خبر الأزمة تهدد الكبار أولاً .. بلال الحسن

الساعة 03:01 م|21 نوفمبر 2011

الأزمة تهدد الكبار أولاً .. بلال الحسن

امتلأت الصحف الأميركية والغربية مؤخرا، بمقالات ومعلومات، تتحدث كلها عن أزمة اقتصادية ضخمة تهدد أميركا، ثم تهدد أوروبا، ثم تهدد دول العالم كلها، ومن ضمنها دولنا العربية. ويستذكر الكل في الحديث عن هذه الأزمة، الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم عام 1929، ولا يتورعون عن الإشارة إلى أن أزمة مماثلة ربما تكون في الطريق.

 

وبينما يتحدث البعض عن أزمة، يتحدث البعض الآخر عن الاقتصاد الرأسمالي برمته، ويقولون إنه اقتصاد هش وعاجز. وتأتي هذه الآراء على لسان اقتصاديين كبار كرأي وازن في مجرى الأحداث. مثلاً... يتحدث (بيير كارلو بادوان) نائب الأمين العام لـ(منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية) قائلاً «إن الأزمة الاقتصادية الراهنة حادة وخطيرة وجادة للغاية، وقد انتقل مركزها من الولايات المتحدة الأميركية إلى أوروبا».

 

وفور الحديث عن الأزمة يتطور الحديث إلى النظام الاقتصادي الغربي برمته، وهو نفسه يقول «إننا أمام نظام اقتصادي غربي أثبت هشاشته في مواجهة الأزمات»، مطالبا بضرورة تجديد النظام الأوروبي.

 

ويبرز في قلب هذه الأزمة، الحديث عما يسمى (أزمة الديون)، فقد صرح (آلان غروكر) كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي، بأن أزمة الديون والبنوك في أوروبا لا تزال تشكل أكبر تهديد لتعافي الاقتصاد الأميركي، خاصة أن أميركا تصدر 20 في المائة من إجمالي صادراتها إلى أوروبا. ولذلك فإن كروغر يحث أوروبا على اتخاذ إجراءات سريعة لتنفيذ (خطة إنقاذ أزمة الديون)، حيث تهدد هذه الأزمة بإدخال الاقتصاد الأميركي في أزمة ركود تنعكس سلباً على حظوظ باراك أوباما في الفوز برئاسة ثانية لبلده.

 

وتمتد الأزمة من أميركا إلى أوروبا، حيث تشهد اليونان انكماشاً في اقتصادها ينذر بأزمة مالية، كذلك امتدت الأزمة إلى إيطاليا وإسبانيا، حيث تعاني الدولتان من نتائج ديون كبيرة تفرض عليهما دفع فوائد ضخمة.

 

وتعليقا على ذلك قالت مصادر مصرفية إن (هيئة الرقابة المصرفية في أوروبا) أعلنت أن البنوك الأوروبية تحتاج إلى 144 مليار دولار لاستعادة الثقة بنظامها المصرفي.

 

ويجمع المحللون على أن الأسباب الرئيسية وراء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأميركية، والتي تؤثر على بقية دول العالم، تكمن في النفقات الباهظة التي تتحملها أميركا جراء احتلال العراق وأفغانستان، فقد ازدادت هذه النفقات حتى بلغت في العراق وحده 700 مليار دولار.

 

في مواجهة هذه النفقات الباهظة، تمت المسارعة إلى رفع أسعار النفط، وهكذا بدأ سعر البرميل الواحد بالارتفاع حتى تجاوز 150 دولاراً. كما انعكس ذلك مباشرة على قطاع اقتصادي آخر هو القطاع العقاري (عام 2008)، نتيجة عدم قدرة ذوي الدخل المحدود على دفع أقساط الدين المترتب عليهم. ثم تلا ذلك إقدام البنوك والشركات الضخمة على تسريح الأيدي العاملة. وهكذا بدأت سلسلة من التراجعات في مختلف المناحي الاقتصادية.

 

امتدت الأزمة من أميركا إلى أوروبا، فشملت بريطانيا، ثم شملت دول أوروبا الشرقية، وفي مقدمتها روسيا التي سارعت لدعم اقتصادها بنحو 300 مليار دولار.

