خبر منظمة التحرير الفلسطينية وربيعها المتأخر جداً ..بقلم علي بدوان

الساعة 07:58 ص|28 ديسمبر 2011

منظمة التحرير الفلسطينية وربيعها المتأخر جداً ..بقلم علي بدوان

بالرغم من حضور الملف المتعلق بأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية على طاولة الحوارات الفلسطينية التي لم تنقطع عملياً منذ عدة سنوات، بما فيها الجولات الأخيرة في القاهرة، فان ملف المنظمة مازال موضوعاً اشكالياً وشائكاً، بل ويراوح مكانه دون تحقيق تقدم ولو بسيط على صعيد إعادة بناء مؤسسات المنظمة وتفعيلها، وتوسيع صفوفها بقوى التيار الإسلامي التي باتت تشكل مكوناً اساسياً من مكونات الحياة السياسية والكفاحية والمجتمعية للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات.

فلماذا المراوحة بالمكان بالنسبة لملف المنظمة بالرغم من تعالي الأصوات المنادية بالالتفات إليه وإعطائه ما يستحق من جهد وعمل، وهل من أفق ممكن لرؤية ربيع فلسطيني بإرادة شعبية، يتم من خلاله إعادة تجديد حياة المنظمة وعموم المؤسسات الفلسطينية التي تكلست وتقوقعت على ذاتها منذ زمن طويل، وباتت أشبه بشاهد زور يستدعي عند الضرورة للمصادقة على قرارات محددة يتم اتخاذها في الإطار السلطوي الفلسطيني..؟

نقد قاس.. ولكن

في البداية لابد من القول إن العقدين الماضيين شهدا عملية تهميش لمنظمة التحرير الفلسطينية بشكل تراكمي، ولعملية الحط من مكانتها باعتبارها الوعاء الحاضن والموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات. فقد تحولت المنظمة وهيئتها القيادية الأولى المسماة باللجنة التنفيذية إلى مجرد أداة ووسيلة فقط يتم استحضارها عند الضرورة لتمرير قرارات وتوجهات سياسية محددة.

كما لابد من القول إن عملية النقد القاسية لأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية تنبع بالأساس من الحرص عليها وعلى دورها باعتبارها الكيانية التمثيلية التعبيرية، والمرجعية التي توحد كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وباعتبارها الوعاء الحاضن لعموم قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية في الداخل تمثل جزءاً من الشعب الفلسطيني (القدس والضفة الغربية وقطاع غزة) أما منظمة التحرير فتمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وحتى داخل الأرض المحتلة عام 1948م. كما أن المرجعية المفترضة للسلطة الفلسطينية هي منظمة التحرير وليس العكس حيث حلت السلطة عملياً مكان المنظمة، التي تراجع دورها وبات دوراً شكلياً استخدامياً لا أكثر ولا أقل.

ومن الواضح عبر مسيرة الحوارات الفلسطينية التي تتالت فصولها منذ عام 2005 في العاصمة المصرية، بان موضوع منظمة التحرير وملفها الشائك تتنازعه وجهات نظر مختلفة داخل أطر العمل السياسي الفلسطيني، حيث سبق وأن تم وأد كل المحاولات التي جرت خلال العقود الثلاثة الماضية لخلق أطر بديلة أو موازية للمنظمة من قبل بعض الأطراف الفلسطينية، كما سقطت معها كل مشاريع ما أسماه البعض بـ (هدم الخيمة) وإعادة بناء خيمة جديدة.

