خبر جنوب السودان و« الوظيفة » الإسرائيلية .. عبدالوهاب بدرخان

الساعة 11:53 ص|26 ديسمبر 2011

جنوب السودان و"الوظيفة" الإسرائيلية .. عبدالوهاب بدرخان

رغم أن جنوب السودان دولة جديدة، بل الأحدث في العالم، ولا يزيد عمرها على ستة شهور، إلا أن أجواء زيارة رئيسها ل"إسرائيل" أوحت بأن لها تاريخاً تعود بداياته إلى ستينيات القرن الماضي، وفقاً لذاكرة شيمون بيريز الذي كان شاهداً على الاتصال الأول بين الجنوبيين، وهم في مستهل تمردهم، مع "إسرائيل". وقال بيريز لسلفاكير ميارديت إن ولادة جنوب السودان انطلاقة جديدة "في الشرق الأوسط".

 

ما علاقة الشرق الأوسط؟ لابد أن الرئيس الإسرائيلي عني أن جنوب السودان، انضمت عملياً إلى "المنظومة الإسرائيلية" في إفريقيا، وهي تشمل أثيوبيا وإريتريا وأوغندا وكينيا والتشاد وإفريقيا الوسطى، باتت هذه الدول أشبه بكماشة تحيط بالدول العربية الثلاث مصر والسودان وليبيا، التي تمر حالياً بمرحلة عدم استقرار مفتوحة على احتمالات شتى، من هنا إن ربط جنوب السودان بـ"الشرق الأوسط" يرتبط بالوظيفة التي تتصورها لها "إسرائيل" في المراحل المتبقية.

 

هذه دولة شاركت "إسرائيل" في صنعها، وبذل العرب ولا سيما السودانيين كل ما في وسعهم لدفعها إلى الانفصال، لاشك أن معرفة تاريخ العلاقة الإسرائيلية – الجنوب سودانية مهمة وضرورية، لكن التنبه إلى المستقبل يمكن أن يخفف من أضرار هذا الانفصال أو يحد على الأقل من مخاطره المتوقعة على ما تبقى من السودان، وعلى ما بعده، تحديداً مصر وليبيا، قيل إن مستشاري سلفاكير نصحوه بإبقاء زيارة "إسرائيل" بعيدة عن الأضواء، وهو ما حصل فعلاً.

 

فكل ما تسرب عن محادثاته يريد إقناع الجانب العربي بأنها ركزت على مسألة المهاجرين غير الشرعيين الذين تسعى "إسرائيل" إلى التخلص منهم، وقد وافق سلفاكير على استيعاب جزء منهم.

 

أما الطابع السري للزيارة فلا صعوبة في إدراك أنه يتعلق بالشؤون العسكرية والأمنية، فضلاً عن بناء تحليل مشترك للعلاقة مع العالم العربي وللتحولات الخاصة فيه, وقبل سلفاكير كان الرئيسان الأوغندي والكيني في "إسرائيل"، طبعاً، الجميع يبحث عن مساعدات في مجالات الزراعة والتكنولوجيا ومعالجة المياه والبنية التحتية وتلعب "إسرائيل" هنا وظيفتها الأمريكية في تحريك دول "المنظومة" في الاتجاه المرسوم ضد العرب. هي تقدم خبراتها وتقوم بدور وسيط دولي لاستجلاب المساعدات الأخرى من مصادرها الغربية، كما أنها تتولى جانباً مهماً من إدارة الأزمة المتعلقة بمنابع مياه النيل، ولديها في هذا الإطار تحديداً ما تطلبه من دولة جنوب السودان، والأكيد أن المرحلة الانتقالية في مصر ما بعد الثورة، وفي السودان ما بعد الانفصال، تشكل بالنسبة إلى "إسرائيل" أفضل الفرص السانحة لتطوير "منظومتها" ودفع التأزيم إلى أقصاه كإجراء استراتيجي احترازي يستبق نهاية المرحلة الانتقالية ونتائجها.

 

جنوب السودان دولة بصدد الإنشاء وتحتاج إلى كل شيء، ولعل أول ما تحتاجه أن تستكمل إنهاء المشاكل العالقة مع الشمال، سواء بإنجاز ترسيم الحدود أو بحل الإشكالات في ملف النفط.

