خبر كيف تخسر إسرائيل تركيا كحليف- يديعوت

الساعة 10:57 ص|11 نوفمبر 2011

كيف تخسر إسرائيل تركيا كحليف- يديعوت

بقلم: سمدار بيري - اسطنبول

لا ألبتة، يقول لي وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو، لا يهم من يكون رئيس الحكومة عندكم: فاذا لم تعتذروا عن قضية "مرمرة"، فلن نصالحكم أبدا. والاعتذار علني وتعويضات عائلات المدنيين التسعة (ثمانية اتراك وامريكية) قتلوا على السفينة. ويوجد الشرط الثالث ايضا، الذي أضافه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان منذ وافقت اسرائيل على الاعتذار وتراجعت عن ذلك وهو الغاء الحصار على غزة.

"تعالي أُبين لك كيف تبدو هذه القضية من جهتنا: سفينة تركية خرجت لمهمة انسانية. لم يقصد الركاب مهاجمة اسرائيل ولم ينقضوا سيادتكم. بل أبحروا في مياه دولية وأرسلتم أنتم وحدة عسكرية الى عرض البحر، وعلا الجنود على السفينة وحدث ما حدث.

"الآن اسأل: أهكذا تسلك صديقة؟ أيُرسلون جنودا لقتل مدنيين لم تكن لهم نوايا معادية لكم؟ إفهموا، نحن لا نشارككم في قراركم الأحادي على القطيعة مع غزة. بالعكس ان لنا التزاما للفلسطينيين. ونحن نرى انه ما كان يجب عليكم ألبتة ان تعلوا فوق السفينة وأصررتم على ذلك. وآنذاك حدث لجنودكم خطأ في العملية وقُتل مواطنونا وهذا لا يُغتفر. ان دولة تعتز بنفسها لا تستطيع ان تنسى واقعة كهذه ونحن غير مستعدين للانتقال الى برنامج العمل المعتاد عن موت مواطنينا بلا اعتذار".

ان داود اوغلو هو النجم السياسي الأبرز عن يمين اردوغان، وفي السنة الماضية تم ترفيعه في وسائل الاعلام الامريكية الى النادي الفخم وهو "100 الدماغ المؤثرة في العالم" وهو شاب نسبيا، في الثانية والخمسين، متزوج من طبيبة وأب لاربعة وبروفيسور في الاقتصاد والادارة والعلاقات الدولية، يحسن الانجليزية جدا وهو مشغول الى ما فوق رأسه منذ ارتفعت مكانة تركيا الدولية على أثر ثورات "الربيع العربي".

في 2002 أُنشيء الحزب الاسلامي في تركيا وبعد سنة تبناه اردوغان بصفة مستشاره القريب. وداود اوغلو لا يؤيد الثورات فقط ففي زعمه ان الربيع العربي جاء متأخرا كثيرا. وهو يقول: "هذا تاريخ تأخر. من المؤكد أننا نؤيد تبادل السلطة بطرق سلمية".

في الاشهر الاخيرة غدا يناويء على جبهتين متوازيتين: سوريا من جهة واسرائيل من الجهة الاخرى. "ليس عندي شيء ولا نصف شيء على الشعب في اسرائيل كما لا يوجد عندي شيء على مواطني سوريا بالضبط. مشكلتي مع الحكام ومتخذي القرارات". وعنده حكاية ايضا: "حينما كنت في دمشق منذ زمن قريب سمعت في النوافذ العالية هناك شكاوى من ان الموساد الاسرائيلي هو الذي دبر الانتفاضة على بشار الاسد للتخلص منه.

"بعد ان رددوا على مسامعي هذه الشكوى الهاذية أكثر من مرة واحدة، فكرت في نفسي: اذا كانوا مستعدين لقبول هذه الحماقات، واذا أصروا على غسل أدمغتهم على هذه الصورة، فهذه نهاية الأمة العربية ونهاية الديمقراطية التي يعد بها الاسد ناسه. هل يقف الموساد من وراء الجماهير التي تتظاهر في سوريا؟ ماذا دهاكم، يوجد حد.

"بعد الحادثة على "مرمرة" أحدث وزير واحد عندكم فقط (لم يذكر اسمه، ربما يقصد الوزير السابق بنيامين بن اليعيزر) صلة بنا، وطلب ان يفحص كيف نحل الازمة. قلت له: الجيش الاسرائيلي قتل مواطنينا لا في حرب. كانت لكم صلات جيدة بنا ومع كل ذلك قتلتم مواطنينا وأنتم تصرون على اهمال الامر.

"أنا أعلن الآن ايضا أنه حينما يخطيء الاصدقاء فانه يجب عليهم الاعتذار وتحمل المسؤولية. لو كنا أعداء لاختلف الامر".

