خبر هل هذا ما نريده لشعبنا وأمتينا؟!..علي عقلة عرسان

الساعة 11:18 ص|04 نوفمبر 2011

 

هل هذا ما نريده لشعبنا وأمتينا؟!..علي عقلة عرسان

 

في خضم الأحداث العربية المتنقلة مثل كثبان الرمال في صحراء تشتد فيها الريح: من يتفاءل قد يقع في الوهم، ومن يتشاءم قد يغفل عن أهمية الأمل في حفز الأمة على التجدد والتمسك بالبقاء، ومن يتشاءل لا يسلم من الافتقار إلى موقف ورؤية في وقت الحاجة إلى الموقف والرؤية. ليست الحقيقة وحدها هي ضحية الحروب والصراعات الحادة والسياسات التي تعلي شأنها وشأن القائمين عليها فوق شأن البلدان والناس والقيم، ويزعم أهلها، في الحكم والمعارضة، أنهم يملكون وحدهم القدرة والرؤية ومفاتيح ما ينفع الناس وينقذ البلدان ويقيم العمران و.. بل قد يكون في مقدمة الضحايا "المنطق والعقل والقيم والأبرياء ومصالح الفقراء وما لا يتسع المجال لذكره.. لأن مواقف كثير من الساسة، في الحكم والمعارضة، تكاد تشخصن البلدان والشعوب والجماعات والمصالح في أفراد، ومن يدقق يرَ، في الألب الأم، أن في السلطة يرفض المعارض وأن المعارض يحقد على رجل السلطة ويرفضه.. وتضيع شؤون الخلق وتضيع أرواح بين أرجل من يدعي الحرص عليها من أولئك جميعاً. وحين يصبح المعارض حاكماً والحاكم معارضاً بطريقة منا، ومنها "لعبة الديمقراطية"، يتبادل الساسة الأدوار ويبقى الخلق في ضنك وتكتوي أكبادهم بالنار.

وهذا الشأن ليس جديداً، فهو القائم منذ ما قبل الفراعين والقياصرة والأباطرة، ونظن أنه بقي وسيبقى بصور وصيغ شتى في الملَكيَّات والجمهوريَّات وما في حكمها، مع وجود هوامش ودرجات اختلاف لا يمكن القفز فوق حقيقة وجودها.

وفي هذا المحيط المتلاطم الأمواج يركب كثير من الرجال والنساء مراكب الإنقاذ، ويعتلون ذرى الموج بهمة وقوة لكي ينقذوا المراكب المشرفة على الهلاك.. وهي أنفس تعاني وتتجدد معاناتها، شأنها شأن سيزيف ذي الصخرة، وتموز الذي يخمد مع كل شتاء وينتعش مع كربيع، وذاك البطل الأسطوري الذي يقوم من رماده بعد كل حريق.. فهل نكون متفائلين أم متشائمين أم متشائلين، ونحن نشهد ما نشهد في أيام العرب اليوم، سواء أكانت ربيعاً أم خريفاً.. لا أدري، ولكنني أتجدد وأحلم وأمشي.. حاملاً أملي ويأسي، جرحي وسكيني، كفني وتربتي.. وأمشي، ثم أمشي، ثم أمشي.؟!         

في مساء الثالث من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 تفاءل كثيرون من السوريين خاصة والعرب عامة بإعلان نجاح المبادرة العربية لحل الأزمة في سورية، تلك المبادرة التي جاءت: " انطلاقا من حرص الدول الأعضاء على أمن سوريا واستقرارها ووحدتها وسلامتها الإقليمية.. ووقف إراقة الدماء وتحقيق تطلعات الشعب السوري في الإصلاح المنشود، تجنبا لأي تدخلات خارجية.".

و " أبلغت الحكومة السورية مجلس الجامعة الموافقة على:

-  وقف كل أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين.

-  الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة.

-  إخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة.

-  فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سورية للإطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث.".

وتحدث مسؤولون عن حوار بين الأطراف المعنية كافة للوصول إلى " إصلاح ينشده الشعب السوري كله"، وذلك بتفاهم وتعاون وتوافق يؤدي إلى تجنيب سورية وشعبها، والأمة العربية التي لا شك في أن شأن سورية وشعبها يعنيها كثيراً، تجنيب سورية والأمة مخاطر الانزلاق إلى كوارث وزلازل.. أو ما شئت من أوصاف، للمحن التي تتراءى لمن يرى رؤية بصر ورؤيا بصيرة.

