خبر في القنوات غير المعتادة.. يديعوت

الساعة 11:57 ص|21 أكتوبر 2011

في القنوات غير المعتادة.. يديعوت

بقلم: رونين بيرغمان

(المضمون: رونين بيرغمان الذي تابع المحادثات في شأن اطلاق سراح شليط مدة خمس سنين ونصف يتحدث عن مسارات التفاوض والعقبات التي كانت في طريقه ويبين آخر الامر ان الفضل الأكبر يرجع للوساطة المصرية القوية - المصدر).

كان الافراج عن جلعاد شليط يبدو قريبا جدا، في منتصف شهر كانون الثاني من هذا العام. فقد صاغ الوسيط الالماني غيرهارد كونراد مسودة الاتفاق الثالثة التي كتبها وقدمها الى حماس يصحبها إنذار: فاما التوقيع حتى مطلع شباط وإما ان يعتزل الوساطة. أراد كونراد ان يفشل حماس لكنه لم يتوقع لا هو ولا رئيس الاستخبارات المصري آنذاك الجنرال عمر سليمان الذي صاحب المسيرة كلها، تطورا دراماتيا جدا غير قواعد اللعب ألا وهو الثورة في مصر.

كان التقدير آنذاك ان الاتفاق بعيد اسبوعين عن التوقيع ولولا اسقاط نظام مبارك لأُفرج عن جلعاد شليط في شباط كما يبدو، ولكنهم في حماس استقر رأيهم بازاء التطورات على ان ذلك ليس زمنا ملائما للتوقيع. قال مسؤول حماس الكبير احمد الجعبري لمساعديه: "يجب أن نرى كيف تتطور الامور. قد نستطيع الآن ان نستخرج من اسرائيل أكثر".

وفي نهاية المطاف نُفذت الصفقة من غير الاستخبارات الالمانية – لكنها تعتمد على تلك الوثيقة التي سلمها كونراد الى الطرفين في مطلع العام. وفي واقع الامر كانت قناة التحادث التي وقعت الصفقة بفضلها آخر الامر هي نشيط السلام الاسرائيلي غرشون باسكن مع غازي حامد من حماس.

في السنين الخمس ونصف السنة التي مرت منذ وقع جلعاد شليط في الأسر، غطيت التفاوض السري الذي تم على أيدي ناس كثير في عدد من الدول في محاولة للتوصل الى صفقة بين حماس واسرائيل. وقد أبطلت الرقابة جزءا كبيرا مما حاولنا نشره في هذه الفترة.

يمكن الآن أن ننشر لاول مرة ملخص الأحداث وراء الستار وأن نصف – بلسان واحد من قادة الاستخبارات الاسرائيلية – "كيف تحول خلل تكتيكي الى ازمة استراتيجية".

وربما ايضا كيف قد تنشيء الصفقة الجديدة من هذه الازمة خاصة – كما عبر عن ذلك عدد من العناصر الكبار في المخابرات الاسرائيلية محادثة لغير النشر مع هذا الملحق – فرصة لمحادثة حماس.

قائمة مع الأسماء

اختطف جلعاد شليط يوم الاحد الخامس والعشرين من حزيران 2006، في كمين نفق مخطط له جيدا أعده ناس حماس مع مشاركين من منظمات اخرى ومع العلم بأمر الاختطاف فورا تمت عدة عمليات عاجلة كانت ترمي الى الكشف عن أنه أي خلية وأي منظمات كانت مشاركة فيه. في تلك الفترة كانت حرب لبنان الثانية – التي نشبت بعد ثلاثة اسابيع من اختطاف شليط – في ذروتها. وقد أغرقت ايران وحماس الميدان بمعلومات تضليل. ولهذا استقر الرأي على تجاهل جميع المعلومات التي جُمعت حتى ذلك الحين عن مكان شليط.

ومنذ ذلك الحين لم تعلم اسرائيل أين يوجد جلعاد شليط بحيث لم يكن من المستطاع ألبتة ان توزن عملية تخليص. فلماذا فشل تحديد موقعه؟ ذاك في الأساس بسبب سرية الطرف الثاني وحقيقة ان جماعة صغيرة جدا من الناس لم يُبدلوا خلال فترة الأسر، هي التي اعتنت بجلعاد واحتفظت بالسر بحرص كبير.

