خبر قطار المصالحة على السكة... حذار من الانزلاق .. عريب الرنتاوي

الساعة 12:15 م|27 نوفمبر 2011

قطار المصالحة على السكة... حذار من الانزلاق .. عريب الرنتاوي

يمكن النظر إلى لقاء القاهرة الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بوصفه "قفزة مهمة في الاتجاه"... فقد أعاد اللقاء مناخات الأمل والتفاؤل في إمكانية استرداد الوحدة وطي صفحة الانقسام... وأسس لحوار نأمل أن يتخطى "تقاسم السلطة" إلى وضع استراتيجيات للعمل الوطني الفلسطيني في المرحلة المقبلة.

 

مما قرأنا وسمعنا، يبدو أن اللقاء لامس ثلاثة محاور رئيسة، كنا نرى فيها أعمدة لثلاث للاستراتيجية الوطنية الفلسطينية الجديدة: وحدة البرنامج، وحدة الأداة والتوافق على أشكال النضال... وهنا لفت انتباهنا توافق الرجلين على برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة فوق الأراضي المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس... واتفاقهما على إعادة هيكلة وبناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون الأداة التنظيمية المُوحِدة للشعب الفلسطيني بوصفها ممثله الشرعي الوحيد... وتوحدهما خلف شعار المقاومة الشعبية السلمية المستلهمة لربيع العرب وروح ميدان التحرير وشارع الحبيب بورقيبة وساحة التغيير في صنعاء.

 

لا أريد أن أتناول لقاء المصالحة من باب الرابح والخاسر، فلسنا أبداً أمام لعبة "الخيارات الصفرية"، أو ما يسمى بالإنجليزية – Zero sum game – فالجميع خرج من لقاء القاهرة رابح، من شارك فيه ومن غاب عنه، والأهم أن الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وكفاحه المشروع والعادل، هم أول الرابحين من هذا اللقاء... إنها "وضعية رابح – رابح"، أو ما يسمى بالإنجليزية Win-win situation - -

 

حماس في القاهرة اقتربت خطوة إضافية من برنامج فتح والمنظمة... وفتح في القاهرة اندفعت خطوة نحو "مقاومة حماس"... حماس كانت بدأت مسيرة القبول بدولة الضفة والقطاع والقدس منذ سنوات، وهي أرسلت بهذا الصدد العشرات من الرسائل والتلميحات، التي لا تخلو من الدلالات والاشتراطات و"اللاكنات" – جمع لكن- فيما فتح والسلطة والرئاسة لم تقرر لأول مرة اللجوء لخيار المقاومة الشعبية بعد لقاء عباس – مشعل، فقد فعلت ذلك من قبل وإن لم تنتقل بهذا الشعار خطوات جدية للأمام... في لقاء القاهرة تبلورت مواقف الطرفين في سياق توافقي حول البرنامج وأشكال النضال، مثلما تم التوافق على برنامج زمني للشروع في إعادة بناء السلطة والمنظمة.

 

ليس الطريق إلى استرداد الوحدة الوطنية الفلسطينية سالكاً وآمناً، ولا هو مفروش بالورود... وليس الاتفاق حول العناوين الرئيسة وحده الكفيل بتجاوز الاستعصاءات وتفكيكها، فكل شياطين الأرض، تكمن في التفاصيل وتقبع وراءها... ومشوار الوحدة الذي له كثرة كاثرة من الأصدقاء والداعمين، يواجه أيضاً جبهة متحدة من الخصوم والمتربصين والمتآمرين، من مختلف العيارات والأوزان، لكننا مع ذلك نؤمن بأن الوضع "مختلف هذه المرة"، وأن حاجة كل طرف من طرفي المعادلة للوحدة والمصالحة، لا تقل عن حاجة الطرف الآخر، ولا نريد هنا أن نكرر عبارات من نوع "وحدة المأزومين"، فالجميع مأزوم على الساحة الفلسطينية، والانقسام هو ذروة التعبير عن أزمة العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، والجميع يأتي لمائدة المصالحة لحاجته وحاجة الشعب والقضية إليها، من دون منّة لأحد على أحد، ومن دون ميزة لأحد على أحد.

 

ستواجه هذه المسيرة الكثير من التحديات، من الرفض الإسرائيلي إلى "الفيتو" الأمريكي، مروراً بتحفظات أوروبية متفرقة، وحذر عربي متفاوت... على أن العراقيل الأهم، ستنتصب في وجه المصالحة عندما تحين لحظة الترتيبات العملية، من نوع العلاقة بين اللجنة التنفيذية والإطار القيادي الفلسطيني الانتقالي... مقر الحكومة وصلتها بشطري الوطن المحتل والمحاصر، مصائر الأجهزة الأمنية وفرص دمجها وإعادة هيكلتها، التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، مستقبل حماس في الضفة وفتح في غزة، قضايا التوظيف وموظفي الدرجة الأولى والمحاصصات وغيرها... ناهيك عن "الحمولة الزائدة" التي أثقلت كاهل الفصيلين الرئيسين من فصائل كرتونية تم الاحتفاظ بها لغايات عد الأصابع والأيدي في الاجتماعات العامة، إلى بعض "المستقلين" الذين لم يكن لهم يوما قيمة بذواتهم، بل بأدوارهم ومهامهم القذرة في إذكاء الانقسام وتسعير إواره.

 

لهذه الأسباب وكثير غيرها، نقول للذين ذهبوا بعيداً في التفاؤل، إن التفاؤل مطلوب إن كان تعبيراً عن الإرادة... إرادة النضال من أجل الاحتفاظ بزخم المصالحة ودفع قطار الوحدة الذي وضع على السكة لأول مرة منذ سنوات... لكن العقل ما زال يراوح ما بين التفاؤل والتشاؤم، أنه "متشائل" إن جاز التعبير، فالعراقيل التي تعترض طريق الوحدة ما زالت كبيرة، والقطار يمكن أن ينزلق عن قضبانه مرة أخرى، ما لم يحظ بقوة دفع جماهيرية قوية، تعزز سيره الواثق إلى محطته النهائية... وحكمة المؤمن أن يجمع بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، حتى لا يؤتى من مأمنه، ولا يبيتنّ على حرير الأوهام من جهة، ولكي لا يترك مصائر الشعب والقضية من جهة ثانية، نهباً لنزعة "قدرية" لا تؤمن بطاقات الشعب الخلّاقة القادرة على صنع التغيير وكتابة التاريخ... ألسنا في ذروة الانتفاض على "القدرية" البالغة حد الاستسلام للأمر الواقع... ألسنا في ذروة ربيع العرب، ربيع الإرادة الشعبية المتفائلة؟.

 

صحيفة الدستور الأردنية