خبر التشابه بين تونس والقدس- هآرتس

الساعة 09:06 ص|30 نوفمبر 2011

التشابه بين تونس والقدس- هآرتس

بقلم: أبيرما غولان - باريس

عبّر عبد الوهاب مدب، وهو من المفكرين البارزين في فرنسا، عبّر هذا الاسبوع عن قلق من مواقف راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" التي فازت بأكثرية في الانتخابات في تونس. وقد اختص مدب، وهو أديب وشاعر ولد في تونس وهو ابن عائلة مثقفين أصولها من مُكرهي اسبانيا المسلمين، اختص منذ الحداثة بالقرآن. وهو الآن يُدرس الأدب المقارن في جامعة باريس – نانتر ويقدم برنامجا اسبوعيا في المذياع يسمى "عالم الاسلام".

ان الغنوشي – وهو معتدل وغربي وحداثي – يبلبل الفرنسيين. ومدب يقلقه خاصة هذا التأليف بين التدين والحداثة. ويقول هذه مثالية. وهي تجتذب القلب وتضلل ولهذا فانها أخطر من الاسلام المتطرف. فمدب يقول ان الاسلام المتطرف فظ لكنه مكشوف. وان تطرفه يصد كل انسان نشأ في واقع حداثي ومتنور. ومدب يحب بلا خجل مفهوم التنور. ويحب حبا خاصا واحدا من فروعه التي تثير اهتمامه وهو حركة الاستنارة اليهودية التي نشأت في أواخر القرن الثامن عشر. لكن ولهذا السبب بالضبط يتساءل ألا يحدث اليوم في اسرائيل مسار يشبه جدا ذاك الذي أفضى الى فوز "النهضة" في تونس.

ان التغيير السياسي والاجتماعي في تونس معقد ويحتاج تحليله الى اختصاص لا بالمغرب وبالاسلام فقط بل وبصورة خاصة بالمجتمع التونسي الذي لتاريخه وتطوره سمات خاصة مثل مستوى الثقافة العالي نسبيا بين طبقات واسعة منها النساء وفي الضواحي ايضا. ومع ذلك يكفي ان نسمع عددا من الخطب واللقاءات الصحفية الاخيرة لرؤساء السلطة الجدد (والمؤقتة) في تونس كي نخشى من ان التشابه مع اسرائيل الذي يتحدث مدب عنه أكثر مما نرى حقا. ان المزج بين الحداثة والدين والاعتدال العقلاني الذي يمثله قادة "النهضة" جزء من الصورة فقط.

ان أساس التشابه الذي هو أصلب حقيقة ان أكثر المواطنين في المجتمعين يشعرون بأن الدين مع قوانينه والتراث والتقاليد التي تنبع منه، هي عنصر تأسيسي في تعريف هويتهم الشخصية والاجتماعية والقومية وهي لذلك عنصر مؤسس لهويتهم السياسية ايضا. ومنذ سنين كثيرة والتقسيم الى يمين ويسار في اسرائيل يدل في الأساس على حدود عرقية – ثقافية في مركزها النظر الى الدين والتراث.

كانت حركة شاس بالطبع هي الاولى التي عرفت سد الجوع الى الهوية الكبير في اسرائيل الحديثة والعولمية. وقد أظهر قادتها الذين نشأوا في الارثوذكسية المنطوية على نفسها، أظهروا قدرة مدهشة على الاندماج في الحياة العادية وفي اللعبة السياسية خاصة. بيد ان شاس قد تحولت في اسرائيل كما هي الحال في أكثر دول العالم الاسلامي عن نوع من اصلاح ديني – اجتماعي يثير الاهتمام الى قوة سياسية متمايزة لفت نفسها بالسواد وتطرفت في دينها ومواقفها القومية واتصلت بالتطرف الحريدي القومي.

وقد أصبح البديل الاسرائيلي من هذا التطرف والذي يهدد العلمانيين موجودا هنا. وممثله الأبرز هو آريه درعي الذي يخطط للعودة للسياسة على رأس حركة مركز اجتماعية. وقد يكتسح درعي نوابا برلمانيين من علمانيين كثيرين يؤمنون (بحق) بقدرته على كسر جمود اليسار – اليمين وأن يقود الى مصالحة مع الفلسطينيين ويرمم صدوعا اجتماعية – اقتصادية، ولهذا سيتجاهلون راغبين تمسكه بالشريعة اليهودية.

والبديل الثاني وهو معروف بقدر أقل لكنه فوار وجذاب، ينشأ في المناطق الدينية – القومية. وممثله الأفصح هو يوآف شوريك، محرر ملحق "السبت" في صحيفة "مكور ريشون" (مصدر أول) ومن رؤساء "المبادرة الاسرائيلية" لبني ألون والذي تحدى في مقالتين مدهشتين نشرهما هذه السنة "الجامدين". فهو يقول ان الصهيونية المتدينة أصبحت وسطا ينجر وراء الحريديين بدل ان تُحدث نفسها وتتصل بالحداثة في الطريق الى انشاء الدولة اليهودية.

هذه المثالية التي تقوم على الرفض اليهودي الأبدي لكل قانون سوى الشريعة اليهودية، ترى الشريعة (المُحدثة والحداثية) أساسا وحيدا لقانون الدولة السيادية اليهودية. فمدب على حق اذا: ان اليهودية الجديدة في القدس مثل الاسلام التونسي تماما تعرض بلغة عقلانية وحديثة، انقلابا سياسيا – دينيا كاملا تاما.