خبر أن يكون المرء فتى التلال..معاريف

الساعة 11:00 ص|16 ديسمبر 2011

بقلم: كلمان ليبسكند

بودي أن أدعوكم الى جولة من النوع الذي لم تخوضوه بعد. هذه جولة بارشاد من فتى التلال رشق هذا الاسبوع حجرا على ضباط الجيش الاسرائيلي. هذا لن يجعل فعلته أكثر شرعية أو أقل فظاعة، ولكنه سيشرح بضعة أمور لا يمكن تجاهلها وكأنها لم تكن.

قبل ست سنوات طرد رفاقه وأقرباؤه من غوش قطيف. جرافة عسكرية خربت بيتهم. هذا حصل رغم أنه في الانتخابات الديمقراطية انتخب الشعب بالذات النهج السياسي المعاكس، غير أن هذا لم يثر اهتمام أحد. وسائل الاعلام، التي روت دوما بانها تحمي الديمقراطية، صفقت بالذات للخطوة. على مدى السنين يعيش هو في ظل ارهاب فلسطيني لا يشعر به في تل أبيب أحد في شيء. بعض من جيرانه في البلدة قتلوا. آخرون اصيبوا. هو ورفاقه يتعرضون للاعتداءات بالحجارة والزجاجات الحارقة حتى اليوم، ولكن شيئا من هذا لا ينجح في التسلل الى النشرات الاخبارية. الصحافة التل أبيبية تعنى بشجرة الزيتون التابعة لاحمد الفلسطيني من القرية المجاورة أكثر مما تعنى بالرأس النازف بجاره الرضيع ابن سنة ونصف. وهو يعرف بان رجال اليسار المتطرف يشاغبون في بلعين، في نعلين وفي النبي صالح كل يوم جمعة. وأنهم يرشقون الحجارة على جنود الجيش الاسرائيلي. ليس مرة واحدة، بل كل اسبوع. وهو يتسائل: "اذا كنتم حريصون جدا على سلامة الجنود فلماذا لا تهاجموهم هم ايضا بذات الفظاظة؟". ولا جواب.

انه ينظر كيف تتعاطى وسائل الاعلام مع أعمال الشغب لعرب اسرائيل بتفهم ويطالب بالقليل من هذا لنفسه أيضا. فهو أيضا مواطن هنا. أبوه موظف دولة. أخوه يخدم في وحدة قتالية. "العرب مظلومون"، يشرحون له، "هذا موضوع آخر تماما". وهو يرى شواهد ليهود تتحطم كل يوم في جبل الزيتون ويحاول أن يفهم كيف لا يروي أي موجز للاخبار عن ذلك، بينما الشعارات الاخيرة التي رشها لعبت دور النجم في العناوين الرئيسة. عندما يطلق كلمة ضد القانون او ضد قرار لمحكمة العدل العليا يجعلونه فوضويا. "ألو، هنا دولة قانون"، يوبخونه في المقالات. "ممتاز"، يجيب. "ولكن لماذا مسموح لكم؟ لماذا عندما لا تحبون أنتم قانون غرونيس او قانون الجمعيات أو قانون القذف والتشهير، مسموح لكم السخرية به والتحريض ضده؟".

وعندها يأتي الى رمات جلعاد. قطعة ارض اشتراها قبل نحو ثلاثين سنة موشيه زار، معوق بنسبة 91 في المائة، معظمها في اعقاب عين فقدها وهو في بزة الجيش الاسرائيلي في حملة السويس، والباقي كنتيجة محاولة فلسطيني قتله. زار دفع لصاحب الارض العربي وهو يفلحها منذ عشرات السنين، غير أن اليسار المتطرف يدعي الان، فيما تضم اليه النيابة العامة للدولة بانه لما كانت الصفقة لم تسجل كما ينبغي فان هذه أرض خاصة لفلسطيني. وتطالب الدولة من زار اخلاء البلدة التي اقامها على الارض، البلدة التي تحمل اسم ابنه، الرائد احتياط والاب لثمانية أطفال، الذي قتل في عملية مضادة. فيصرخ زار "ولكني اشتريت الارض، اريد أن ارى فلسطينيا واحدا يدعي بان هذه له". هذا هو، لا يوجد فلسطيني كهذا.

في رمات غان لن يخلى أحد ابدا بدعوى تجاوز الحدود، اذا لم يؤتى بأحد ليدعي بانه اعتدي على حدوده. حيال المستوطنين كل شيء مسموح به. ويراه فتى التلال كيف يحاول موشيه زار رفع قصته البسيطة جدا الى وسائل الاعلام فلا ينجح. وهو ينظر كيف يجلس هذا الرجل، ابن 74، مع زوجته أمام منزل رئيس الوزراء، بهدف الاعراب عن احتجاجه، والصحافة غير مستعدة للانصات.

وينظر الفتى الى كل هذا فلا يعرف نفسه. علموه عن الصحافة الحرة. عن الديمقراطية. "اين هم عندما يصل الامر اليه"، يسأل. فلا مجيب. ويتجول حول بيته ويرى عشرات الاف البيوت الفلسطينية التي بنيت بدون قانون وبدون اذون. "لماذا لا يفعلون شيئا لهم"، يرغب في أن يعرف. ولا مجيب. كما لا صحفيا فضولا يجري بحثا في هذا. ولكن عندما طرحت الفكرة الهاذية بالاعلان عن رجال التلال بانهم "منظمة ارهابية" ورئيس الوزراء ردها ردا باتا، نهض عليه فورا اولئك الصحفيون بغضب شديد. هذا دوما يثير فضولهم، اولئك الصحفيين الذين قبل اسبوعين فقط اعلنوا للمرة الالف كم ينبغي للصحافة أن تجري حسابا للنفس على احادية الجانب لديها وينتظرون على ما يبدو مرة اخرى فرصة اخرى كي يفعلوا ذلك.

ويقف فتى التلال هذا، شاب ومشوش الفكر، مرضوض ومجروح، وفاقد للثقة. بالدولة، بوسائل الاعلام، بالمحكمة، بالديمقراطية الاسرائيلية التي يرفع اسمها كل اولئك عبثا. الغالبية الساحقة من رفاقه، على نحو جدير بالتقدير والتحية، يصلون الى سن 18، يعضون على اسنانهم، ويتجندون بجموعهم الى الوحدة البحرية وسييرت غولاني. بعضهم، ممن هتفوا نحوهم هم ايضا بانهم فوضويون واناس مثل فؤاد بن اليعيزر اقترحوا اطلاق النار عليهم، مدفونون في المقبرة العسكرية في بلدته. هو نفسه لم ينجح في التغلب على الاحساس العسير. على الاهانة، على المذلة. يخيل له أنه يفهم بالضبط ماذا يقول الدرس الذي يلقنه اياه كل فرسان الديمقراطية اولئك. "توجد هنا قواعد لعب"، يقولون له، "فقط عليك لا تنطبق. عليك توجد قواعد اخرى". وعندما تكون هذه هي الرسالة، لا يجب أن نتفاجأ عندما يقرر، لمصيبتنا، بان الحجر هو السبيل الوحيد المتبقي له كي يكافح ضد هذه الديمقراطية الزائفة.