خبر كِليني لهمٍ....علي عقلة عرسان

الساعة 02:04 م|02 ديسمبر 2011

كِليني لهمٍ....علي عقلة عرسان

 

"كليني لهمٍ.."، وأي همٍ يا أمتي في ليل مربوطة نجومه بأمراس إلى شم جبال من المآسي؟! وأي فجر ينتظرنا وننتظر بينما الشروق دمٌ والغروب سيلُ عرمٌ من ليل قادم تدفعه الريح العجول نحو مجهولٍ بعد مجهول؟!.. يا أمتي التي يُراد لها أن تكون الأمَة، تخدم وتلطُم، وتُفجع ببنيها فتدفع من تبقى منهم إلى من يشتد فتكاً بها وبهم.. حين يقدَّم الدخيلُ على الأصيل، ويسمو الشوك على النخيل، ويصبح الكذب نبراساً والصدق مَداساً، والعدو الألد ملاذاً، ويسوس الناس سائس الخيل فيفضي بهم من ليل إلى ليل، وتغدو الفوضى حرية، واستعداء الأعداء على الأوطان قيمة تحررية، ويعلى المرء أن يختار بين الاستعمار والاستبداد، بين الذل والذل منفذاً إلى الإنقاذ.. وتتغير المفاهيم والمعايير والقيم والأحكام، فيلبس التدمير ثوبَ البناء، والظلمُ زيَّ العدل، والفسادُ تاج البلاد، ويساط كرام الناس بسياط أراذلهم.. عندها يذبل الوجدان، ويضمر الإيمان، وُيهان العقل، ويحتقَر الإنسان.. ويدخل العباد والبلاد في الغمة، ويموت عزمُ الأمة.. ويصبح النار ليلاً يضاف إلى ليل تُربط نجومُه بأمراس إلى شم جبال من المآسي.. ويقاسي القلب في كل امرئ ما يقاسي. 

ها هم أبناؤك وأداؤك يا أمتي التي يُراد لها أن تكون أمَةً، ها هم يدفعوننا إلى أن ندخل الفتنة من أوسع أبوابها، فيقتل بعضنا بعضاً حتى الإفناء، على الهوية والطائفية والمذهبية، وعلى ما شاء من يشاء من أسباب تفتل حبال الموت.. وها نحن نشرف على أن نرهن قرارانا وبلادنا ومستقبلنا لمن يدفعنا إلى التهلكة ويريد أن يفرِّج أزمته بتأزيمنا، وأن نفتقر ليغنى، ونشقى ليسعد، ونموت ليحيا.. فنسير في طريق يرسمها لنا ويدفعنا إليها.. فيمول اقتتالنا حتى يبلغ غاية الوهَن منا، ثم يأخذنا ويأخذ بلادنا وثرواتنا وغلالنا وجهودنا لقاء ما قدمه من سكاكين نحَرنا بها أنفسنا ونحَرَنا هو بها.. نعم يا أمتي إننا نرفض أن نكون كذلك، ولكننا في الوقت الذي يرتفع منا صوت الرفض نركض في الطريق المرسومة لنا إلى حيث التهلكة التي قدرها لنا بعَمَه لا نظير له، نترامى كالفَراش على نار المصابيح ونحترق ليزداد العدو تلذذاً باحتراقنا.