في الشهور الاولى بعد الاختطاف توسط المصريون بين اسرائيل وحماس. كان مسؤولون كبار في الاستخبارات المصرية يشغلون مكتبا في غزة قبل ان يُطردوا من هناك حينما سيطرت حماس على القطاع.

في اطار هذه الاتصالات تم الاتفاق آنذاك على مخطط الصفقة وهو ان تفرج اسرائيل عن 450 أسيرا لحماس في قائمة يتفق عليها الطرفان. وفي الدفعة الثانية، بعد الافراج عن شليط، تُخلي اسرائيل سبيل 550 أسيرا آخر (أي ألفا في الحاصل العام) تقررهم على نحو حصري. والحديث في الأساس عن شباب ونساء ممن كانت اسرائيل تنوي الافراج عنهم أصلا أو ممن اقترب أسرهم من نهايته. وبعبارة اخرى كان الجبل منذ البدء في تركيب المجموعة الاولى.

لسبب غير واضح أصرت اسرائيل على أن تسلم حماس القائمة الاولى. وفي حماس التي فرح ناسها بهذه الفرصة، سجلوا هناك جميع الاسماء الثقيلة من المنظمة، ومنذ ذلك الحين أفشلوا اسرائيل وأنفسهم في الحقيقة بهذه القائمة التي لم يستطيعوا النكوص عنها الى ما قبل اسبوع.

الموساد و"الشباك" يعارضان

في آذار 2009 نجح المصريون في الاتيان باسرائيل وحماس الى القاهرة لما بدا صفقة ستوقع في العاجل. وطلب اولمرت الى رئيس "الشباك" في حينه، يوفال ديسكن، أن ينضم الى عوفر ديكل المسؤول من قبله عن موضوع شليط في المحادثات وأصرت حماس على الافراج عن مسؤولين كبار كُثر.

مهما يكن الامر فان العناصر الاستخبارية وعلى رأسها رئيس "الشباك" آنذاك ورئيس الموساد آنذاك مئير دغان عارضا حتى نهاية عملهما اثناء 2011 صفقة الاطلاق كما كانت حماس مستعدة لها.

زعما أننا اذا فحصنا عن اعمال كل اولئك الذين أُعيدوا في جميع الصفقات فان نصفهم تقريبا عادوا لمزاولة الارهاب.

سلم "الشباك" آنذاك المعطيات التالية: من بين الـ 364 المحررين في صفقة تننباوم في كانون الثاني 2004 والذين أُعيدوا الى المناطق، اعتُقل 30 في المائة من جديد ومن بين الـ 238 المحررين في صفقة جبريل الذين أُعيدوا الى المناطق، سُجن 48 في المائة ثانية.

وأمر آخر يتصل بكرامة الدولة: وكان القصد الى 15 مخربا في قوائم حماس، لا يجوز بحسب رأي بعض عناصر الاستخبارات ألبتة اطلاق سراحهم، أحدهم هو عباس السيد، الذي تولى الاشراف على العملية في فندق "بارك" في نتانيا في 2002 التي قتل فيها في ليل الفصح 30 وجرح نحو من 140.

احتار رئيس الحكومة اولمرت وأجرى مشاورات مع اصدقاء ومسؤولين كبار. وفي نهاية المطاف لم يتم التوقيع على الصفقة.

لقاء حاسم في برلين

بعد تبدل الحكم في اسرائيل خرج حجاي هداس الذي عينه رئيس الحكومة نتنياهو، الى برلين مع مسؤولين كبار من الموساد للقاء رئيس الـ - بي.ان.دي آرنست اورلاو. وقد جاء الاسرائيليون مع رسالة من نتنياهو فيها طلب رسمي ان يتحمل الـ بي.ان.دي عامة وغرهارد كونراد خاصة مسؤولية الوساطة مرة اخرى.

استُدعي كونراد الى اللقاء وبعد ان استعملت عليه ضغوط كبيرة وافق على قبول المهمة.

كان لكونراد عدة شروط – وهي ان يكون واضحا انه لن يستطيع ان يخصص زمنه كله كما في المرة السابقة، بسبب التزامات شخصية؛ وان تقبله اسرائيل وحماس ايضا بصفته وسيطا؛ ولا يقل أهمية عن ذلك – سرية كاملة لاسم وصورة ومشاركة رجل استخبارات المانية في المسيرة، وأعلن اورلاو ان المانيا تلتزم بصورة كاملة قضية شليط وانها ستخصص لذلك جميع الموارد المطلوبة بلا حدود.

