خبر أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين- هآرتس

الساعة 10:44 ص|18 نوفمبر 2011

أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين- هآرتس

يفضلون الاستثمار في المستوطنات

بقلم: عميرة هاس

حجم الاستثمار الفلسطيني الخاص في اسرائيل، صحيح حتى العام 2010 يبلغ 2.5 مليار دولار. ووفقا لحساب متحفظ، والاكثر تفاؤلا، يحتمل ان يصل حتى الى 5.8 مليار دولار. ولغرض المقارنة، فان حجم الاستثمار الفلسطيني الخاص داخل الضفة الغربية، صحيح للعام 2011، كان 1.58 مليار دولار فقط.

هذا هو الاستنتاج المفاجيء لعيسى سميرات، الذي في رسالة الماجستير في الاقتصاد اجرى بحثا أولا من نوعه للظاهرة التي حتى الان لم تتطرق الادبيات عن حجمها واثارها. فلو استثمر 2.5 مليار دولار في اراضي السلطة الفلسطينية لكان بوسعها بتقديره أن تخلق 213 مكان عمل للفلسطينيين.

وحسب السجلات في المحاضرات الفلسطينية في الضفة الغربية، فان 16 الف رأسمالي ورجل أعمال فلسطيني من الضفة الغربية، من الحاصلين على تصاريح دخول دائمة الى اسرائيل أسسوا في اسرائيل وفي المناطق الصناعية  من المستوطنات شركات ومصانع في فروع مختلفة ويدفعون ضرائبها لوزارة مالية دولة اسرائيل. وفحص سميرات دوافع هذا القرار، الذي من ناحية سياسية حساس جدا، ولا سيما في السنوات الاخيرة مع تعاظم الدعوات لمقاطعة اسرائيل أو انتاج المستوطنات. وبسبب الحساسية فانه يمتنع عن الاشارة الى المستثمرين باسمائهم أو تسليم تفاصيل تشير الى هويتهم. في حديث مع "هآرتس" قال انه في أعقاب بحثه أوضحت وزارة الاقتصاد الوطني في السلطة، التي وقفت على رأس مقاطعة منتجات المستوطنات بان اتفاق باريس لا يحظر الاستثمار في اسرائيل وفي المستوطنات.

نشطاء سياسيون واجتماعيون فلسطينيون ممن وصلت اليهم نتائج البحث، قالوا لـ "هآرتس" انهم فوجئوا من حجم الظاهرة.

رسالة سميرات، ابن 43 من بيت لحم، رفعت في نهاية الصيف الى جامعة القدس في ابوديس. وحصل سميرات من الغرف التجارية والصناعية الفلسطينية معلومات اساسية عن المستثمرين في اسرائيل، وصل مباشرة الى 540 منهم، وزع استبيانات مفصلة لـ 420 (منهم أجابه عليها 374) ومع 120 التقى في مقابلات شخصية. وهكذا نجح في ان يرسم صورة اجتماعية مثيرة للاهتمام، اضافة الى التقديرات والحسابات الاقتصادية.

ناطقون بالعبرية وفوق سن 40

عينة سميرات تبين ضمن امور اخرى بان معظم رجال الاعمال يعرفون العبرية وأكثر من نصفهم فوق سن 40. وتشير هذه المعطيات الى أن الحديث يدور عن جيل تربى عندما سمحت اسرائيل للفلسطينيين بحرية حركة شبه كاملة اليها (حتى بداية التسعينيات) وعرف المجتمع الاسرائيلي (خلافا للاجيال الاكثر شبابا). وهكذا مثلا، 23 في المائة منهم كانوا عمالا في اسرائيل قبل أن يفتحوا فيها شركة، بشكل عام في الفرع الذي كانوا يعملون فيه. نصف في المائة فقط منهم بلغوا عن أنهم لا يعرفون العبرية. قرابة النصف يتحدثون الانجليزية ايضا وكذا العبرية كلغات اخرى، وهو معطى يستوي ايضا مع حقيقة أن خُمس المستطلعين بلغوا عن أن استثماراتهم تتوزع بين اسرائيل، المستوطنات، الضفة الغربية والخارج. خُمس المستطلعين افادوا بانهم استثمروا فقط في اسرائيل وفي المستوطنات. قرابة 90 في المائة رووا بان خبرتهم الاولى في الاستثمار كانت في اسرائيل.