إننا نصرخ في الساحات رافضين الفتنة لأننا ندرك مراميها ومعانيها ونتائجها، ولكن نبدو على نحو ما أننا وقودها ومن يُضري نارها.. إننا نعيش المحنة ونرفضها وندلف إلى الأسوأ فالأسوأ خطوة بعد خطوة، ننكر ما نحن فيه ونستنكره ونمشي إلى مهاويه وعيوننا معصوبة لا تريد أن ترى الحُفر في الدروب والأحقاد التي تنمو في القلوب وتؤسس لما بعدها في قابلات الأيام مما يجعل النار تحت الرماد.. إننا نلتحف الشتاء بانتظار وعد الربيع.. وندرك جيداً أنه لا ربيع لمن يغوص في مستنقع نجيع بعد نجيع، ويحفر لأخيه قبراً ويحفر أخوه له قبرا.!! في ربوعنا يأتي الربيع على أحلامنا ويضخم أوهامنا ويقزم قاماتنا وآمالنا، فنتنشق على أبوابه رائحة ما تجود به فوهات البنادق بدلاً من أزهار الحقول وطيب النبات.. أمتنا العربية الرسمية تسوطُنا بثاراتها وقراراتها وارتباطاتها وولاءاتها لآخرين لا يريدون لنا الخير، وتصفي حساباتها الداخلية بهذه الطريقة الجهنمية أو تلك، وأمتنا الشعبية تريد ولا تملك إنفاذ ما تريد، وتُسجر نار الادعاءات والأكاذيب ولا تكاد تصحو من هول ما يدور في أرضها وما يصاب به وجدانها.. يلتهمنا الحدث الدامي بعد الحدث الدامي ويتربص بنا العدو ويستفيد من كل لحظة وتصرف وثغرة وعنترية رعناء نبديها بتذاكٍ أو بنوع من الحماسة وصدق الادعاء.. ودائرة السوء تدور وتكبر إذ تدور، ويديرها كؤوسَ موتٍ أبناءٌ في الوطن وآخرون باسم الوطن.. وفي النتيجة يخسر الشعب، وتضعف الأمة، وتترنح قيم الوطنية والمواطنة بين عشيق لها وعشق، والوطن ذاته يترنح بين فريق من أبنائه وفريق، وبين إرادة عدوٍّ وإرادة صديق.. وتستمر الدوامة المهلكة، حيث تدور كؤوس الدواهي على الجميع فيستنفدون وينتظرهم منها المزيد.. والحال من ذا الحال يا أمتي التي يُراد لها أن تكون أمَة تخدم وتلطُم.. فهل يفيد القول والمقال وقد انفلت الشر من العقال، وبات العقل أسيراً، والبصر حسيراً، والضمير ضريراً.؟!

يا لوجع القلب مما يعتمل في القلب من ألم، و يا لأمتي من أمَةٍ تُسام عسفاً وتتقاصر فيها الهمم في عصر العلم والقوة وتجبُّر الأمم.. ويا لقومي من قوم، لديهم من عروبتهم وعقيدتهم وقيمهم وتاريخهم ما ينقذهم ويعصمهم ويسمو بهم إن هم وعوه وصانوه وتشربوه، ولديهم ما إن تمسكوا به لن يضلوا: " كتاب الله وسنة رسول الله"، ومع ذلك يجافون حقائق دامغة في أهميتها وتجليها، حقائق تجعل عروبتهم وإسلامهم صنوان، جسد وروح، ولا حياة لجسد من دون روح.. فيقتتلون باسم القومية والدين، ويظلم بعضهم بعضاً باسم الحرية والعدل والشريعة والمساواة أمام القانون، وباسم الوطنية والعدالة والإنسانية والقانون، ويقودهم أو يؤثر فيهم ساسة وسياسات خارجيو معادية وإعلام ملغَّم بالمعاداة مثقل بالقصور عن ممارسة المهمة السامية للإعلام، يظهر في أدائه الممتحَن في المحن وكأنه الأدنى في الحكمة والقدرة على إعلاء كلمة الحق وتبين العدل والنهج الأصح وخدمة الحرية وقيم الأمة في هذه الظروف.. مع أنه فاعل ومؤثر..

وفي هذا الخضم من الفوضى والمقت والألم.. يعمل بعض قومي، يا لقومي، وهم على تلك العتبات وعندها، بإرادة منهم وقصد أو من دون إرادة منهم وقصد، على إماتة الصلات والعلاقات وإطفاء مصابيح الهداية، وطمس الحقائق والحق والقيم، ويخرجون على الشريعة والقانون وما يجمع الأمة أو ينقذها.. فيقتتلون، ويريق بعضهم دم بعض فتذهب ريحهم وتسكن الأحقاد في قلوبهم، ويؤخذ البريء منهم بجريرة المذنب وقد يراق دمه، وقد حرم الله إراقة الدم بغير ذنب أو فساد في الأرض بقوله، جل من قائل: ".. من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً."، وهو نهج تهتدي به الأمم.. ولكن قومي يرفضونه أو يهجرونه، ولا يراعون وجههم القومي ولا وقيم أمتهم ودينهم وثقافتهم وحضارتهم، فيهم من يمرغ عروبته بالوحل بتنكره للإسلام، وفيهم من يسيئ إلى الإسلام بتنكره للعروبة، متناسياً الأبعاد الكبيرة والآفاق الواسعة لقوله تعالى".. وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله تقاكم.". 

