خبر لماذا تخشى إسرائيل تداعيات الثورات العربية؟../ ماجد كيالي

الساعة 07:38 ص|08 ديسمبر 2011

لماذا تخشى إسرائيل تداعيات الثورات العربية؟ ماجد كيالي

 

لن تسلم إسرائيل من تداعيات الثورات الشعبية العربية عليها على الصعد الإستراتيجية السياسية والأمنية وبما يتعلّق بمكانتها الإقليمية وصورتها الخارجية.

 

هذا يفسّر أن إسرائيل هي أكثر من يخشى التحولات العاصفة في بعض البلدان العربية إذ وجدت نفسها فجأة في مواجهة وضع غير متوقّع، لم يكن في حسبانها، ولم ترصده دوائر استخباراتها ولا مراكز البحث والتحليل فيها. وما يفاقم من ذلك بالنسبة لإسرائيل أن هذه التحولات تحدث في لحظة جدّ صعبة وحرجة بالنسبة لها، إذ تشهد فيها مساراً دولياً لنزع الشرعية عنها، وانحسارا في مكانة الولايات المتحدة الاميركية، وهي حليفتها وضامنة أمنها وتفوّقها في هذه المنطقة.

 

وبحسب نظر ناحوم برنياع فإن "الثورات في العالم العربي هزّت الاستقرار الإقليمي، وأضعفت الحكومات، وأطلقت إلى الشارع الكراهية والإحباط، بما فيها الكراهية لإسرائيل أيضا.. هذه فترة محملة بالمصائر أيضا بالنسبة لمكانة إسرائيل في العالم. الولايات المتحدة توجد في نقطة سفلى لم تشهد لها مثيل منذ الثلاثينات من القرن الماضي. وهي لا يمكنها أن توفّر لإسرائيل حماية مطلقة..الشرخ مع تركيا، الاضطرابات في مصر، والعطف الذي لاقاه التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، كل هذا يوضّح بأننا وصلنا إلى نهاية عصر...أسرة الشعوب، بأغلبيتها الساحقة تدير لإسرائيل ظهرها". (يديعوت أحرونوت 21/9)

 

وفي الحقيقة ثمة لإسرائيل ما تقلق بشأنه وما تخشاه من تداعيات الثورات الشعبية عليها. ومثلا فلقد أدخلت هذه الثورات المجتمعات العربية في معادلات الحرب والسلام وفي موازين القوى في الصراع الدائر مع إسرائيل لأول مرة في تاريخ هذا الصراع، بعد أن كان هذا العامل مغيّبا بحكم تهميش هذه المجتمعات وتعطيل دورها، من قبل الأنظمة التسلّطية السائدة. هذا يعني أن معادلات الصراع مع إسرائيل لم تعد محكومة بأمزجة الحكام، وإنما باتت في نطاق تحكّم المجتمعات التي بات لها رأيها في مداخلات الصراع العربي - الإسرائيلي.

 

وفي الواقع لقد أعادت الثورات الشعب إلى مسرح التاريخ، وجعلته سيد مصيره، وهذه الثورات التي تتوخّى الحرية والعدالة والكرامة للشعب في بلدانها، لابد أن تتمثل هذه القيم في سياستها الخارجية، ولاسيما بما يتعلق بتحجيم مكانة إسرائيل ووضع حد لغطرستها في هذه المنطقة، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.

 

أيضا فإن الثورات الشعبية الحاصلة (من تونس إلى اليمن مروراً بمصر) غيّرت البيئتين السياسية والأمنية المحيطتين بإسرائيل، فمصر قبل الثورة هي غيرها ما بعدها، أي أن علاقات الخنوع والاستجداء والتملّق التي وسمت علاقة نظام مبارك بإسرائيل لم تعد مقبولة، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الأمن؛ دون أن يعني ذلك تحوّل مصر من علاقات التعايش مع إسرائيل إلى الحرب معها. هذا يفيد بأن استعادة مصر لدورها ولمكانتها الإقليمية سيسهمان في لجم عدوانية إسرائيل وتحجيم مكانتها، وأن هذه لن تعود للاشتغال بنفس الطريقة السابقة.