لقد هيمن تيار تقليدي ومازال يهيمن على المنظمة وحالها، وهو تيار يريد إدخال إصلاحات شكلية وليست جذرية ونوعية على أوضاع المنظمة، إصلاحات لاترتقي إلى المستوى المطلوب، وهو تيار ذو لون سياسي واحد تقريباً، يحن لبقاء حالة الاستفراد في القرار وفي إدارة دفة الحياة السياسية المقررة في المستويات الفلسطينية العليا، ويريد في الوقت نفسه الإبقاء على «اللعبة الداخلية» الفلسطينية المتقادمة، والتي استندت على سببية ثلاثية وفق متوالية عمادها : أولاً المحاصصة واقتسام الكعكعة بين طرف رئيسي وباقي الأطراف المتحلقة حوله. ثانياً هيمنة لون سياسي واحد على كل المؤسسات (وفق قاعدة السمكة الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة). وثالثاً إتباع طريفة ديمقراطية ملعوب عنوانها «قولوا ماتشاؤوا في المؤسسات كاللجنة التنفيذية (وهي أعلى سلطة في المنظمة) واللون السياسي الواحد المهيمن يفعل ما يشاء».

وبالطبع، فإن منطق المحاصصة واقتسام الكعكة بين عموم القوى، أو حتى بين القوتين الأكبر والمقصود حركتي فتح وحماس، أمر لم يعد مقبولاً على الإطلاق، ويعاكس منطق الحياة وطبيعة الأشياء، فمن يريد فعلاً إعادة بناء وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عليه أن يسير باتجاه إدخال إصلاحات جوهرية عليها وعلى عموم مؤسساتها، وصولاً لصياغة برنامج ائتلافي وطني يمثل الموقف المشترك لعموم القوى السياسية ذات التلاوين الأيديولوجية المختلفة في الساحة الفلسطينية، والوصول إلى المشاركة الحقيقية والتامة في صياغة القرار الوطني وإدارة دفة العمل السياسي الفلسطيني ببعده التكتيكي والاستراتيجي.

رياح التغيير وصاداتها

فالتيار الحقيقي المعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وعن مواقف الناس المتأثرين بالحراكات الجارية في العالم العربي، ينحو نحو الدعوة إلى العمل من أجل ايصال رياح التغيير إلى الساحة الفلسطينية، عبر إسقاط الحالة والمعادلة الفلسطينية الداخلية المتقادمة، والتي تآكلت خلال العقود الماضية، وبناء معادلة داخلية فلسطينية جديدة عمادها مشاركة الناس في الداخل والشتات في بناء الخيارات الوطنية الفلسطينية بما في ذلك انتخابات منظمة التحرير ومجلسها الوطني ووقف سياسات التعيين والكوتات لصالح النزول عند إرادة الناس وصندوق الاقتراع، وبالتالي في إنهاء ضعف المنظمة وتفككها وغيابها وتآكل سفاراتها ومكاتبها ومنظماتها الشعبية، وإجراء مراجعة جذرية شاملة للحالة الفلسطينية، تبدأ بالاتفاق الوطني على إصلاح منظمة التحرير جذرياً، وإعادة انتخاب هيئاتها القيادية بواسطة صندوق الاقتراع للشعب الفلسطيني في الداخل وحيثما أمكن في الشتات.

وفي هذا السياق، فان تشكيل إطار قيادي فلسطيني مؤقت، وانطلاقته في اجتماعه الأول قبل أيام في القاهرة بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، يشكل خطوة متواضعة وأولية على طريق إعادة بناء منظمة التحرير وإحداث ثورة ربيع حقيقي داخلها وداخل مؤسساتها بعد سنوات طويلة من التهميش ومن حالة السبات العميقة التي مازالت غارقة فيها.

فالاجتماع الأول للإطار القيادي المؤقت في القاهرة، لايعني بأن الأمور باتت على سكة الإصلاح والتطوير بالنسبة لمنظمة التحرير، فالقلق المشوب بالحذر مازال سيد الموقف في الشارع الفلسطيني نظراً للتجارب المريرة التي عاشها ومر بها الشعب الفلسطيني، حيث لم تستطع حتى الآن كل الحوارات واللقاءات والاتصالات أن تخطو خطوة جديدة مقنعة بالنسبة لمشروع إعادة بناء المنظمة ومؤسساتها، وإعادة بناء الائتلاف الوطني العريض داخل أطر الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

وبالطبع، فان الشعب الفلسطيني يعي بأن الأمور تحتاج لإرادة وطنية تتغلب على المصالح الفئوية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك، وتتغلب على نزعات الاستحواذ والهيمنة ورفض الرأي الأخر، ورفض النزول عند رغبات الناس والشارع الفلسطيني.