 

ومن غير الممكن أن يدور الحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية، من دون التطرق إلى الأوضاع العربية، وإلى الثروات العربية، وتحميلها جزءا من اللوم بسبب ما يجري داخل الاقتصاد العالمي. فمنذ عام 2008 صدر تقرير أميركي يتحدث عن صناديق التوفير العربية مثل (صندوق الأجيال)، أو (صندوق الثروة السيادية). هذا التقرير أعده (ريتشارد هاس) مسؤول التخطيط السابق في وزارة الخارجية الأميركية. ركز هاس في تقريره على مصادر الثروة السيادية لدى الدول الخليجية، وعبر عن التخوف من تزايد سطوتها بما يمكنها من التحكم بالنظام المالي الأميركي (!!). وثمة تقرير ثان أعده (دانييل وريزنر) ونشره في مجلة (أميركا) عام 2008، تحت اسم (السيادات قادمة) وركز فيه على أن عصر سيطرة هذه الصناديق السيادية العربية قادم بسبب تضخم أموال هذه الصناديق العربية السيادية (أي التي تمتلكها حكومات). وهو تحليل ينطوي على دعوة مبطنة لسلب أموال هذه الصناديق بطريقة أو بأخرى، وإفشال قدرتها على التأثير في أوضاع السوق العالمية.

 

وقد كان هنري كيسنجر سباقا لطرح مثل هذا التوجه، وذلك في مقال نشره في مجلة «هيرالد تريبيون» الدولية (19/9/2008)، يحذر فيه من تكديس مليارات النفط في الخليج وفي صناديق الثروة الخليجية، ويدعو الغرب إلى العمل على تقليص قدرة منظمة أوبك النفطية حتى لا يتحول تأثيرها الاقتصادي إلى تأثير سياسي. وهنا دعا كيسنجر إلى استراتيجية أميركية سياسية لمواجهة صناديق الثروة العربية الناجمة عن النفط.

 

وهكذا.. تتطلع السياسات الغربية دائما نحو السعي للسيطرة على الثروات الاستراتيجية العربية، ولكنها لا تكتفي بذلك، بل هي تسعى في خطوة لاحقة إلى السيطرة أيضا على ما يتجمع لدى الدول العربية من أرباح، يفترض أن تستثمرها هذه الدول في تطوير اقتصادها، وهو ما لا يرتاح إليه سياسيون من نوع كيسنجر، والذي لم يعد حالة فردية، بل أصبح يمثل مدرسة يوجد تلاميذها في مراكز صنع القرار في أكثر من عاصمة أوروبية.

 

إزاء هذا كله، وإزاء هذا الاهتمام الغربي الكبير بما يتوفر لدى بعض الدول العربية من أموال، يستحق الأمر أن تولي الدول العربية عناية لما لديها من أموال، وأن تبحث عن أفضل السبل لاستثمارها داخل بلداننا العربية، بما يؤدي إلى تطويرها ورفع مكانتها الاقتصادية. ونموذج ذلك مشروع مد سكك الحديد داخل المملكة العربية السعودية.

 

ويقتضي الأمر وضع خطط عربية طموحة لتطوير البنية التحتية للاقتصادات العربية، وبخاصة ذلك النوع من التطوير الذي يحتاج إلى تعاون أكثر من جهة عربية، مثل بناء شبكة مواصلات تصل الأقطار العربية بعضها ببعض، سواء في الطرق البرية، أو في سكك الحديد، أو في شبكات الملاحة البحرية.

 

ولا بأس أن نستذكر هنا، أنه في عام 1980، ومع بروز نظريات السلام على طريقة (اتفاق كامب ديفيد)، تم وضع دراسات أميركية وأوروبية، تركز على تطوير شبكة المواصلات في المنطقة. وقد لفت نظر الكثيرين في تلك الدراسات أنها كانت تتطلع إلى شبكة مواصلات كثيفة، تنطلق من كل عاصمة عربية، ليس إلى العواصم العربية المجاورة لها، بل نحو دولة إسرائيل، بحيث تكون "إسرائيل" هي المركز الذي تصب فيه جميع طرق المواصلات العربية. ومع أن هذه الخطط لم تنجح، إلا أنها كشفت، وتكشف دائما، أن المشاريع الغربية لا تهتم بتطوير منطقتنا بل تهتم أساسا بتقوية موقع "إسرائيل" من خلال ربط "إسرائيل" بالعواصم العربية.

 

إن قضية المواصلات بين الدول العربية جديرة باهتمام خاص، يضعها في إطار استراتيجي يخدم مصالح الجميع، ويقوي من وضع دول المنطقة في مواجهة الخصوم والطامعين، ويجعل العلاقات العربية منطلقا أساسياً في التفكير والتخطيط، يقف في وجه فكرة العلاقات العربية - الإسرائيلية التي لا يفكر الغرب إلا بها، خدمة لمصالحه.

 

صحيفة الشرق الأوسط