 

مع ذلك فمن المفهوم أن استبعاد عودة حال الصراع بالحرب، أو بالوسائل العسكرية (النظامية أو غير النظامية)، مع إسرائيل لا يعني القبول بالتعايش معها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية في هذه المنطقة، بقدر ما يرجّح الدخول معها في اشتباك حقيقي، لكن بالوسائل السياسية، وبالطرق السلمية المتاحة والممكنة والمشروعة، مع ما يحتمل ذلك من مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية التي يفرضها وجود إسرائيل على العالم العربي.

 

وفي الحقيقة فإن التحوّل نحو الديمقراطية وإرساء دولة المواطنين، سيفضيان بداهة إلى انتهاج سياسات واضحة، عقلانية وواقعية تُوازِن بين الحقوق والقدرات، وبين المأمول والممكن في مجال الصراع مع إسرائيل. مع ذلك ينبغي أن يكون مفهوما بأن هذه السياسات، التي ستحفظ الحد الأدنى من الحقوق والكرامة والعدالة في مواجهتها للسياسات الإسرائيلية المتعنتة، لا تقارَن بسابقاتها التي استمرأت العيش على الادعاءات والتوهمات والمزايدات، أو تلك التي استمرأت الخنوع والاستجداءات والتنازلات، إزاء إسرائيل.

 

أخيرا فإن الثورات الشعبية العربية، التي تحثّ الخطى نحو إقامة دولة المواطنين وتعزيز نظم الحكم الديمقراطية، حشرت إسرائيل في الزاوية، وكشفتها على حقيقتها باعتبارها دولة استعمارية وعنصرية وعدوانية ودينية، وبمثابة ظاهرة رجعية في المنطقة، منهية بذلك الأسطورة التي طالما روّجتها هذه الدولة المصطنعة عن نفسها باعتبارها "واحة" للحداثة والديمقراطية والعلمانية في "صحراء" الشرق الأوسط.

 

هذا يحدث، أيضا، بسبب إصرار إسرائيل على تبرير ذاتها، وتبرير واقعها كدولة استعمارية وعنصرية، بخاصة في طلبها الاعتراف بها كدولة يهودية حصرا، وبإصرارها على الاستمرار في الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة ومواصلتها السيطرة على شعب آخر بوسائل القوة الغاشمة؛ وكأنه يمكن لها الجمع بين الحداثة والديمقراطية وبين اعتبارها دولة يهودية وعنصرية!

 

هكذا وبينما يحثّ العالم الخطى نحو تعميم قيم الحداثة، المتأسّسة على العقلانية والعلمانية والليبرالية والديمقراطية، ونبذ الأصولية والتطرف الديني والتسلط، ويتجه نحو دولة المواطنين الديمقراطية الليبرالية، تذهب إسرائيل على الضد من التاريخ العالمي، وحتى على الضد من التاريخ الجديد للشرق الأوسط، المحمول على رياح الثورات العربية باتجاه الديمقراطية ودولة المواطنين.

 

الآن، وأكثر من أي وقت مضى، وبينما المنطقة العربية تتّجه نحو التغيير، أي نحو الحداثة والديمقراطية ودولة المواطنين، على رغم كل المعاناة وآلام الولادة، فإن إسرائيل تقف أمام مفترق طرق، فإما تواكب عملية التغيير هذه، بالتخلّي عن كونها دولة استعمارية وعنصرية ودينية، وقبول حل الدولة الواحدة المدنية والديمقراطية، أو أي حلّ آخر يؤدي أو يمهّد له، وإما تقاوم عملية التغيير الجارية، وتكرس ذاتها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، وكظاهرة رجعية في هذه المنطقة. وفي الحقيقة فإن إسرائيل أمام كلا الطريقين، تجد نفسها في مواجهة عملية تغيير تاريخية، وأمام أسئلة لم تعتد عليها، ولم تهيئ ذاتها لها.