كان المصريون هم الذين لم يقبلوا بفرح هذا التطور، وهم الذين رأوا أنفسهم الوسطاء الرؤساء وشعروا بالضرر الكبير لربط الالمانيين بالجهد. بعد شهرين من ذلك كشف مبارك الذي شعر بالاهانة في مقابلة تلفاز عن المشاركة الالمانية التي كان يفترض ان تظل سرية. وبذلك قال مبارك: نحن المصريين كنا وسطاء جيدين. كانت القضية قد أصبحت محلولة ولولا إصراركم الأحمق لكان شليط في البيت منذ زمن.

منذ ذلك الحين وفي تفاوض محموم تم في تنقل على توال احيانا كل يوم بين تل ابيب وغزة، تقدم كونراد سريعا في حبك الصفقة. وقد كان متفائلا في تموز وقال لنظرائه في برلين انه يأمل أن يوقع "قبل عيد الميلاد"، أي حتى نهاية سنة 2009.

خلال تموز وآب 2009 نشرت وسائل اعلام فلسطينية أنباء كأن الصفقة قد استكملت في واقع الامر. كانت تلك أنباء كاذبة لكن تم من وراء الستار نشاط محموم لمحاولة إتمام الامر ولتسكين مخاوف شديدة لاسرائيل بسبب معلومات استخبارية تم تلقيها عن وضع شليط الجسماني السيء.

طلب حجاي هداس من الوسيط كونراد برهانا على ان شليط حي سليم، بشريط فيديو اذا أمكن. وقد صاغ الوسيط الصفقة بحملته المكوكية: وفي اطارها سيشاهد الشريط المسجل بعد ذلك تنقل اسرائيل 20 أسيرة "خفيفة" وبعد ذلك يُنقل الشريط المسجل الى اسرائيل بوساطة الوسيط.

تمت الصفقة. وصل الشريط المسجل وظهر شليط فيه في وضع أفضل من المتوقع. وكانت تلك اشارة ايجابية الى الصفقة التي ستوقع في الحال.

وفي الحقيقة فان الفروق في المحادثات بين كونراد وحجاي هداس في تل ابيب ومحمود الزهار المسؤول من قبل حماس في غزة أخذت تضيق. وزع الوسيط قائمة الـ 450 التي قدمتها حماس في حينه الى مصر في ثلاث مجموعات: اولئك الذين وقع الاتفاق عليهم؛ واولئك الذين يُعدون "اشكاليين"، والذين اعتقد انه سينجح في اقناع اسرائيل بأكثرهم؛ واولئك الذين لا يحتمل ألبتة ان توافق اسرائيل على الافراج عنهم والذين أسماهم مجموعة الـ في.آي.بي. بالنسبة للاسماء في المجموعة الثالثة، طُلب الى حماس ان تأتي بأسماء بديلة. ولم يكن جدل في عدد الذين سيفرج عنهم. وبالمناسبة نقول انه بخلاف مزاعم حماس وأنباء منشورة مختلفة في وسائل الاعلام، لم تطلب حماس قط بجدية الافراج عن مروان البرغوثي. فالمنظمة الارهابية الفلسطينية تخشى قوة الزعيم العلماني وتكذب بوقاحة حينما تزعم أنها حاولت الافراج عنه بجدية.

نشأت بين الزهار وكونراد علاقات صداقة. وقال الزهار في حديث مع نظيري كريستوف شولت من صحيفة "دير شبيغل" بعد نقل الشريط المسجل بساعات معدودة، قال ان التفاوض في اطلاق سراح شليط سيستمر اسابيع الى اشهر قبل ان يستكمل.

"نحن الفلسطينيين، نريد انهاء التفاوض في أسرع وقت... نحن نُقدر على نحو عميق عمل الوسيط الالماني. فهو شخص محترم وصادق. ومنذ تولى الامور أصبح التفاوض يتم بصورة مهنية جدا. هذه الصفقة الاولى (القصد الى الشريط المسجل) هي برهان على ان الوسيط الالماني يستطيع ان يقود الى نجاح".

