خبر قاتم في جميع الجبهات- يديعوت

الساعة 01:18 م|28 أكتوبر 2011

قاتم في جميع الجبهات- يديعوت

بقلم: رونين بيرغمان

"حدث تدهور ملحوظ آخر في السنة الاخيرة لوضع اسرائيل الاستراتيجي، ولما كانت الحكومة لم تبلور استراتيجية عمل سياسي ناجعة لتبريد مراكز التوتر فقد زادت جدا التحديات التي تواجهها الدولة. وفي المقابل يحظى زخم دبلوماسية السلطة الفلسطينية بالمناصرة والتأييد المهم اللذين يثبتان أكثر عزلة اسرائيل الدولية التي أخذت تزداد.

"ان مسيرة نزع الشرعية مستمرة وتفضي الى اضعاف ملحوظ لمكانة اسرائيل السياسية والى قيود شديدة على حرية الجيش الاسرائيلي في عملياته.

"ان ضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط والعلاقات العكرة بين ادارة اوباما وحكومة نتنياهو تسلب اسرائيل عنصرا رئيسا من صورتها الردعية. ويُمكّن هذا الوضع جهات اخرى من محاولة لعب دور في الشرق الاوسط بصورة لا تخدم مصالح اسرائيل.

"على خلفية عدم وجود تقدم في الجهد لردع المشروع الذري الايراني، يزداد خطر ان تتجه دول اخرى في المنطقة الى المسار الذري".

وهكذا يستمر هذا بعد ذلك. في الاسبوع القادم سينشر معهد ابحاث الامن القومي تقديره القومي السنوي. وهو أهم وثيقة بحث استراتيجية تنشر خارج جهاز الامن، ويكتبها في الأكثر مسؤولون كبار خرجوا منه واكاديميون.

هذه الوثيقة التي تنشر أصولها هنا لاول مرة هي الأكثر قتامة وتهديدا منذ بدأ المعهد ينشر تقديراته في 1983. وهي تشتمل على مئات الصفحات، وتوجه في جميع الشؤون تقريبا انتقادا على الحكومة وأذرعها التنفيذية مع خلاصة قاطعة لا لبس فيها وهي ان "حكومة اسرائيل تحتاج الى البت بين الانتظار وعدم الحسم وعدم المبادرة وبين السعي الى تأثير في محيطها الاستراتيجي: ان مبادرة اسرائيل الى مصالحة لن تحل بالضرورة كل مصادر الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والاسرائيلي العربي... لكن اجراءا محددا نحو تسوية قد يُفتر من شدة هذه التحديات ويحسن مكانة اسرائيل التي أخذت تضعف".

والوثيقة كلها في واقع الامر دعوة للحكومة أو طلب منها ان تفعل فعلا. ووصية لبنيامين نتنياهو ان يأخذ المبادرة بيديه وألا يدع الأحداث تجره وتجرنا.

 

غيوم سوداء في الربيع

يرأس معهد ابحاث الامن القومي الدكتور عوديد عيران الذي كان في الماضي سفير اسرائيل في الاتحاد الاوروبي والاردن وحرر التقرير الدكتورة عنات كورتس والعميد (احتياط) شلومو بروم. يتنبأون ان اسرائيل في السنين القريبة ستجابه الحاجة الى اتخاذ قرارات في شؤون الامن القومي المركزية، وستفعل هذا في واقع سيكون تركيبه أكبر كثيرا. أو كما يُعرف هذا الدكتور عيران: "فراغ عظيم نشأ في الشرق الاوسط نتاج ثلاث ظواهر – الربيع العربي الذي حدث على خلفية انهيار مسيرة السلام الاسرائيلية العربية، وضعف الولايات المتحدة الشديد. ان التأليف بين الثلاث قد يؤدي باسرائيل الى كارثة عظيمة".

العميد بروم: "في الاماكن التي نجحت فيها الثورة ايضا ما يزال من غير الواضح أي سلطة وأية طريقة ستحلان محل النظام القديم، ولن يكون التحول الى الديمقراطية سهلا".

"هناك قاسم مشترك بين الانظمة الجديدة والانظمة القديمة التي اجتازت موجة الثورات"، تقول الدكتورة كورتس، "فهي تدرك انه يجب عليها باعتباره شرطا للبقاء ان تصغي الى صوت الشعب. يوجد في هذا جانب ايجابي لان الحديث عن واحد من العناصر الأساسية للسلطة الديمقراطية، لكن يوجد هنا من جهة ثانية خطر حقيقي في الانجرار الى سياسة غوغائية وارادة إرضاء الجمهور بتلبية أهوائه المباشرة".

