خبر التجديد أو الفناء -هآرتس

الساعة 09:31 ص|06 ديسمبر 2011

التجديد أو الفناء -هآرتس

بقلم: حزقيال درور

(المضمون: يعتقد الكاتب ويدعو القيادة الاسرائيلية الى إقرار نظرية امنية جديدة تقوم على ركيزتين الاولى زيادة الميزانية الامنية لمواجهة ما قد ينشأ من أخطار امنية والثانية ان تخرج اسرائيل بمبادرة سلام جدية وصادقة وشاملة - المصدر).

        ان أحد الدروس الواضحة من التاريخ – للأنواع البيولوجية والدول ومنظمات الاعمال – هو أن عدم القدرة على التجدد في محيط متغير يعني الفناء. في احيان متباعدة تعمل تغييرات في المحيط في مصلحة المحافظ لكنها لا تؤثر في مصيره بفضل عزلته أو قوته. وليس هذا هو الوضع الذي توجد فيه اسرائيل. لهذا فان الزخم السياسي الذي تظهره يثير خوفا من تدهور وتهاوٍ.

        يجب ان نزيد على هذا درسا تاريخيا آخر وهو ان الدول الناشبة في وضع ثوري قد تنتج مستويات طاقة عالية جدا. ومع كل الفروق يكفي أن نذكر ما حدث لدول استهانت بقوة فرنسا الثورية أو الاستخفاف الامريكي بحماسة كوبا الثورية. وفي شأننا، ينبغي أن نحذر من فرض ان الدول العربية التي هي في حالة انتقال ستدخل بالضرورة فترة ضعف.

        لا يمكننا ان نتنبأ مقدما ما هي نظم الحكم التي ستنشأ في الدول العربية، ولكن من شبه المؤكد ان وزن "الشارع" سيزيد وتزيد معه العداوة لاسرائيل وإن لم تكن عميقة بالضرورة. وستفضي مستويات الطاقة الوطنية العالية وصعوبات الداخل الى البحث عن أعداء في الخارج وقد يصبح سلوك الادارة أكثر مغامرة. ولكل ذلك آثار ذات شأن على اسرائيل مثل انسحاق قوة ردعها والخشية من مخططات هجومية عليها حتى لو لم تكن "عقلانية".

        ويُحتاج ان نأخذ في الحسبان ايضا من جملة ما نأخذ الميل الى انخفاض آخر لتأثير الغرب الذي قد يُدفع ايضا الى ازمة اقتصادية عميقة وطويلة.

        يفضي هذا التقدير الى استنتاجين مركزيين يتعلقان بالتحديث الجذري الذي تحتاجه اسرائيل – وكأنما يناقض بعضهما بعضا لكنهما في الواقع يُتمم بعضهما بعضا: يجب على اسرائيل ان تخرج بمبادرة سلام شاملة من جهة، وتطوير نظرية أمن جديدة في جزء منها من جهة ثانية تشتمل على عناصر هجومية جدا لتُستعمل زمن  الازمات.

        ان الحاجة الى نظرية أمنية جديدة في جزء منها لا تحتاج الى تعليل ولا شك في ان الجهات الامنية متنبهة لها. بيد أنه يجب أن نعترف ايضا بتأثير هذا برغم أنه ليس سهلا سياسيا: من الضروري ان نزيد ميزانية الامن. فلا مفر من توجيه موارد اخرى كما تقتضي نظرية أمنية مجددة، على حسب فحص متشدد. ان توصيات لجنة بروديت (التي تربط بين زيادة الميزانية الامنية والانتاج الوطني) لا تلائم الوضع المتغير، والحديث عن تقليص لميزانية الامن لا يصمد لامتحان الواقع الجديد.

        معنى هذا ان امكانات تحسين سياسة الرفاه محدودة جدا، هذا الى زيادة الخوف من الاضرار بالاقتصاد الاسرائيلي على أثر الازمة العالمية. لا شك في انه يجب الاهتمام أكثر بالمحتاجين حقا لكن "اقتصاد انتخابات" ووعودا "بالاحسان الى الشعب" على حساب الحاجات الامنية لا مسؤولية فيها.

        وهنا نصل الى الجانب الثاني للقطعة النقدية، أعني مبادرة السلام. هناك من يزعمون أن الوقت غير مناسب لذلك وان هذا سيُرى علامة ضعف تستدعي العدوان. لكن الثورات لا تنشيء أخطارا فقط بل فرصا ايضا لأنها تُليّن التشدد وتضعضع ما كان مفهوما من تلقاء نفسه.

        نأتي بمثل صغير يقول الكثير: ان نشاط الجامعة العربية على سوريا لم يسبق له مثيل وكان يعتبر غير ممكن قبل سنة. ينبغي ألا نتجاهل حقيقة ان الثورات في العالم العربي – التي تجلب معها تفكيك أمور كثيرة اعتبرت مفهومة من تلقاء نفسها – مع تزايد العداوة والأخطار على اسرائيل، تنشيء فرصة لمبادرة سلام اسرائيلية بشرط ان تكون جدية وصادقة وشاملة.

        ان التحصن التفكيري مثل المراوحة حول مفاوضة الفلسطينيين والتقليص الغوغائي لميزانية الامن هما اذا ضد المبادرة الخلاقة المطلوبة في ضوء التحولات في المنطقة مع الأخطار والفرص الكامنة فيها.

        والسؤال الحرج هو هل تعتمد تقديرات الوضع التي تُبحث في الحكومة على رؤية شاملة لـ "العوض والرد"، و"النماء والتهاوي" – مع الاستنتاجات التي تنبع من ذلك. إن لم يكن هذا فانه يزداد الخوف من تهاوٍ نسوق اليه بأيدينا سيأتي التجديد على أثره فقط بعد دفع رسوم دراسية عالية لا داعي لها.