كما تبين العينة نسبة معاكسة بين مستوى التعليم والاستثمار في اسرائيل: نصف المستجيبين للاستبيانات تعلموا 12 سنة او اقل و 28.1 في المائة منهم هم خريجو جامعات.

معظم الاستثمارات في الصناعة والبناء

قرابة ربع الاستثمارات تتجه نحو الصناعة، الامر الذي يشير الى أنه كلما انتقل المستثمرون الاسرائيليون الى التكنولوجيا العليا، هكذا شغر مكان في الفروع الانتاجية التقليدية – ووصل اليها مستثمرون فلسطينيون. وبالفعل، ثلث الاستثمارات في الصناعة موجه لتوفير عمال مهنيين للصناعات المختلفة. كما أن مجال البناء بقي هاما في أوساط المستثمرين الفلسطينيين، واكثر من الخمس من اجمالي الاستثمارات موجهة لهذا الفرع. من بين الاستثمارات في البناء، 45 في المائة موجهة للبنى التحتية و 38 في المائة لبناء المنازل.

الاستثمار السنوي لخمسهم بلغ 100 الف دولار أو اقل. معظمهم نحو 44.4 في المائة استثمروا حتى مليون دولار في اسرائيل، خُمس آخر استثمروا حتى 6 مليون دولار، بينما 13.9 في المائة استثمروا اكثر من 6 مليون دولار في اسرائيل.

فحص استثماراتهم في العينة هو الذي ادى الى التقديرات المختلفة بالنسبة لحجم الاستثمار الفلسطيني، والمتحفظ بين هذه التقديرات هو 2.5 مليار دولار.

37.2 في المائة منهم كانت لهم مداخيل سنوية بمبلغ 100 الف دولار أو أقل، 39.6 في المائة اجترفوا مداخيل تصل حتى نصف مليون دولار، و 12.8 في المائة منهم كان له دخل سنوي يصل حتى مليون دولار. العشر فقط، 10.4 في المائة، تجاوزوا سقف المليون دولار في مداخيلهم السنوية.

شراكة وهمية كمحفز للبيروقراطية

تشير المعطيات ايضا الى توزع راس المال في أرجاء السلطة الفلسطينية. من اصل 16 الف مستثمر، 3.300 هم من محافظة الخليل، 3.100 من رام الله. 3.000 من نابلس و 2.000 من بيت لحم. فقط 1.000 من محافظة القدس (التي في ارض الضفة الغربية). وحسب سميرات كما قال لـ "هآرتس"، وذلك رغم أنه لا تفرض عليهم قيود حركة او المطالب البيروقراطية مثلما على سكان الضفة. والعدد القليل يدل على سياق هزال المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية، تحت السلطة الفلسطينية. ومراجعة لاساليب تسجيل الشركات الفلسطينية وان كانت تبين ان 23 في المائة من الشركات هي بشراكة مع فلسطينيين من سكان القدس، الا انه احيانا يدور الحديث عن شراكة وهمية لا ترمي الا الى التسهيل على الاجراءات البيروقراطية. 16.6 في المائة آخرون شراكة مع فلسطينيين من مواطني اسرائيل و 16.3 في المائة شراكة مع يهودي اسرائيل، و 8.8 في المائة افادوا بان الشريك اليهودي هو مجرد "غطاء" ويتلقى عمولة على اساس دائم او لمرة واحدة. 20 في المائة آخرون هم مقاولون فرعيون لشركات اسرائيلية. وخلافا لما هو دارج، ليست قوة العمل زهيدة الثمن تحرك الفلسطيني للاستثمار في اراضي دولة الاحتلال. المستثمرون الفلسطينيون يجلبون معهم قوة العمل الرخيصة، يقول سميرات. احيانا يشغلون يهودا في وظائف ادارية. مستثمرون كثيرون رووا له انهم يشغلون بأجر عال اسرائيليين خدموا في الماضي في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية – في الجيش، في الشرطة، في الادارة المدنية وفي المخابرات. اساس دورهم هو التسهيل من الاجراءات البيروقراطية الاخرى التي يصطدم بها رجل الاعمال الفلسطيني.