ولكن يبدو أن هناك من لا يريد أن يرى، أو لا يرى إلا ما تزينه له نفسه أو ما يُملى عليه، وهناك من لا يحب سماع أي صوت إلا صوته، أو صوت من يمالئه ويجامله، وصوت من يحب.. وقد يكون هذا مقبولاً أو طبيعياً في الشؤون الشخصية الخاصة ولكنه يصبح كارثياً في الشؤون العامة وسياسات البلدان والشعوب.. وهذا التداخل الشديد بين الشخصي والعام يوقعنا في أزمة بعد أزمة وفي حفرة بعد حفرة، ولا يمكِّننا من الرؤية السليمة لما هو في صالح الوطن والشعب والأمة.

ومن أسف أنه خلال الساعات القليلة التي فصلت بين الإعلان عن نجاح المبادرة العربية وهذه اللحظات من قبل ظهر يوم الجمعة الرابع من تشرين ثاني نوفمبر/ 2011 هبَّ وتدفق علينا من الأقوال والأحداث ومخزون الأنفس ومعاناة الأكباد، ومن العقول المسكونة بهواجس غريبة عجيبة.. ما عصف بمراكبنا الصغيرة التي أبحرت في فضاء جديد تنشد الشمس، وأخذت تتسرب إلى أخاديدها العميقة أشعة نتطلع إلى أن تنظفها من كل ما لا يُستحب، لكي نبحر إلى شاطئ السلامة بأمان، ونستأنف حياتنا العادية باطمئنان تام وشامل، فلا أمن لي إلا بأمن يتوفر لسواي ولا راحة لي على حساب الآخرين.   

وفي هذا الخضم لفتني بشدة، بعد الإعلان عن الاتفاق بين سورية والجامعة العربية على المبادرة، تزامنُ أمور وأحداث وأقوال وأحكام لا تبشر بخير ولا تكشف عن نوايا طيبة، ولا تؤدي إلى سلوك الطريق التي تفضي إلى تطبيق أحكام الاتفاق/ المبادرة، والوصول إلى مناخ الثقة المتبادلة، وتسفر عن وضع جديد فيه لكل مواطن في الوطن كرامة وحرية ومسؤولية ومكانة واحترام وواجب وموقع ودور.. ومن ذلك الذي لفت نظري، ولفتني تزامنه بشدة، وأسوقه للتأمل والتدبر:

1 ـ الحديث عن "مؤامرة بين الجامعة العربية وسورية على " الثورة والشعب"؟! فعن أي مؤامرة يتم الحديث، ولمصلحة من يكون الحل العربي مؤامرة والاستغراق في الأزمة وصولاً إلى التدخل الخارجي أو الفتنة أو ما شابه ذلك.. ليس مؤامرة؟!

2 ـ بعد الإعلان عن المبادرة وقبولها، وخلال أقل من ربع ساعة بدأ رفضها وتجريمها من أصوات، ونادت أصوات أخرى بأن الحوار مرفوض وما هو مقبول فقط: هو "التفاوض على تسليم السلطة"؟! وكأن النظام الذي قبل المبادرة هُزم نهائياً وأعلن استسلامه و.. والمطلوب هو تحديد الخطوات المؤدية إلى تسليم السلطة وليس إلى تنفيذ المبادرة والالتزام بكل ما جاء فيها للخروج من الأزمة؟!

وتواكب ذلك مع تصريحات تسترعي الانتباه لدلالتها وتأثيرها في التوجه العام والمناخ العام، ومن ذلك القول: إن " جيش سورية الحر أوقف عملياته في سورية وعلى الجيش السوري أن يسلم سلاحه ويستسلم لجيش سورية الحر.."؟!

3 ـ إعلان السفير الأميركي فيلتمان، ونحن نعرف جيداً من هو فيلتمان، وما كان دوره في لبنان وغيرها من مناطق التوتر في الوطن العربي، إعلانه "عن سأمه من بشار الأسد"، وإعلان الخارجية الأميركية عن قول مماثل تقريباً يعزز موقف فيلتمان، ويشير القولان إلى تحريض ضد المبادرة، رغم المباركة الرسمية الشكلية.؟! فما الذي يريده الأميركي منا بعد كل ما فعله فينا بلداً بعد بلد وضحايا بعد ضحايا.؟!

4 ـ استمرار الأجواء الإعلامية المعهودة، والشحن الانفعالي، وهي أمور معروفة حيداً للمتتبع الحصيف، ولا تساعد على التوصل إلى مناخ يساهم في تخفيف حدة العنف، ووقف سيل الدماء، والتوجه نحو الحلول الواقعية للأزمة في سورية خاصة وللأزمات العربية عامة، وهو أمر لا يشير إلى مسؤولية الكلمة وأهمية الرأي البناء.