بدا كل شيء ايجابيا جدا. في تشرين الثاني بدأوا في الاستخبارات الاسرائيلية يلاحظون فروقا داخل حماس. فمن جهة قام محمود الزهار واسماعيل هنية اللذان أيدا الصفقة حتى في شروط أقل حُسنا مما أملت حماس في البدء.

ومن الجهة الثانية قام احمد الجعبري، رئيس اركان حماس الذي يحتجز شليط بالفعل والذي يخشى ان يفضي الافراج عنه الى اضعافه داخل المنظمة ويعارض بالقوة كلها كل مصالحة مع اسرائيل.

وبينهما قام خالد مشعل الذي هو زعيم المنظمة في ظاهر الامر. ومما فاجأ كونراد، ولم يكن ذلك كما عرف في حكم نصر الله التركيزي لحزب الله، ان مشعل تردد في فرض رأيه وفضل وحدة المنظمة على الصفقة وإن يكن قد أيدها وراء الابواب المغلقة.

بعبارة اخرى لم يشأ مشعل ان يخاصم الجعبري. وكلما قويت قوة هذا مع ضعف النظام في سوريا وضعضعة القاعدة التي وجد مشعل فيها ملاذا، أصبحت ارادته لهذا الصراع أقل فأقل. وبدأت حماس تجمجم ولم تُقدم أجوبة عن اسئلة كونراد المحددة.

لكن الاشارات التي كانت أكثر اقلاقا كانت في الطرف الاسرائيلي خاصة. نجح حجاي هداس في بداية طريقه نجاحا رائعا في عمله. فقد نجح في تقويم العلاقات بالوسيط الالماني. وكان يبدو للحظة ان الصفقة توشك ان تتم وبدأوا في وزارة العدل يُعدون ملفات العفو التي ستُقدم للرئيس. قبل يوم من "عيد الميلاد" قُدم اقتراح مكتوب من قبل الوسيط الالماني ليوقع عليه الطرفان.

وآنذاك في كانون الاول 2009 انهار كل شيء.

صفقة ممكنة وتفجير

يُبين تحليل متأخر ان حجاي هداس تابع التفاوض من النقطة التي وقف فيها في آذار 2009. وقد جرى هداس الى الأمام مع التفاوض الذي نضج لما أصبح يبدو صفقة ممكنة التوقيع قُبيل نهاية السنة الميلادية. بيد أنه في خلال ذلك لم تُجر في اسرائيل جلسات نسقت الجهات فيها بينها التوقعات وما هي مستعدة لاعطائه.

زعموا في محيط رئيس الحكومة نتنياهو ان الوسيط هداس تبنى في واقع الامر موقف الجيش الاسرائيلي، برئاسة رئيس الاركان اشكنازي، الذي يؤيد الصفقة.

في العلاقات الخاصة الجيدة جدا التي نشأت بين المنسق هداس وبين الوسيط الالماني تقدم هداس في التفاوض وهو يعمل باسم نتنياهو. وقد ترك رئيس الحكومة نفسه لهداس ان يجري الى الأمام ولم يطلع على خفايا الاشياء إلا قُبيل المرحلة الاخيرة، قبل نهاية كانون الاول.

في هذه المرحلة كان الفرق بين الطرفين ضئيلا جدا (15 – 20 إسما)، بل وجدت دولة في الخليج الفارسي تكون مستعدة لاستيعاب عدد من المفرج عنهم اتُفق على ألا يُطلقوا "الى داخل الميدان".

آنذاك صد نتنياهو عما عُرض عليه من حجم تنازلات اسرائيل بل نشأ جدل حاد بينه وبين هداس. جمع نتنياهو المجلس الوزاري المصغر (حلقة السباعية) لنقاش ماراثوني أجاز فيه اقتراحا جديدا تماما أكثر تشددا من الذي صاغه كونراد وهداس وأمضاه بأكثرية ستة مقابل واحد (هو بني بيغن الذي يعارض أي دفع عن مخطوفين).

وكان آخر ذاك ان عاد حجاي هداس الى المنسق الالماني وقد نكل في واقع الامر عن الاتفاقات التي تم احرازها من قبل. وعرض موقفا أكثر تشددا من الصفقة، يشتمل على شروط اسرائيل الاخيرة وفي مقدمتها "تنظيف" القائمة من أكثر الاسماء الثقيلة. وأمر نتنياهو هداس بوقف التفاوض ورؤية الصفقة التي اقترحها شرطا نهائيا لن يكون بعده مصالحة اخرى.

