في محاولتها تبرير هجومها على المنشآت العراقية».
* أزمة دبلوماسية: الرئيس الفرنسي أصر على كرسي بذراعين مثل رئيسة وزراء بريطانيا - مشاورات جرت قبل القمة الثنائية لحل أزمة الكرسي
* على الرغم من أن الوثائق التي أزيح عنها قوانين السرية أمس تتناول الأوضاع الدولية بكل جدية وخطورة، فإن بعضها لا يخلو من الفكاهة وأحيانا بعض التفاهات مقارنة بما هو مطروح للنقاش في المحافل الدولية، وخصوصا عندما يكون الموضوع يخص لقاء قمة بين قوى عظمى والموضوع المطروح على بساط البحث قد يقرر مصير الشعوب.
خلال التحضير للقمة المقترحة بين الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر بعث وزير الخارجية البريطاني اللورد كارادون إلى السفير البريطاني في باريس يطلب منه التدخل ويحل بعض القضايا التي طرحها الفريق الفرنسي الذي قدم إلى لندن للتحضير للقمة قبل وصول الرئيس الفرنسي إلى داونينع ستريت.
وقال اللورد كارينغتون في برقيته «الوفد الفرنسي الذي حضر إلى داونينغ ستريت ونظر إلى الترتيبات للقاء اعترض على شيء غريب جدا. قالوا إن الرئيس لن يقبل أن يجلس على كرسي من دون ذراعين، وسيظهر الرئيس بأنه أقل أهمية من مارغريت ثاتشر التي ستجلس على كرسي بذراعين».
ويضيف اللورد كارينغتون أن «قاعة اجتماعات الوزارة مصممة بهذا الشكل ولا تحتمل التغيير في إعادة تنظيم كراسيها ومن الصعب إضافة كرسي بهذا التصميم إلى المكان. وعلى أية حال لقد استضافت هذه الغرفة الكثير من رؤساء الدول والحكومات سابقا ولم تواجه هذه المشكلة من قبل. كما أنني أجد صعوبة في الاعتقاد بأن هذه هي أمنيات الرئيس الفرنسي، كما أنه لم يثر هذه المشكلة سابقا عندما حضر إلى داونينغ ستريت عام 1976».
ويطلب اللورد كارينغتون من السفير أن يناقش الموضوع «بشكل غير رسمي» مع وزير الخارجية الفرنسي ويحل «هذا الإشكال الصغير» معه عندما يجتمع معه في اليوم التالي.
وفي رده في اليوم التالي قال السفير البريطاني في برقيته: «لقد ناقشت الموضوع مع جاك دال وفوجئت بإصراره ورد فعله، إذ اقترح أن يزاح كرسي رئيسة الوزراء إلى إحدى زوايا الغرفة وبهذا ستجلس هي والرئيس على الكراسي الأخرى المتشابهة المحيطة بالطاولة. وقال إن الرئيس سيفاجأ لو كان الترتيب سيتم على عكس ذلك».
«وقلت له نحن والكثير من الناس الموجودين في المكان ستكون مفاجأتهم أكبر لو اكتشفنا أن الرئيس غير راض عن هذا الترتيب المعمول به في داونينغ ستريت لعشرات السنين ولم يعترض عليه أي من رؤساء الدول ممن زاروا 10 داونينغ ستريت.. لكنه وعد أن ينظر في الأمر، ويكتشف بنفسه إذا كان قد اعترض أي من الرؤساء الفرنسيين السابقين الذين زاروا داونينغ ستريت على هذا الترتيب».
وفي وثيقة أخرى تحمل ختم داونينع ستريت كتب السكرتير الخاص لمارغريت ثاتشر: «بكل جدية يصر الطاقم الفرنسي أن يكون هناك كرسي آخر بذراعين للرئيس الفرنسي شبيه بكرسي رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر».