كُفّ أو إنصرف الى بيتك

ان داود اوغلو مستعد للاعتراف بأن ازمة العلاقة بين القدس وأنقرة لم تولد فوق "مرمرة". "كانت لكم ادعاءات ومخاوف مما سيحدث بعد ان تولى مقاليد الحكم عندنا حزب اسلامي. لكن الصلات الجيدة حُفظت بل جندنا أنفسنا للوساطة بين سوريا واسرائيل.

"تم التفاوض غير المباشر عندنا، وجلس رئيس الحكومة اولمرت في السادس والعشرين من كانون الاول 2008 في مكتب اردوغان للاتفاق على التفصيلات الاخيرة قُبيل بدء تفاوض مباشر. بدا كل شيء واعدا، وهاتف اردوغان الاسد بحضور اولمرت وتم الاتفاق على ان يبدأ التفاوض المباشر بعد ذلك بخمسة ايام، في يوم الاثنين. وآنذاك وعلى نحو مفاجيء، هاجمت اسرائيل غزة صباح السبت قبل يومين من اعلان التفاوض المباشر وانهارت جميع الخطط. قُتل 1500 انسان في غزة منهم نساء واولاد. ولم نستطع ان نسكت لكم عن هذا".

ان "الربيع العربي" واسقاط الحكام في تونس وليبيا ومصر قد فاجآ تركيا. لكنها لم تكن مفاجأة مطلقة كما يقول داود اوغلو. "قبل ستة اشهر من نشوب المظاهرات في ميدان التحرير في القاهرة دعا اردوغان مبارك الى التنحي واجراء الديمقراطية في مصر. وأتذكر ان مبارك غضب جدا وأرسل إلي وزير خارجيته رسالة شكوى، كيف نتجرأ على التدخل في شؤون مصر الداخلية.

"وهنا بعد بضعة اسابيع اضطر مبارك الى المغادرة كما اعتقدنا انه يجب ان يفعل بالضبط، وجاء اردوغان لزيارة مصر. انتظره 5 آلاف أو 6 آلاف مصري بتأثر في المطار واستُقبل مثل بطل وبلغت شعبيته في العالم العربي عنان السماء".

يجري الحديث بيننا في واحدة من قاعات الاحتفالات في فندق "كونراد" في اسطنبول في رعاية "منتدى اسطنبول"، الذي يصل بين دبلوماسيين وباحثين محليين ونظرائهم في الشرق الاوسط واوروبا والولايات المتحدة. وهذه ثاني سنة يجمعهم فيها رئيس المنتدى سوعات كينيكولو بحيث ان الموضوع هذه المرة هو مكانة تركيا الجديدة و"الربيع العربي". وتجري أكثر النقاشات في دائرة مغلقة، وهنا بالضبط في الطبقة الوسطى التي تُستعمل ايضا للاجتماعات السرية لـ "مجلس الحكم المؤقت" السوري، وهو الاسم الشيفري لجماعات المعارضة التي تحظى بالضيافة التركية استعدادا لانشاء مؤسسات حكم جديدة في دمشق اذا سقط الاسد وحينما يسقط.

في اثناء هذا تستوعب تركيا آلاف اللاجئين السوريين، وتُبين أنباء منشورة لم يتم تصديقها (لكنه لم يتم انكارها ايضا) ان "جيش التحرير السوري" يتدرب في معسكرات نائية في تركيا، ويتلقى الاسد انتقادات شديدة من اردوغان مثل: بدأت أفقد الصبر – كُف عن قتل المواطنين، وابدأ تنفيذ اصلاحات أو إنصرف الى بيتك".

"لا تنوي تركيا دخول مواجهة عسكرية مع سوريا"، يبين موظف رفيع المستوى في وزارة الخارجية في أنقرة. "من المؤكد أننا نأخذ في الحسبان سيناريو ان يبقى الاسد شهورا طويلة بعد. لكنه اذا حاول ان يستعمل الاكراد لمواجهتنا فسيقلب المائدة ويضطرنا الى العمل المضاد له".

نحن حذرون ايضا، كما يبين لي وزير الخارجية السابق يشار يكيش، من ألا نجعل سوريا ساحة مواجهة مع ايران. ان قواعد اللعب واضحة: فالحرس الثوري الايراني يتوقع ان يجند نفسه من اجل بقاء بشار، واهتمت ايران من قبل بأن تحذر اردوغان بقولها: إصرف عنايتك الى نضال الصهاينة.