ففي ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، على سبيل المثال، قالت فضائية عربية إن قصف الدبابات السورية بدأ على..  وفي خلفية الصور التي بثتها أصوات تهتف:" خاين خاين خاين.. نبيل العربي خاين"؟!، وفي تداخل فني منظم للأصوات " مكساج" امتزج التكبير بتلبية حجاج بيت الله الحرام: "لبيك اللهم لبيك"؟!.

 فماذا يحمل هذا إلى الناس؟ وما الذي فعله نبيل العربي حتى يوصف بالخيانة؟! وما الذي زج بتكبير حجاج بيت الله الحرام في مثل هذا الموضع وفي هذا التوقيت؟!

هل نستطيع أن نتبين المغزى البعيد من وراء هذا كله؟ ألا يدخل هذا وسواه من ردود الأطراف المعنية بعضها على بعض، الفضائيات والأقلام العربية بعضها على بعض.. ألا يدخل هذا في باب استمرار وتأجيج العنف المكلف الذي يدفع ثمنه الشعب دماً ودماراً وفقراً ومجاعات، وتدهور أوضاع ومواقع ومكانة على كل مستوى وصعيد؟!.

هل يساهم التحريض والتهييج واستنفار الغرائز والانفعالات في الحل والتهدئة وحقن الدماء والإصلاح والتغيير، ويبقي مع ذلك على ما يحق سلامة البلدان التوجهات والخيارات؟ أم أنه يندرج فقط في خدمة هجوم الفوضى المسماة "خلاقة!؟" وهو هجوم أميركي وغربي وصهيوني معادٍ للأمة، ويستبيح كل الوسائل والأدوات، ويهدف فيما يهدف إليه إلى الإجهاض المبادرة العربية وإبقاء سورية قيد الاستنزاف، ووضع المنطقة في توتر وشلل مطلوبين حتى يحقق الأميركي ـ الصهيوني أغراضه الاستراتيجية في فلسطين والعراق والبلدان العربية المستهدفة، وفي إيران التي يريد أن يشعل بينها وبين العرب على الخصوص حرباً مذهبية" شيعية سنية"؟! ليرتاح هو على ركام دماء الشعوب ودمار البلدان، ينهب ما يشاء كما يشاء، ويقتلنا بأيدينا ثم يقبض ثمن دمنا وأجور سفك ذلك الدم منا؟!

إنه اعتماد أسلوب الاستفزاز بهدف جر المعارضة والنظام في سورية إلى أفعال ومواقف تسفر عن استمرار العنف الدامي لكي ينقض معمار المبادرة العربية من أساسه، وينفذ سياساته.. أصبح مكشوفاً، فهل ترانا نقرأ جيداً ونتدبر الأمور بحكمة.؟

وأتمنى أن يتبصر من تعنيه الأمور ونتائجها بدلالات الحدث الفاجع الذي وقع في ريف حمص ليل الثلاثاء/2/ الأربعاء/3 من هذا الشهر ثم يعود من بعد ذلك إلى ضميره، أياً كان موقعه وهدفه و.. و..  ليستقرئ الحدث ويحاكم الأمور، وأسوقه كما جرى ونشر بإيجاز، ووفق ما نقلته الأخبار بتوتر:

".. ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مسلحين ارتكبوا مجزرة في ريف حمص وقتلوا أحد عشر عاملاً في مصنع في كفرلاها بريف حمص، ودخل المسلحون المصنع وأطلقوا النار على العمال.. ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن ناشط في حمص أن القتلى من السنّة. وجاء ذلك بعد هجوم شنه مسلحون على حافلة كانت تنقل عمالاً وقتلوا تسعة، غالبيتهم من العلويين، بعدما أنزلوا النساء من الحافلة. وقال المرصد السوري إن منشقين عن الجيش قتلوا سبعة جنود وثمانية من أفراد قوات الأمن و»الشبيحة» الموالين للنظام خلال مهاجمة حافلة كانت تقلهم بين قلعة المضيق وبلدة الصقيلبية."

هل هذا ما نريده لسورية وشعبها، وما يريده إنسانيون لنا؟ وهل من الحكمة أن نذهب بأمتينا العربية والإسلامية هذا المذهب؟ ومن تراه المستفيد الأول من هذا كله.؟!

 في الفم طعم الكارثة، والدوامة مستمرة، والدوار يأخذ برأس المرء قبل نفسه وروحه، والحكمة تغوص في مستنقعات الدم وتغرق في ضجيج ممارسات وأقوال وأفعال غير مسؤولة من جهة، وربما غير مدرَكة أبعادها من جهة أخرى.. وربما.. وربما.. وربما.. ولا أحب الرجم بالغيب..

إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون.