خبر للانفصال ثمن -هآرتس

الساعة 09:02 ص|27 ديسمبر 2011

للانفصال ثمن -هآرتس 

بقلم: موشيه آرنس

(المضمون: رد ظاهرة شارة الثمن الى الشعور بالغبن عند مجموعة كبيرة من اليهود ترى الانفصال الذي قام به شارون قبل ست سنين خطأ - المصدر).

        هناك مثل فرنسي يقول "أن تفهم كل شيء يعني ان تغفر كل شيء". ومن المؤكد انه لا يمكن ان ينطبق على شباب "شارة الثمن"، الذين يدمرون أملاكا عربية ويضرون بمساجد ويهاجمون الجيش الاسرائيلي. لا غفران لهذه الافعال – فالحديث عن مخالفات جنائية ينبغي العقاب عليها، لكن لا يقل عن هذا أهمية ان نفهم ما الذي يكمن وراء هذا السلوك.

        ان هذه الاعمال تضر بالضحايا، لكنها تضر ايضا بدولة اسرائيل – بعلاقاتها بمواطنيها العرب، وبعلاقاتها بالسكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة، وسمعتها الحسنة في العالم. ومن المؤكد ان هذا هو مقصد فاعليها. هذا هو "الثمن" الذي يريدون ان تدفعه دولة اسرائيل. قد يكونون حمقى بما يكفي لاعتقادهم أنهم يستطيعون ان يمنعوا حل بؤر استيطانية غير قانونية. لكن العقل أكثر قبولا ان يكون سلوكهم نابعا من شعور شديد بالاغتراب، وأنه تعبير عن عداء بل عن كراهية لدولة اسرائيل ومؤسساتها وجيشها.

        لا حاجة الى الابعاد لنجد جذور تلك المشاعر الشديدة. سببها الانفصال – وهو الاقتلاع بالقوة لعشرة آلاف اسرائيلي من بيوتهم في غوش قطيف وشمال السامرة الذي نفذه الجيش الاسرائيلي قبل نحو من ست سنين. تم الانفصال بمبادرة رئيس الحكومة اريئيل شارون، بعد ان أعلن بأنه سيقبل نتائج استفتاء اعضاء الليكود في القضية، لكنه رفض بعد ذلك قبول قرار الأكثرية المخالفة. وتجاهل دعوات الى اجراء استفتاء شعبي في هذا الشأن. وحينما جيء بقضية الانفصال الى المحكمة العليا أجازته. وذكرت المحكمة في قرارها في الحقيقة ان اقتلاع مواطنين اسرائيليين هو نقض واضح لحقوق المواطن لكنها قضت بأن النقض كان "متناسبا".

        بخطوة لم يسبق لها مثيل عزلت حكومة شارون رئيس هيئة اركان يتولى عمله اعتقدت انه ليس متحمسا بما يكفي للانفصال. وفُرض على رئيس الاركان الذي حل محله ان يستعمل قوة الجيش الاسرائيلي لمواجهة مواطنين اسرائيليين. ولم يدرك ان استعمال الجيش على هذا النحو يمس بمشاعر كثير من الجنود تحت إمرته. والقوة التي استعملتها حكومة شارون، سياسيا واداريا وماديا، بينت عن تجاهل مطلق لآراء قلة كبيرة في الدولة، لكن شارون ومؤيدوه اعتقدوا ان الغاية تبرر الوسيلة، وكانت الوسيلة غير ديمقراطية بصورة سافرة.

        خلّف الانفصال جرحا لم يُشف لا في نفوس المقتلعين من بيوتهم فحسب الذين ما يزال كثير منهم بلا سقف يأويهم، بل في قلوب مئات آلاف عارضوا العملية ايضا. وفي الهامش أحدث هذا ظاهرة "شارة الثمن" المؤسفة. والدرس من كل هذا انه لا ينبغي في مجتمع ديمقراطي استعمال تكتيكات "جرافة" لوطء قلة كبيرة من السكان. وحقيقة ان أكثر الاسرائيليين بالنظر الى الوراء يرون الانفصال اليوم خطأ تلفت الانتباه لكنها ليست ذات صلة.

        ليست هذه خاتمة القصة. ان حزبا جديدا هو كديما ولد من الانفصال وله برنامج حزبي واحد هو اقتلاع مواطنين اسرائيليين من بيوتهم الموجودة في المناطق وراء خط هدنة 1949. وعلى نحو مفاجيء كثيرا، منحهم الزخم الابتدائي 28 مقعدا في الكنيست الحالية لكن لا شك في ان هذا الحزب في تهاوٍ وفي غضون سنين معدودة سيتم تذكره باعتباره منشورا سياسيا، لكنه سيُتذكر ايضا بأنه حمل على كتفيه ثقل ذنب ثقيل.

        وهكذا ماذا بقي من قرار شارون المتسرع على اقتلاع المستوطنين الذين أسكنهم هو نفسه في ارض اسرائيل؟ بقيت سلطة حماس في غزة، وحزب لا بقاء له وعصابة مخالفي قانون من الشباب. ان قانون النتائج غير المتوقعة قد ضرب مرة اخرى.