ان اسرائيل، كما يقول كتاب التقرير، قد تكون المتضررة المباشرة لمحاولة تعليق جميع المشكلات في مشجب عدو خارجي. وكل هذا يحدث في واقع تضعف فيه القوة العظمى، الولايات المتحدة، ولا توجد أية جهة خارجية تستطيع مساعدة دول المنطقة على التغلب على الازمة الاجتماعية – الاقتصادية الشديدة.

عيران: "هذا ما يحدث في الوقت الذي توجد فيه العلاقات بين اسرائيل ومحيطها في الحضيض، وفي حين ان التصور المهيمن في العالم العربي – وفي الساحة الدولية ايضا – هو ان سياسة اسرائيل الرافضة مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود".

"بخلاف الميل الذي ساد اسرائيل الى نسبة المسؤولية عن جزء كبير من التطورات في الشرق الاوسط، الى ايران"، يكتب الباحثون، "فان قدرة طهران على توجيه الاحداث محدودة".

بروم: "رسخ في اسرائيل طراز تفكير يقول ان الدول العربية في السنين القريبة ستكون مشغولة بشؤونها الداخلية، ولن تتفرغ للعلاقات مع اسرائيل. وحذرنا نحن في المعهد في بداية المظاهرات قائلين ان العكس هو الصحيح، فقد نبعت التمردات من شعور الجماهير العميق بالذل، ولعبت العلاقات مع العالم الخارجي دورا مهما في تأجيج الاحتجاج.

"غذّت معاملة الغرب للعالم العربي على مدى سنين الشعور بالظلم، وفي ضمن ذلك العلاقات باسرائيل. وما كان يجب ان يفاجيء أحدا ان أحد الاجراءات الاولى للحكومة المصرية الجديدة كان جهد بلورة اتفاق مصالحة بين فتح وحماس، وليس صدفة ايضا انه في 2011 خاصة اصطبغت أحداث النكبة والنكسة بصبغة عربية عامة أشد كثيرا".

كورتس: "قد تصبح اسرائيل عنوانا لغضب الجموع في الشارع العربي على أثر أحداث كالتصعيد في ميدان غزة، وهذا محقق اذا نشأت في الضفة مواجهات عنيفة".

عيران: "كان اردوغان خاصة هو الذي لاحظ الفراغ وضعف الامريكيين. ولولا هذا لكان متصلا باسرائيل، أُعطي السياسة الخارجية التركية درجات عالية وهي التي تحولت تحولا تاما في علاقتها بسوريا وليبيا ومصر".

 

بشرط ألا يربح الطرف الثاني

ما هو معنى جميع الامور المفصلة المبسوطة في 250 صفحة؟ من سيقرؤها ومن سيصغي اليها؟ ومن سينتبه؟.

يقول شلومو بروم، خريج "أمان" وقسم التخطيط، انه حينما لبس البزة العسكرية اعتاد هو ورفاقه ان يقرأوا التقدير الاستراتيجي للمعهد (الذي سمي آنذاك "مركز يافه"). "حينما يكون التفكير الاستراتيجي في داخل جهاز الامن وحده تنشأ جميع أصناف النباتات الوحشية كالتفكير الجماعي. ان النقاش العام كهذا الذي نحاول فعله هنا يضائل من احتمال الخطأ.

"ليس أحد هنا ساذجا ليعتقد ان شخصا ما من قادة الجيش أو الاستخبارات أو المستوى السياسي يأخذ الكتاب بيديه ويقرأه ويملي فورا على مرؤوسيه خطوط عمل. هذا تأثير بطيء متغلغل ومتراكم".

عيران: "نستطيع ان نؤثر فيمن يُعدون المواد الأولية لمتخذي القرارات. وهذا كثير لأن متخذي القرارات يرون مرارا كثيرة لوح العرض فقط بدرجات مختلفة من الانتباه.

"نعتقد انه يجب ان يكون للحوار الاسرائيلي بعد بحثي أعمق من العناوين، مع الاتجاه الى الأمام. لست أعرف نقاشا عاما عميقا منظما جرى حول تأثيرات ربيع الشعوب العربي. قد يكونون في السباعية تحدثوا في الامر لكنهم لم يفعلوا في أي حلقة علنية ما عدا معهدنا، ولم يُجر تفكير ذو شأن في خطوط العمل التي يجب على اسرائيل الأخذ بها.

"مثلا شراء طائرات اف 35. ليس الحديث هنا عن بندقية. فهذه مسألة ذات آثار عامة واجتماعية عظيمة لم تُبحث في أية حلقة علنية سوى عندنا".