قال لي آنذاك في مطلع 2010 عناصر المانيون كبار مقربون من القضية انهم خاب أملهم من نتنياهو وعبروا عن انتقاد شديد وزعموا ان هذا السلوك أدى بالتفاوض الى طريق بلا مخرج.

"كنا على ثقة من ان نتنياهو يستطيع إجازة الامر في المجلس الوزاري المصغر بسهولة. واعتقدنا ان له تأثيرا أكبر في الوزراء"، قالوا هناك في احاديث مغلقة. ويعتقد آخرون ان نتنياهو لم يستعمل تأثيره استعمالا كافيا بل ربما كان مهتما وراضيا، بسبب احتياجاته الداخلية، عن المعارضة التي أبداها الوزراء يعلون وبيغن وليبرمان.

اعتقدت هذه العناصر ان نتنياهو لم يكن معنيا آنذاك ألبتة بنجاح الصفقة خشية الافراج عن قتلة. ومن المهم ان نذكر ان الموقف الرسمي للاستخبارات الالمانية ما زال يتوقى جدا حتى اليوم كرامة رئيس الحكومة ويلقي التبعة عن فشل التفاوض على عدم قدرة حماس على تقديم أجوبة عن عدد من الاسئلة وهو ما أفضى الى تشدد نتنياهو في موقفه.

ومهما يكن الامر فان الصفقة الجديدة المتشددة، التي اقترحتها اسرائيل أفضت الى اعادة التفاوض الى بدئه، بقدر كبير. وعند تلك النقطة علق التفاوض مدة سنة.

بعد ذلك بزمن قصير كتبنا هنا، في تقرير من برلين ان "جلعاد شليط لن يُسرح قريبا ونشك ان ينضج المسار الحالي بوساطة الاستخبارات الالمانية ليصبح صفقة... وقد أفضت سلسلة عدم تفاهمات وادارة اشكالية من الطرف الاسرائيلي الى انهيار الصفقة".

رفضت الرقابة العسكرية آنذاك جزءا كبيرا من هذا الكلام. ومن المهم ان نذكر ان رئيس الموساد مئير دغان انضم الى معارضة رئيس "الشباك" ديسكن للصفقة في المخطط الذي عُرض آنذاك. يصعب ان نؤمن بأن رئيس الحكومة نتنياهو، حتى لو أيد الصفقة، كان ينجح في امضائها في الحكومة في مواجهة معارضة هذين المسؤولين الكبيرين.

قال دغان في احدى جلسات الحكومة ان الافراج عن 450 قاتلا الى مناطق يهودا والسامرة فيه احتمال ضرر غير عادي وزعم ان 231 اسرائيليا قتلهم مسرحون في صفقة تننباوم. وزعم ايضا ان الافراج عنهم سيقوي حماس ويضعف أبو مازن جدا. وهناك من يخمنون ان هذا واحد من الاسباب التي أفضت بنتنياهو الى التوقيع الآن خاصة بعد احداث ايلول، على الصفقة.

في كانون الثاني 2010 نقل كونراد باسم اسرائيل الى حماس تنازلات اخرى عن اقتراح نتنياهو "الاخير" ولا سيما ما يتعلق بالافراج عن نساء. لكن حماس رأت هذه التنازلات "تجميلية فقط" وظلت المنظمة على صمتها ولم يصدر عنها جواب نهائي عن الاقتراح.

2010 – بلا تقدم

أحدث انهيار التفاوض سلسلة ازمات اخرى، لا في اسرائيل وحدها. ففي داخل حماس تم اتهام محمود الزهار بأنه أصبح "غربيا" جدا، بسبب علاقاته الطيبة مع كونراد، وبأنه أدار الامور بصورة مختلة، باحداثه تفاؤلا مفرطا.

حينما كان يبدو ان الصفقة توشك ان توقع بدأ أسرى المنظمة يتلقون رسائل عن الافراج القريب عنهم وسُئل فريق منهم هل سيكونون مستعدين لأن يُطردوا الى الخارج. كل ذلك أحدث بالطبع توقعا وخيبة أمل غير صغيرين. ويوجد وزن كبير لعائلات الأسرى في حماس. ان ممثليهم الذين جاءوا كل يوم جمعة لزيارة الزهار وهنية، صبوا عليهما الغضب والدعاوى القاسية.