* ثاتشر: أستخدم فقط غرفة نوم واحدة ومستعدة لدفع ثمن لوحة الكي
* تختار المعارضة البرلمانية حتى أصغر الأمور من أجل تسجيل أهداف سياسية ضد الحزب الحاكم والحكومة. وحاولت المعارضة العمالية اتهام حكومة مارغريت ثاتشر من خلال القنوات الرسمية المتاحة، وقدمت أسئلة حول مستوى الصرف على المكاتب الحكومية وشقق الوزراء خلال مساءلة رئيسة الوزراء في البرلمان ومن خلال الرسائل الرسمية حول تكلفة تجديدات مقر رئاسة الوزراء والمكاتب الأخرى التابعة للوزارات الأخرى.
وجاء هذا على خلفية التسريبات التي نشرتها صحيفة «التايمز» حول التقليصات في المصاريف العامة. ودخلت مارغريت ثاتشر في مراسلات مع مستشاريها والشركات المقترحة في عمليات التجديد حول الفواتير والتكلفة. وكانت تستقبل رسائل من سكرتيرها الخاص حول الموضوع وتكتب ردها على الرسائل بخط يدها حول رأيها في كل بند من بنود الفواتير المدرجة. وبعد مراجعات للتكلفة النهائية لتجديد مكتب من مكاتب الحكومة أبدت رئيسة الوزراء رضاها وموافقتها «لأنها لا تريد مزيدا من الإحراج» في البرلمان. وكتبت حول التقديرات الأولية العالية التكلفة بخط يدها «الفكرة ليست جيدة. هل من المعقول أن تصل تكلفة تجديد حمام وغرفة إلى 26 ألف جنيه؟».
وقالت في ردها في إحدى الرسائل: «شكرا على الشرح المقدم حول تقليص التكاليف في إعادة تجديد مكتب إقليم ويلز في كاردف». وأضاف سكرتيرها أن «رئيسة الوزراء سعيدة جدا بالترتيبات الجديدة التي تحققت». وكانت قد علقت على تعليق سكرتيرها الخاص الذي قال إن التكلفة قد تقلصت من 26 ألف جنيه إسترليني إلى 12 ألفا». وعندما نوقشت التكلفة الخاصة بمقر الرئاسة في 10 داونينغ ستريت حيث تعيش مارغريت ثاتشر مع زوجها دينيس فقد دخلت رئيسة الوزراء في نقاش في أدق التفاصيل حول تجديد المكان.
وكتب سكرتيرها إلى وزارة البيئة المسؤولة عن التجديد يقول «كما تعرف أن رئيسة الوزراء قلقة من توجيهات الانتقادات لها حول التكلفة الزائدة للمكاتب، خصوصا أن المعارضة بدأت بتوجيه أسئلتها للحكومة حول الموضوع». وأضاف السكرتير مشيرا إلى أن هناك أخطاء حسابية في الفاتورة وأن المجموع لبعض التجديدات في 10 داونينغ ستريت هو 1836 جنيها إسترلينيا وليس 1736 جنيها كما جاء في الفاتورة.
وكتبت مارغريت ثاتشر بخط يدها تقول «سوف أدفع من جيبي ثمن لوح الكي، وأن هناك أغطية كافية للأسرة، لغرفة النوم التي نستخدمها». وتبين الفاتورة أن تكلفة تجديد أغطية الأسرة في 10 داونينغ ستريت ستصل إلى 464 مليون جنيه (700 دولار) وسعر لوح الكي قدر بـ19 جنيها إسترلينيا (28 دولارا) والذي قررت ثاتشر أن تدفعه من جيبها الخاص.
وكما كتب سكرتيرها الخاص معلقا على بنود الفاتورة بخط يده يقول «من الصعب قبول هذه الأرقام. سوف أكتب للوكالة المسؤولة لتزويدنا بتفاصيل أكثر حول التكلفة الإجمالية». وعلقت ثاتشر على نفس الرسالة بخط يدها تقول «إنني أتفق معك تماما». وأضافت: «إننا نستخدم غرفة نوم واحدة، سوف أدفع لأغطية الغرفة والوسائد التي نستخدمها، وكذلك للوح الكي».