"دافع غور ليش من ناس سلاح الجو عن القرار. وأشار يفتاح شبير، رجل المعهد الى الاشكالية من جهة تقنية ومن جهة احتياج اسرائيل الى هذه الأداة. وأُضيف أنا أنه لم يجر في البلاد نقاش عام عميق لكل القضية المتعلقة بالشراء. لا من الجانب المالي بل للمعاني التي تصحب كون الدولة تشتري وسيلة من هذا النوع".

هل يقرأ رؤساء الحكومة ووزراء الخارجية وثائق التقدير؟

"يؤسفني ان تجربتي تعلمني ان أكثر متخذي القرارات في المستوى السياسي يقرأون فقط الصفحة ونصف الصفحة الأول من كل وثيقة، دونما صلة بطولها، ويقرأون هناك ايضا على نحو عام السطور التي لونوها من اجلهم".

سجل في السنتين الاخيرتين في العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين تدهور شديد قياسا الى تمهيد الطريق في مطلع التسعينيات. "لا يمكن ان يتم اليوم حوار مباشر بسبب عدم الثقة المتبادل العميق"، كما ورد في التقرير. "ان رؤية العلاقات بأنها "لعبة حاصلها صفر" عادت لتهيمن على كل شيء، في حين ان القصد عند الطرفين ان يمنع كل واحد منهما الطرف الثاني الارباح، يوجه السياسة، حتى لو سبب لهم ذلك ضررا في نهاية الامر".

بروم: "كلهم مذنبون فيما حدث، نحن والفلسطينيون والاتحاد الاوروبي الذي لم يكد يحرك ساكنا والامريكيون. لو كان أحد الأطراف غيّر اتجاهه وأصبح حكيما بدل ان يكون عادلا فلربما ظهر الامر كله بمظهر مختلف.

"اسرائيل غير قادرة اليوم على ان تقترح على السلطة الحد الادنى المطلوب لها لتستطيع الرجوع عن المطالب التي طلبتها شرطا لتجديد التفاوض: وهي موافقة اسرائيلية على تسوية على أساس خطوط 1967 مع تبادل اراض. ومن جهة ثانية فان الفلسطينيين غير قادرين على الاستجابة لمطلب الاعتراف باسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي".

ألا تستطيع اسرائيل البقاء من غير عمق استراتيجي؟

كورتس: "حتى لو كانت توجد قيمة عسكرية للعمق الاستراتيجي، ففي الواقع الجغرافي لاسرائيل تبلغ الصواريخ التي يطلقها حزب الله أو حماس كل هدف في البلاد تقريبا. ان تحدي اسرائيل المركزي هو تثبيت مكانها في المنطقة التي هي في أساسها عربية ومسلمة، مع الحفاظ على مشايعة الجماعة الدولية لها. وهذا التأييد ضمان لوجود اسرائيل ونمائها.

"انه ما بقي الصراع مع الفلسطينيين فلن تستطيع اسرائيل ان تدفع الى الأمام بعلاقات صادقة مع الدول العربية. ولا تستطيع تلك التي ترغب في التعاون ايضا ان تفعل هذا".

عيران: "ان الامر المفاجيء هو ان الاسرائيليين والفلسطينيين والامريكيين يدخلون المفترق نفسه للمرة الثالثة أو الرابعة ويكررون الاخطاء نفسها بالضبط".

 

مع كل الاحترام لروسيا والصين

يشتمل البحث على مقالات مختارة بقلم باحثي المعهد. وقد قام بالابحاث مع المحررين وكتب التقارير خبراء أجلاء آخرون. فعلى سبيل المثال يفحص اللواء (احتياط) غيورا آيلاند الذي كان في الماضي رئيس شعبة التخطيط عن السؤال: هل تقتضي التغييرات في مصر تغييرا عاما للجيش الاسرائيلي بالنظر الى الحدود الجنوبية ومقدار القوات عامة.

بروم: "ان عدد قوات الجيش الاسرائيلي لم يُبن منذ اتفاقات السلام لمواجهة جبهتين. واستنتاجنا انه ينبغي الحذر من قرارات متسرعة لا حاجة اليها الآن، وان تغيير مقدار القوات سيفضي الى تغيير شامل في الدولة ولسنا حتى الآن بمكان يوجب هذا.

"ويوجد هنا شأن آخر وهو خطر النبوءة التي تحقق نفسها، فاذا استعددنا لحرب مع مصر ستعلو هناك الاصوات أننا نبحث عن ذرائع للسيطرة على سيناء من جديد".

ينشر مئير إلران الذي كان في الماضي مسؤولا رفيعا في "أمان" تحقيقا عميقا عن استعداد الجبهة الداخلية للحرب يظهر صورة معوجة. "الاستعداد في الأطوار الجنينية"، يقول عوديد عيران. "يجب ان نأمل ان يُرى تعيين وزير شؤون حماية الجبهة الداخلية أكثر من مجرد فعل سياسي".

