متى حاربتم إقصاء العرب؟- هآرتس
بقلم: جدعون ليفي
ويلي، كم هو حسن ولذيذ (ومهم ايضا بقدر ما) تلقف اقصاء النساء في الوسط الحريدي. فعناوين رئيسة تصرخ، واحتجاج عام شامل، وساسة ينددون بقوة، ونساء يُعرضن أنفسهن للشتم في المقعد الأمامي، وها هي ذي ولدت عندنا بطلة لحظة جديدة اسمها تانيا روزنبلت، هي روزا لويس باركس الاسرائيلية.
ويلي، كم هو حسن ولذيذ أن نجد بين الفينة والاخرى أمرا يستحق الاحتجاج لا يغضب كثيرين جدا، أمرا يستطيع الجميع تقريبا العطف عليه وأمرا يمكن حتى الافتخار به: كم صرنا جميلين نحن المحاربين من اجل الديمقراطية وطالبي المساواة من الاسرائيليين. وكم هو حسن ولذيذ ايضا ان نُعلِم عدو العدالة الاول في اسرائيل وهو: الحريديون "السود" جميعا. يجوز الانقضاض عليهم كما تشتهي أنفسنا ولن يدفع أحد عن هذا أي ثمن. ما أشد ليبراليتنا واستنارتنا. ان الاقصاء لن يجتاز عندنا وايران ليست هنا. ما إن انتهى احتجاج شليط حتى بدأنا الاحتجاج على الاقصاء، إننا مجتمع مدني متنبه ذو مشاركة.
ان اقصاء النساء الحريديات يثير الغضب حقا؛ لكن اقصاء مظالم اخرى عن جدول الاعمال وكأن الثورة عليها أقل حسنا ولذة أشد اثارة للغضب. ان مكافحة اقصاء النساء مهما تكن مهمة مصابة بنقص: ينقصها مكافحة الاقصاءات الاخرى. ان المدرسة الثانوية في هرتسليا التي تمرنت أول أمس على اقصاء النساء بمسارات منفصلة للبنين والبنات ما كانت لتتجرأ على فعل هذا في شؤون اخرى: كمسارات منفصلة للسود والبيض، كما هي الحال في الانتقاء الآثم في الملاهي؛ ومسارات منفصلة لليهود والفلسطينيين كما هي الحال في حواجز الفصل؛ ومسارات تفتيش منفصلة لمواطنين يهود وعرب في المطارات. أصبح هذا معتادا لا نمس به ولا نثور عليه.
لكن يوجد اجماع على مجابهة الحريديين، لهذا فنضالهم يحظى دائما بالمناصرة. ان صحف الجماهير والتلفاز المتاجر به اللذين لا يتجرآن على تناول مظالم اخرى يثوران عليهم بفخر، فهذا النضال لا يحتاج الى أي جهد. ان الفضاء العام الذي يخشى على سلامته وعدالته الاسرائيليون الآن مليء بالاقصاء: هل تتحدثون عن النساء في المقاعد الخلفية؟ ان الفلسطيني لا يستطيع حتى ان يركب هذه الحافلة لا في الأمام ولا في الخلف. حاولوا ان تكونوا فلسطينيين وان تركبوا الخط 160 من الخليل الى القدس. وليس عرضا أنه لم تقم بيننا تانيا تحاول تحدي هذا النظام الأعوج الذي يعايشه الاسرائيليون بسلام بالطبع، بسلام مطلق.
ان مكافحة اقصاء النساء صارخة: قد تكون هذه الحالة حينما تهاجمك مشاعر الذنب لتجاهلك اقصاءات اخرى. اذا كانت هناك أساور الكترونية للنادلين قلتم أنقذونا من العبودية. أما اذا عاش اللاجئون الأفارقة في ظروف فظيعة فلا أحد يهمه هذا. ان الغث والسمين مختلطان، واذا كانت مظلمة فظيعة وبازائها مظلمة صغيرة فيحسن ان نكافح المظلمة الصغيرة لأن هذا يبدو بصورة أفضل. ان اقصاء النساء الحريديات ليس مظلمة صغيرة لكن الرد عليه يثير الريبة: ربما لا تستطيع ليبراليتنا وتنورنا تحمل المختلِف والآخر. وربما أبصارنا ضعيفة ولا ترى، فالحريديون ظلاميون وغير متسامحين ونحن ذروة الاستنارة والمساواة لكن بشروطنا نحن فقط، بالطبع.
انه حتى لو قامت عشرة آلاف امرأة حريدية وقُلن دعونا وعاداتنا فاننا لن نخضع ولن نتخلى. وستجلس تانيا في المقعد الأمامي برغم أنوفهن. فالحريديون هم أصلا كيس ملاكمة المجتمع، لهذا سيحارب الاسرائيليون في غضب شديد تمييز نسائهم لكنهم لن يفعلوا هذا لمقاومة تمييز النساء العلمانيات الذي يكون احيانا أشد كثيرا حتى لو كان يُسمح لهن بأن يجلسن في أي مكان شئن في الحافلات.
ويميز هذا النضال ايضا التعميم على الحريديين، فكلهم كشخص واحد طفيليون واستغلاليون وهم طائفة سوداء ظلامية بلا أي تنوع – مثل الفلسطينيين بالضبط المتعطشين جميعا الى الدم والذين لا يريدون سوى القضاء على اسرائيل. هذه حال العنصرية. يجب مكافحة محاولات الحريديين للسيطرة، لكن النضال يجب ان يكون مُقدرا يشمل كل مظلمة بحسب مبلغ شدتها. لكن مكافحة الحريديين هي مكافحة مضايقة بصورة مخيفة وانتقائية. ستجلس تانيا في مقعد الحافلة الأمامي وسنظل نصرف الأبصار عما يجري في مقعد المجتمع الخلفي.