 

لا الأمم المتحدة رغم كونها منخرطة في معالجة النزاعات ولا الولايات المتحدة رغم إدارتها المباشرة لاستحقاق الانفصال وما بعده، استطاعتا أن تحولا دون نشوب معارك حدودية أدت إلى تهجير عشرات الآلاف في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق خلال الأسابيع الأخيرة وثمة سببان رئيسيان للإخفاق في حل تفاوضي لقضية تداخل الحدود، أولهما أن كل طرف يشعر بأن موازين القوى (وامتداداتها الإقليمية والدولية) تبدلت بعد الانفصال، والثاني أن كلاً منها مأزوم بمشاكله الداخلية، ولذلك يتضخم يوماً بعد يوم منطق المعالجة العسكرية للخلافات، ورغم أن قوات تستطيع حسم الموقف لمصلحتها حتى الآن، إلا أن الجنوب ورعاته وحلفاءه يستطيعون الرد بافتعال التمردات وزرع بذور النزاعات في شرق السودان وغربه. وهو ما جربوه سابقا في دارفور وسيواصلونه مع مساهمة إسرائيلية لن تضطر هذه المرة إلى التخفي لأنها ستتمتع بـ"شرعية" جنوبية.

 

لكن في مختلف الأحوال ستكون لجنوب السودان مصالح دائمة متداخلة مع مصالح للشمال، وبالتالي فإن الدولة الجديدة مدعوة لأن تراعي هذه الحقيقة وأن تعي أن المصالح لا تدرك بالضغط العسكري فحسب، بل إنها في نهاية المطاف تتطلب اتفاقاً سياسياً لضمانها. هناك سعي حالياً في إطار الاتحاد الإفريقي، ويفترض أن يحيد أبيي ومنطقتها بانسحاب الطرفين منها ومرابطة قوات أثيوبية فيها. وربما أمكن التوصل إلى ترتيبات مماثلة لمناطق النزاع الأخرى. غير أن هذا لا يشكل حلاً، ولا يعفي الطرفين من البحث عن حل دائم باتفاقهما وتراضيهما لأن استمرار الخلاف مع وجود طرف ثالث على الأرض يفتح الأبواب للاختراقات وللمزيد من العبث، خصوصاً إذا كانت هناك أطراف (أمريكية وإسرائيلية وغيرها) تعمل وفقاً لأجندات تخصها ولا تتعلق بالسودان وحده وإنما بلعبة استراتيجية تشمل المنطقة ولا سيما الدول العربية فيها.

 

من المقلق ألا يكون هناك إشراك للجامعة العربية، أو لأطراف عربية، في مساعي معالجة الشأن السوداني الشمالي-الجنوبي، في حين أن "إسرائيل" تشارك بشكل أو بآخر، وجميع المعنيين يعرفون أن الأمر لا يتعلق فقط بخلافات حدودية، وإنما بالأمن الإقليمي، فبعد الانفصال أصبح أمن السودان، واستطراداً أمن مصر، معرضاً لمزيد من الاختراقات، إذا لم يكن الانفصال مقدمة لعلاقات تعاون ووئام بين الشطرين، كما يفترض، فإن استمرار التربص والمواجهات يعني أن الشمال مرشح لتمزقات أخرى، وهو ما يبدو أنه يناسب مصالح دول "المنظومات الإسرائيلية" التي ترى أن بقاء السودان مع ثرواته الطبيعية يديمه دولة قوية وسنداً استراتيجياً لمصر.

 

خلال وجوده في القدس المحتلة قال سلفاكير ميارديت للإسرائيليين "من دونكم ما كنا لنكون موجودين، قاتلتم معنا لإنشاء جمهورية جنوب السودان. "إسرائيل" مثال للنجاح ونموذج يحتذى. نريد أن نتعلم منكم".. صحيح أن جنوب السودان ليست الدولة الإفريقية الأولى التي تغريها العروض الإسرائيلية، لكن ينبغي الحذر منها لأن لديها رواسب ودوافع واحتياجات تتيح ل"إسرائيل" توظيفها في مخططاتها.

 

صحيفة الشرق القطرية