نحن، عرب اليوم، نضع أنفسنا وقضايانا وأوطاننا وأمتنا في المواقف الأصعب من الأصعب، إننا نحشد ونعد ونستعد ولكن لمن ولماذا؟ وكل منا يشحذ سكينه على رقبة أخيه لأية غايات نبيلة يا ترى؟!.. إن طريق الخلاص أوضح من واضحة لمن تصدق نواياه وتصح رؤاه، ويرفع مصلحة الشعب والأمة والوطن فوق أية مصلحة من أي نوع.. لن يكبر بالعقوبات من يريد أن يفرضها على أبناء الشعب، ولن يفوز بالمحبة من يقتلهم، ولا يصل إلى نتيجة من أي نوع من يريد أن يفتح جبهة على الوطن والشعب باسم الوطن والشعب.. فحاملات الطائرات النووية وغير النووية لا تخدم إلا مصالح أصحابها، ومناطق " الحظر الجوي، والمناطق الأمنة أو الممرات الآمنة والإنسانية.. إلخ" التي قالت وزارة الدفاع الأميركية أن فرضها سيتم خلال أسابيع، يستدعي فرضها حرباً على البلد والشعب، سواء أخطأ الحاسبون أم أصابوا، فذلك يبدأ بتدمير الرادارات وقوى الدفاع الجوي والطائرات والمطارات والمضادات الأرضية والصواريخ المضادة للطائرات.. و.. إنها الحرب المدمرة بكل معنى من المعاني وبعد من الأبعاد، ومن يدعو إليها ويقبل عليها ويراهن عليها.. كل أولئك يعلم أو ينبغي أن يعلم أن فيها تدمير البلد وإضعاف الأمة وإراقة دماء الكثير الكثير من الأبرياء، ولن يربح منها إلا العدو.. نعم سيكون لكل فريق حججه وذرائعه وشعاراته ومسوغاته.. ولكنها كلها لا تساوي قطرات الدم التي ستراق ولا شيئاً من مستقبل الوطن والأجيال التي ستتعرض للدمار ولما هو أشنع وأبشع.

سيقول قائل ما، من موقع ما، وبلسان ما.. على من يفعل ذلك أو يقود إليه أن يتحمل النتيجة والمسؤولية التاريخية؟! ويا فرحتنا بمن قال وبما يقال وبأن يسجل التاريخ مسؤولية على هذا أو ذاك من الأشخاص الذين لو كان لديهم شعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والقومية، أو كانت تلك القيم تهمهم في شيء، لما أوصلونا جميعاً إلى ما نحن مشرفون عليه من محن وفتن.؟ إن الدماء التي ستسيل من جراء الاقتتال الداخلي أو العدوان الخارجي أثمن بمليارات المرات من حكم التاريخ والحبر الذي ستكتب به الإدانات ومن دماء المدانين أنفسهم؟؟ فلماذا لا نفكر بمسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية قبل الإقدام على فعل يزري بالوطن والشعب والأمة القيم كلها، وهو فعل لن يفيد إلا أعداء الأمتين العربية والإسلامية؟ إن المصلحة العليا يعرفها ويعليها أهل الحكمة والمكانة والوعي والثقافة والإيمان قبل أن تؤدي الأمور إلى دوامات الموت التي لا مخرج منها لأحد منتصراً حتى لو تفاخر بالنصر وادعى كل ادعاء، وعبر التاريخ أمام من يعتبر.. إن الكبار يكبرون بمواقفهم وتضحياتهم وحكمتهم وتقاس مواقفهم وترتفع مقاديره بمقدار ما يضحون من أجل أوطانهم وأمتهم بالغالي والنفيس، بل بالحياة ذاتها، فكيف بهم وهم يتخلون عما يصغِّرهم بأعين الناس ويجعلهم من المحكوم لهم لا عليه بنظر شعبهم والتاريخ.؟! فهل نشهد مواقف عربية على هذا المستوى الرفيع المنقذ قبل فوات الأوان يا ترى؟ لن نفقد الأمل بعون الله، وستبقى الأمة على أية حال فلا يفرحن أعداؤها وأعداء القيم والإنسانية جمعاء.