نُحي الزهار جانبا وسيطر ناس الجعبري سيطرة مطلقة على التفاوض وحينما تبين انه لا يمكن التوصل، في ذلك الوقت على الأقل الى صفقة بين الطرفين، استقر الرأي في الاستخبارات الالمانية على ألا ينهي كونراد عمله وان يتابعه بين فينة واخرى. وذلك بموازاة عمله الجديد في الاستخبارات الالمانية الذي يتولاه حتى اليوم – رئيس مقر العمل الشخصي لآرنست اورلاو، رئيس الـ بي.ان.دي.

وهكذا انقضى أكثر سنة 2010 من غير تقدم ما. في تشرين الاول فقط استقر رأي كونراد على ان يضغط ضغطا آخر. جاء الى غزة حيث تحدث محمود الزهار معه بالماح عن طموحه الى انهاء القضية واتمام صفقة. مع ذلك أكد الزهار ان رأي الجعبري في الشأن يؤثر في قيادة حماس أن لا تعطي جوابا ايجابيا عن الاقتراح الاسرائيلي "الاخير".

عبر الزهار على مسامع كونراد عن خيبة أمله لأنه قطع معه مسافة في التفاوض في السنة الماضية بل خسر الكثير من النقاط داخل حماس حينما أخذ بتوجه معتدل نسبيا، كي يحصل آخر الامر فقط على رفض نتنياهو.

والتقى كونراد في اسرائيل حجاي هداس وسمع منه ان رئيس الحكومة مصر على رأيه ألا يقترح أي مرونة في التفاوض وأن مخطط الصفقة الذي اقترح في كانون الثاني هو الاخير والنهائي.

في تشرين الثاني 2010 فقط بدأ مع كل ذلك تمهيد طريق صغير: فقد تلقى كونراد من اسرائيل اشارات الى مرونة ما اخرى يمكن ان يتم تطبيقها على كل ما يتعلق بالنساء والافراج عن أسرى من شرقي القدس.

بدأ يأتي الى المنطقة وأجرى جولة محادثات اخرى. وأصر كونراد الخبير بخيبات الأمل على ان يصوغ هذه المرة مخططا يقبله الطرف الاسرائيلي ويقدمه بصفة وحدة واحدة الى حماس. ونقل كونراد أسس المخطط المصوغ الى حماس وفسر الردود التي حصل عليها هناك بأنها ايجابية جدا. وقدر رئيس الاستخبارات المصري عمر سليمان ايضا إذ كان آنذاك الرجل الأقوى في مصر، انه يستطيع استعمال تأثيره في حماس لتقبل المخطط. هذه الرسالة، الايجابية جدا التي جاءت من كونراد ومن سليمان ومن تعقب اسرائيل الاستخباري لحماس، أفضت الى تفاؤل كبير في محيط رئيس الحكومة وبدأوا في وزارة العدل يُعدون مرة اخرى ملفات العفو التي ستُقدم للرئيس.

لكن كانت حماس هذه المرة هي التي قدمت جوابا سلبيا، بصورة رسمية. ولم يقنط كونراد وخلال شهري آذار ونيسان بدأ حملة ضغوط: على اسرائيل لتتنازل أكثر ولتصالح فيما عُرف بأنه "خطوط نتنياهو الحمراء" – الافراج عن شخص ما من القائمة السوداء للمسؤولين الكبار الخمسين، والافراج عن عرب اسرائيليين وطرد أكثر المفرج عنهم الى خارج يهودا والسامرة.

عاد حجاي هداس الى كونراد مع جواب سلبي مطلق. وهذا هو السبب الذي بسببه فوجئوا جدا في المانيا حينما عرفوا قبل اسبوع قبل وقت قصير من النشر العلني، بشروط الصفقة التي تمت.

بمساعدة فرنسا وتركيا

مقارنة بمخطط شباط وازاء رفض نيسان كان نتنياهو هو الذي قام بأكثر التنازلات هذه المرة، لا حماس. كان هناك في نيسان من اعتقدوا ان ضغوط كونراد مفرطة وسمع في اسرائيل كلاما شديدا عن أنه يلتزم موقفا يؤيد حماس. وابتلع كونراد الاهانة ولم يرد.