يبحثون عن مهرب من القيود

حتى الان الفرضية كانت ان رجال الاعمال الفلسطينيين يشاركون اساسا في العلاقات التجارية مع اسرائيل وليس في استثمار رأسمالهم فيها. وحسب سميرات فقد كان في السلطة الفلسطينية من قدر بان حجم الاستثمار الفلسطيني في اسرائيل نحو مليار دولار في اقصى الاحوال. وفي المنشورات الرسمية ايضا عن الاستثمارات الخارجية في اسرائيل الاستثمار الفلسطيني لا يندرج.

في السلطة الفلسطينية احتسبوا أن التوفيرات الفلسطينية تصل الى نحو 7 مليار دولار، منها كما يقول سميرات، نحو 5 مليار (لا تتضمن الاستثمارات في اسرائيل) مستثمرة في خارج البلاد: سواء في الاسهم او في الاستثمارات المباشرة. الامر الذي يشير الى غياب اجواء اقتصادية مناسبة للاستثمار والتنمية في الضفة الغربية.

ويجد سميرات بان القيود التي فرضتها وتفرضها الانظمة العسكرية الاسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني هي الدافع الرئيس للاستثمار في اسرائيل. ولكن برأيه لدى السلطة الفلسطينية مجال مناورة وتحسين يسمح لها بان تجتذب الى الضفة قسم من الاستثمارات والمستثمرين على الاقل.

السيطرة الاسرائيلية على 60 في المائة من الضفة، السيطرة على مصادر المياه، قيود الحركة أمام الاشخاص والبضائع داخل الضفة الغربية وخارجها، سد السوق الاسرائيلي في وجه المنتجات الفلسطينية، عملية طويلة لاستيراد المواد الخام من الخارج والتصدير – هذه القيود تؤدي بمواد الانتاج الفلسطيني ان تكون غالية اكثر بكثير من الاسرائيلية. الارض للاستئجار او للشراء اغلى، بسبب شحتها، وهكذا ايضا دفعات المياه والكهرباء أعلى وزمن انتظار المنتج الفلسطيني للمواد الخام اطول من زمن الانتظار لزميله الاسرائيلي. وعليه فان الانتاج في اراضي السلطة في الضفة الغربية أعلى بـ 30 – 40 في المائة من الانتاج في الدول المجاورة. هذه هي الاسباب الاساسية التي تدفع أصحاب رؤوس الاموال الفلسطينية للاستثمار في اسرائيل.

بالتوازي، المستثمرون يندفعون الى اسرائيل بسبب ضعف منظومة القانون والقضاء الفلسطينية، ادارة فاشلة ومنظومة ضرائب برأيهم لا تشجع الاستثمار. يجذبهم القرب الجغرافي الى اسرائيل، اجواء الاعمال التجارية الودية والاكثر تجربة في اسرائيل، منظومة قضاء وضرائب واضحة، علاقات تجارية دولية متطورة لاسرائيل، قدرة وصول مريحة للبنوك ومعرفة شركة اسرائيلية وعملها (مقابل عدم معرفة الطريقة في بلدان اخرى).

نتائج سميرات تعزز ضمن أمور اخرى ما جاء من وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية، في البحث الذي وضعته حول ثمن الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني. وحسب هذا البحث، فان القيود الاسرائيلية التي تطرح كأمنية ترتبط بالطبيعة الاستعمارية للاحتلال الاسرائيلي والنية لمنع المنافسة من جانب الاقتصاد الفلسطيني.

وسأل سميرات في بحثه اذا كان المستثمرون يرغبون في العودة للاستثمار في مناطق الضفة الغربية. فأجاب 35.3 في المائة سلبا، 28.9 في المائة اجابوا بانهم سيعودون اذا ما ادارت السلطة الاقتصاد على نحو أفضل و 35.8 في المائة أجابوا بانهم سيعودون اذا ما كانت هناك تسهيلات (مثل التحسين في البنية التحتية والقروض).