يستشيط قبل كل شيء

كان اوزدان سانبراك، وهو رجل مهذب ودود، المدير العام لوزارة الخارجية، وهو يرأس اليوم معهد ابحاث في اسطنبول. وقد تم تعيينه في شباط ليكون المندوب التركي في لجنة بالمر التي حققت في أحداث "مرمرة"، ووجد نفسه في مواجهة المندوب الاسرائيلي الذي هو ايضا المدير العام السابق لوزارة الخارجية، المحامي يوسف شاحنوبر.

قبل نشر التقرير الذي مال في استنتاجاته الى اسرائيل لكنه أشار الى اخفاقات للجيش الاسرائيلي زمن تنفيذ المهمة، جند سانبراك وشاحنوبر أنفسهما للبحث عن صيغة اعتذار تنهي الازمة. وقد كشف زميلي ناحوم برنياع هنا قبل شهرين عن أمر المهمة التي فشلت، من الجانب الاسرائيلي بعد ان أظهر نتنياهو عدم الاهتمام.

"أجرينا تفاوضا مدة سبعة اشهر"، يكشف سانبراك الذي يحرص، مثل دبلوماسي ذي خبرة، على الحديث في عدم انفعال. "عندما بدأنا جرى الحديث فقط عن اعتذاركم لتركيا عن موت المواطنين التسعة، وتحدثنا ايضا عن تعويضات للعائلات لكن المباحثات كانت في مستوى المبدأ فقط. ولم ندخل في تفصيلات تتعلق بالمبالغ المالية.

"التقينا في جنيف وروما، وانضم الينا مرتين ايضا نائب رئيس حكومتكم بوغي يعلون. وقد تمت النقاشات في جو حسن موضوعي وتم الاتفاق على صيغة الاعتذار، وآنذاك عاد يعلون الى القدس وبدأتم تسوفون وتسوفون. لم نحصل على الاعتذار، وفهمنا ان يعلون غير موقفه وان رئيس حكومتكم يعارض ويقبل إملاء افيغدور ليبرمان. غضب اردوغان وأضاف الشرط الثالث وهو إزالة الحصار عن غزة".

"كان يجب عليكم استغلال الوضع"، يوبخني سانبراك، "وليس الامر متأخرا حتى الآن. ألم تعتذروا لمصر عن موت خمسة جنودها في العملية قرب ايلات في حين ليس من الواضح ألبتة من سبب موت الجنود في الحقيقة، لكنكم قررتم ان من الافضل لكم الاعتذار.

"الامر مع تركيا أسهل كثيرا: فمن الواضح من قتل الركاب ولهذا من الواضح من يجب عليه ان يتحمل المسؤولية وان يعتذر. وفيما يتعلق بالشرط الثالث: فأنا أُقدر أنكم اذا سمحتم لسفينة تركية واحدة بأن تمر بسلام مع حمولة انسانية الى غزة فسيجيب هذا عن مطلبنا الغاء الحصار".

مهما يكن الامر فان سانبراك يطري شريكه في اللجنة شاحنوبر: "أنا أعلم أن أخاه (البروفيسور اهارون شاحنوبر) حصل على جائزة نوبل عن انجاز علمي. اذا توصلنا الى صيغة مصالحة (بمساعدة العمل السري الذي يقوم به الآن المبعوث الخاص دافيد ميدان) فسأوصي بأن يعظى يوسي جائزة سلام خاصة عن اسهامه"، يقول مع ابتسامة صغيرة. "كل صيغة تُقبل ستكون قائمة على صياغته".

يقول عوديد عيران، رئيس مركز الابحاث الاستراتيجية، ان مهمة ميدان تنحصر في السؤال الرئيس وهو: ماذا يحدث اذا اعتذرت اسرائيل وبعد شهر وجدت تركيا سببا جديدا للانقضاض علينا، فعدنا الى نقطة الصفر من حملة دعائية على اسرائيل مسمومة وعلاقات مقطوعة.

 

 

 

ماذا يقرأ السجناء

المقربون من اردوغان يصورونه بأنه ذو مزاج حاد على وجه خاص. "انه يجر خلفه حياة مهنية للاعب كرة قدم: فهو يستشيط غضبا بسهولة ويندفع ويخز لكنه عالم بيقين بسلوكه وبالكلام الذي يصدر عنه"، يقول موظف تركي خبير.

هذا ما كان في مناكفته للرئيس بيرس في المؤتمر الاقتصادي في دافوس قبل ثلاث سنين حينما ثارت اعصاب اردوغان وطرح السماعة وترك بيرس ومجري اللقاء أمام عدسات التصوير.