واستعمل مسار ضغوط ثان على حماس بواسطة عدد من الدول ذوات الوزن. فقد جند كونراد فرنسا (فشليط مواطن فرنسي) وتركيا للمساعدة في الجهود. بل انه حاول ان يجند دولة مهمة في الخليج لكنها رفضت المشاركة. وفي نطاق حملة الضغوط توجهت المانيا وعدد من زميلاتها في اوروبا الى ممثلي حماس وهي منظمة يهمها الاعتراف بها في العالم وفي دوائر دولية كتلك المتصلة بالامم المتحدة، بل اهتمت بنقل تهديد بالتعريض بأنه اذا لم تُنهي حماس قضية شليط في أسرع وقت فسيُبعد عنهم.

أحرزت جميع هذه الجهود النتيجة العكسية بالضبط. فقد كانت يد الجعبري في حماس هي العليا ونشر اعلانات من قبله لم ترفض مخطط شباط فقط بل اتهمت كونراد ايضا بأنه يخدم اسرائيل وبأنه ليس وسيطا نزيها.

يبين رجل استخبارات اسرائيلي رفيع المستوى قائلا "القيادة في دمشق حساسة بالضغوط الدولية، لكن الجعبري لا تهمه تركيا أو فرنسا. رأى كل ذلك مؤامرة صهيونية واستقر رأيه على طرح الوساطة الالمانية".

على خلفية الطريق المسدود المطلق الذي دُفع التفاوض اليه، استقر رأي الوسيط حجاي هداس على الاستقالة. وعلى شفا التوقيع على الصفقة في مصر أبلغه فريق شليط آخر ما جدّ. ورد هداس باستغراب وبغير قليل من خيبة الأمل وقال ان نتنياهو قال له في الامور المتفق عليها الآن بالضبط انه لن يهادن أبدا.

تولى العمل بدل هداس دافيد ميدان الذي كان في السابق رئيس "تيفل"، وهي شعبة العلاقات الخارجية التابعة للموساد والذي أعارته المنظمة لديوان رئيس الحكومة. ووجد دعامة مكسورة: فحماس لا تريد ان تسمع من الالمان، ومحمود الزهار ضعيف وقيادة حماس في دمشق – خالد مشعل ونائبه أبو مرزوق – غير مستعدين لمواجهة الجعبري.

"نحن عالقون وبين الطرفين وضع عدم ثقة مطلق"، أبلغ ميدان نتنياهو.

وآنذاك حدث غير المتوقع الذي أفضى الى الصفقة آخر الامر. فقد أُغرق هداس وبعد ذلك ميدان باقتراحات جهات مختلفة ونشطاء منظمات غير حكومية مختلفة من البلاد والعالم أرادوا المساعدة في الوساطة.

ليس هذا الوضع شاذا. فمتطوعون من قبل أنفسهم يقترحون مرات كثيرة خدمات في قضايا مختلفة. ويتبين في أكثر الحالات ان الاقتراحات "ضجيج" استخباري وهدر موارد. لكن يحدث شيء مختلف بين الفينة والاخرى.

وهذا ما حدث مع صفقة شليط. فقد جاء نشيط السلام الاسرائيلي غرشون باسكن للقاء مع ميدان الذي اعتقد في البدء انه واحد آخر من تلك الحالات التي سيتبين انها ضجيج لكن استقر رأيه على المحاولة. وقد زعم باسكن انه انشأ علاقة طويلة وعميقة تعتمد على الثقة بغازي حامد من حماس وانه يمكن بهذه العلاقة نقل رسائل الى الجعبري.

واستقر رأي ميدان على ان يجرب. نقل عدة رسائل في القناة الجديدة. وجندت جماعة الاستخبارات الاسرائيلية موارد كثيرة بينت ان قناة الاتصال ثقة ودقيقة: فالرسائل الى باسكن تُنقل بحرفيتها من ميدان الى حماس وهو لا "يجملها" وينقلها حامد نقلا دقيقا الى قيادة حماس.