فالشعب الفلسطيني بحسه الفطري والعفوي، صاحب خبرات وتراكمات، وصاحب أطول عمليات كفاحية وانتفاضية شهدها التاريخ الحديث والمعاصر للإنسانية برمتها منذ إضرابه واعتصامه التاريخي في العام 1936 (الاعتصام والعصيان المدني المعروف بإضراب الستة اشهر زمن الانتداب البريطاني)، وبالتالي فمن المنطقي القول بأن وجود أعضاء في القيادات العليا الفلسطينية كبعض الأمناء العامين للعديد من القوى والفصائل ومنها فصائل منظمة التحرير واليسارية منها على وجه الخصوص الذين مازالوا في مواقعهم منذ أربعة عقود ونيف، أمر لم يعد يحتمل ولاينسجم مع إرادة الشعب الفلسطيني وربيعه المنشود، ولاينسجم مع أجواء ومناخات التطوير والتغيير إلى تكتسح العالم والعقل البشري.

كما أن وجود بعض أعضاء اللجنة التنفيذية منذ عقود وهم في موقعهم وقد تحولوا إلى (ايقونات) داخل اللجنة التنفيذية أمر لاينسجم مع طبيعة التطور ومناخات الديمقراطية المطلوبة في الساحة الفلسطينية، حيث هناك من دخل اللجنة التنفيذية للمنظمة وهي أعلى هيئة قيادية مقررة باسم الشعب الفلسطيني، وعمره لايتجاوز (24) عاماً ومازال إلى الآن عضواً في اللجنة التنفيذية وقد تجاوز الستين عاماً من عمره.

وفي هذا السياق، فان رياح التغيير لم تنأى بنفسها عن الساحة الفلسطينية لكن هناك (صادات) كبيرة وواسعة قد اعترضتها، فالمعيقات التي حدّت من انطلاق ربيع فلسطيني حقيقي، تمثلت بعدد من العوامل التي جائت على خلفية الخصوصية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني في الداخل تحت السيطرة الفعلية للاحتلال، ووجود فلسطينيي الشتات تحت ظروف استثنائية.

فلو كان الشعب الفلسطيني على بقعة جغرافية واحدة وخارج سيطرة الاحتلال، وخارج تداخلات النظام العربي على من هم في الشتات من الفلسطينيين، لشهدنا ثورة الربيع العربي في فلسطين قبل أي قطر عربي آخر.

وخلاصة القول، نتمنى لخطوة تشكيل الإطار القيادي المؤقت النجاح، والانتقال نحو البدء بإصلاح أوضاع المنظمة، والوصول إلى نتائج طيبة في أسرع وقت ممكن، حيث سيف الزمن لايرحم أبداً ولايغفر للمقصرين.

فأوضاع منظمة التحرير والطريق نحو تصحيحها وإعادة بنائها من جديد مازالت مهمة شاقة وعسيرة، والشعب الفلسطيني بقاعدته العريضة لايملك من ثروة سوى فطرته الكفاحيه المتوالدة مع أجياله، ومشروعية نضاله وارثه الديمقراطي الذي لم تصنعه له أوتأتي به أحزاب الساحة الفلسطينية من أي لون سياسي أو فكري. كما أن الكرة الحديدية الثقيلة الهابطة على رأس الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والمعاناة اليومية في الداخل، والأحوال الاستثنائية للفلسطينيين في الشتات، تحتاج بالضرورة إلى قيادات وقوى استثنائية حضوراً وعملاً وسمواً وارتفاعاً في قاماتها بعيداً عن الانقسام والتشرذم ومنطق الاستحواذ الذي استنزف حركة المقاومة جزءاً هائلاً من المخزون الحقيقي والفعلي لها، وقذف بخيرة كوادرها خارج إطار العمل المباشر.