وخصص فصل يثير الاهتمام كتبه الدكتور يهودا بن مئير نائب وزير الخارجية سابقا، والباحث ايفان الترمان للمسيرة التي تزيد في نزع الشرعية عن اسرائيل، والاستنتاج النهائي هنا ايضا بائس: "ان الهدف الذي نصب لحملة نزع الشرعية هو عرض اسرائيل بأنها دولة تُخل على الدوام بالقانون الدولي وبحقوق الانسان وبجميع القيم السائدة، وبأنها دولة تستعمل الفصل العنصري وتتحمل تبعة جرائم حرب بصورة واسعة وجرائم على الانسانية.

"ان هدف الحملة الدعائية هو ان تصبح اسرائيل دولة مقصاة، وهو ما يفضي الى عزلتها المطلقة في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والثقافة والاكاديمية والفن".

لكن الرد واهن: "ليس واضحا بأي قدر من الجدية تتناول السلطات هذا التهديد وأي دور يلعبه في تصور التهديد العام عند اسرائيل".

كورتس: "في تقريرنا اعتراض شديد على اقوال جازمة باسلوب "نهاية التاريخ". مثل: "لا يوجد ارهاب منتحرين"، وكأنه لا احتمال لأن يتجدد أو "العالم كله ضدنا" وكأن هذا الوضع غير متحول. هذه صرامة سطحية. فالعالم متحرك واسرائيل تقع في محيط متحرك وهناك مكان لتصحيح الاخطاء".

يبدو ان كتاب التقرير يقولون في كل نقطة تقريبا ما تزعمه حكومة نتنياهو، لكن بالعكس تماما. مثل عدم قدرة الادارة الامريكية على حث حكومة اسرائيل على تجديد التفاوض مع السلطة: هذا انجاز في نظر رئيس الحكومة وأمر خطر على اسرائيل في نظر الباحثين.

عيران: "تحسين العلاقات مع روسيا ودول في امريكا اللاتينية، أو بالصين لن يعوض اسرائيل مما تخسر اذا ساءت علاقتها مع الولايات المتحدة".

ويحذر التقرير من انه "ينشأ في اوروبا توجه فرض قطيعة مدنية مع انتاج اسرائيل حتى لو لم يكن مصدره المستوطنات... ينبغي عدم الاستخفاف بالضرر الذي قد تحدثه لا بالتصدير المباشر فحسب بل بأمور الاستثمارات الاجنبية ايضا".

يظهر موضوع مركزي آخر في مقالة الدكتورة اميلي لنداو وهو: هل يجب على اسرائيل ان تقصف ايران لوقف قدرتها الذرية. يقول التقرير انه ضعفت جدا الجهود لوقف برنامج طهران الذري لكنه يؤكد الصلة بينه وبين المسيرة السياسية: "اذا استطاعت اسرائيل الاعتراف بالتغييرات التي حدثت في الشرق الاوسط فقد تستطيع ان تفشل التهديد الايراني الذي تتعرض له، بقدر لا يستهان به.

"ان عملا نشيطا لاحياء مسيرة السلام سيساعد الحكام العرب على ان يطرحوا من برنامج العمل في دولهم القضية الاسرائيلية الفلسطينية وان يحسنوا العلاقات مع اسرائيل".

لكن: "لا توجد استراتيجية تفاوض فعالة ولا ارادة حقيقية لعملية عسكرية، لا في اسرائيل ولا في الولايات المتحدة. ان فرض عقوبات واستخدام وسائل التخريب قد يؤخر تقدم ايران نحو السلاح الذري، لكن لن يغير مصلحتها الأساسية. ان الاعتماد على عمل لوقف التقدم الايراني أو رؤية ذلك خطوات تسبب تغييرا داخليا في ايران، خطأ شديد".

عيران: "نحن لا نتناول علنا سؤال هل يجب على اسرائيل أو لا يجب ان تقصف. أجرينا مباحثات مغلقة مع ناس جهاز الامن والجماعة الاستخبارية، وأعتقد أننا أسهمنا في ادراك انه ربما توجد طرق ثالثة تضاف على الخيارين الآخرين وهما القصف أو عدمه".

بروم: "نحن نجري تحليلات عن فرض ان اتخاذ القرارات عقلاني، لكن هذا فرض اشكالي. فرئيس الحكومة في نهاية المطاف يستطيع ان يتخذ قرارا عن شعور أو احساس بوجود جانب وجودي في شأن ما. ويصعب ان نتنبأ متى تبت هذه الاعتبارات الامور".