"وهذا سلوكه ايضا في غضبه على اولمرت ونتنياهو: فهو يستشيط غضبا أولا ثم يستنشق هواءا ليفحص ما هي الردود في محيطه القريب داخل تركيا وفي الجانب الذي أصابه غضبه، فاذا خلص الى استنتاج انه بالغ اهتم بتصحيح نفسه بعد بضعة ايام وكأن أمرا لم يكن".

ان وزير الخارجية داود اوغلو هو الذي أوجد لاردوغان سياسة "صفر المشكلات مع الدول المجاورة" التي أثرت تأثيرا عظيما ومعتدلا وعقلانيا قبل سنة ولفظت أنفاسها على نحو خاطف حينما هب "الربيع العربي". فبدل "صفر المشكلات" وبشار الاسد المقرب في أنقرة، أصبحت سوريا العدو الاول.

حينما طلبت الى داود اوغلو ان يحدد وضع العلاقات بين اسرائيل وتركيا أجاب بصدق: "أفترض ان العلاقات على كل حال لن تعود الى جو شهر العسل، لكن ما كان بيننا لم يُمح كليا. ربما حان الوقت لتفكر حكومتكم في معنى ان تفقد تركيا باعتبارها حليفة.

"المشكلة هي في المستوى السياسي. أنتم في حريق الكرمل طلبتم معدات وأرسلناها سريعا. وفي الزلزال عندنا طلبنا مساعدة وأرسلتم، لكنكم أصررتم على استعمال اللفتة الانسانية في الصعيد السياسي وحصلتم على جواب بالرفض. فنحن غير مستعدين لننسى أنكم مدينون لنا باعتذار.

"أسهمنا اسهاما ما في صفقة اطلاق سراح جلعاد شليط، وحينما نفذت الصفقة ورفضت اسرائيل ان يعود فلسطينيون معينون الى الضفة، تطوعنا لنستوعب عندنا 11 محررا. وفاجأني أن أسمع أنهم قرأوا في السجن كتابي "عمق استراتيجي" ".

"أنظري كيف دار الدولاب"، يقول لي مستشار رفيع المستوى في أنقرة، زارنا زيارات متقاربة حتى الازمة، وتنقل بين وزارة الخارجية في القدس والكرياه في تل ابيب. "كانت اسرائيل في نظرنا دائما دولة صغيرة لعبت دورا كبيرا، وكانت تركيا دولة كبيرة لعبت دورا صغيرا. ومنذ جاء داود اوغلو الى وزارة الخارجية كبر دور تركيا وحضورها ومكانتها آخر الامر".

يتنقل وزير الخارجية التركي بين أنقرة الرسمية الرمادية، واسطنبول الفوارة. بين الدبلوماسية وميدان اللقاءات المعلنة والسرية. ويقول في نصف شكوى انه يضطر الى ان يتناول احيانا عشاءه ثلاث مرات في مساء واحد حينما يستضيف وفودا من ليبيا ولبنان واليمن وافغانستان وباكستان والهند واوروبا والولايات المتحدة، ولا يصد عن الاسرائيليين ايضا. وقد أصبحوا يسمونه هنري كيسنجر التركي ويُذكر اسمه باعتباره مرشحا لرئاسة الحكومة بعد اربع سنين.

"اردوغان واوغلو أحاطا الازمة بحدود"، يُبين قنصل اسرائيل العام في اسطنبول موشيه كمحي. فالتجارة لم تتضرر – بالعكس، ففي السنة الاخيرة سجلت زيادة من 2.7 الى 3 مليارات دولار في التبادل التجاري. وقبل اسبوع عرضنا هنا العرض الاسرائيلي "سذاجة الحب" وحظي رسام الكاريكاتور إيليا كاتس بالمكان الثاني في المنافسة الكاريكاتورية وحصل على جائزة من حاكم اسطنبول، وشاركت شيفرا هورن وألونا كمحي في مهرجان أدباء. فهما لا ينويان تصعيد الازمة لتتجاوز المستوى الحكومي".

"تتوقع منافسة تثير الاهتمام بعد اربع سنين"، يُبين لي محلل محلي، "فبحسب القانون يجب على اردوغان ان يعتزل لكنه في ضوء شعبيته ذو احتمال ان يُنتخب للرئاسة. وآنئذ إما نشهد كراسي موسيقية بين اردوغان وعبد الله غول أو تكون فرصة لداود اوغلو لرفع منزلته.

"سيكون اللاعبون هم اللاعبون أنفسهم من وجهة نظر اسرائيل. لهذا يحسن ان ترتبوا اموركم الآن وأن تعتذروا، حتى لو صعب ضمان ان يكون بيننا مرة اخرى تعاون ممتاز كالذي كان. بخلاف الماضي أنتم الذين تعانون اليوم عزلة دولية ولم تعد تركيا تحتاج الى اسرائيل".