بعد ان تبين ان القناة ثقة طلب ميدان الى باسكن ان ينقل الى حامد ان ينقل الى الجعبري ان اسرائيل مستعدة لبدء التفاوض من جديد. ولعدم التعقيد وعدم البدء من جديد، سيقوم الاتفاق على مخطط شباط 2011. فليتفضل السيد الجعبري وليقل ما الذي يريد أن يغيره في هذا المخطط، وهكذا سترى اسرائيل هل يوجد ما يُتحدث فيه. "وقُل لحامد ان يكتبوا شيئا ما منطقيا وإلا فلا داعي لكل هذا"، أضاف ميدان.

وثيقة جديدة ومفاجأة

مضى باسكن وعاد بعد اسبوع مع وثيقة مكتوبة. وفوجئوا في اسرائيل. فقد وافقت حماس على عدم بدء كل شيء من جديد، وكان الشذوذ عن مخطط شباط أقل تطرفا من المتوقع. كان يبدو انه يوجد ما يُتحدث فيه. وقال ميدان لنتنياهو: "هذه مطالب غير سهلة لكن يمكن بدء العمل".

من هذه النقطة طلب ميدان التحول الى تفاوض رسمي بين الطرفين يتم تحت مظلة دولة ثالثة. وخلص الى استنتاج ان اسرائيل تحتاج الى مصر أو تركيا. وفي النهاية وقع الاتفاق على مصر التي لم تتحمس لمشاركة تركية. وتابع الاتراك – وفاجأ هذا اسرائيل ايضا – المساعدة برغم القطيعة بين الدولتين ووافقوا على استقبال عدد من المطرودين.

تمت الجولة الاولى في القاهرة في منتصف ايلول الثاني. وتمت الجولة الثانية بين 4 – 6 تشرين الاول وتمت اللقاءات الاخيرة خلال الاسبوعين الاخيرين، حتى الاتفاق على الصفقة في الجلسة يوم الخميس قبل اسبوعين.

فاجأ المصريون اسرائيل بعدة صور، أولا فرحوا جدا للمبادرة وكانت علامات شعورهم بالاهانة لتنحيتهم قبل سنتين ملحوظة جيدا. وأرادت الاستخبارات المصرية بقيادة ورثة سليمان البرهان على انها تستطيع النجاح في المكان الذي فشل فيه الالمان. وأكثر من ذلك ان المصريين فاجأوا وأجروا جولات المحادثات في نظام الماني متشدد لم يكن معروفا في اسرائيل. قد يكون كونراد بقي في الخارج لكن الصورة الدقيقة لتسجيله وتوثيقه كل شيء، والمباحثات الطويلة والجهود الكبيرة مع انفاق ما لا يحصى من الوقت – كل ذلك أصبح تراثه في الشرق الاوسط.

في شهر أيار قدرنا هنا ان تبدل السلطة في مصر والتقارب بين مصر وحماس قد يفضيان الى شق طريق مهم في التفاوض في جلعاد شليط. فحماس تريد علاقات طيبة بالمصريين ولا سيما ازاء ضعضعة النظام في سوريا الذي قد يفضي الى ان تُطرد من الدولة. وكذلك لم تعد الجبهة الخلفية الايرانية تبدو موثوقا بها مائة في المائة.

ضغط مصري ثقيل

لكن المصريين فاجأوا في نقطة اخرى. فهم لم يضغطوا على حماس ولم يستغلوا تأثيرهم في قادتها فحسب بل استعملوا ضغوطا بعضها عنيف، من اجل المصالحة في نقاط الاختلاف المركزية. وقد وجدت اسرائيل لواحدة منها حلا ممتازا من جهتها: فقد تبين انه يمكن الافراج عن عرب اسرائيليين طاعنين في السن جدا، بصورة ترضي حماس. ويكون هذا في ظاهر الامر خرقا لخط احمر بالنسبة لنتنياهو لكنه لا يكون في الحقيقة خطرا أمنيا.

وفي مقابل هذا بُدل رئيسا الموساد و"الشباك" دغان وديسكن اللذان عارضا الصفقة وحل محلهما تمير بردو ويورام كوهين اللذان وافقا على الصفقة. بل ان كوهين كان مشاركا في صوغها في المرحلة الاخيرة من التفاوض في القاهرة.

هل الفروق بين الصفقة التي عارضها ديسكن ودغان وتلك التي أجازها كوهين وبردو كبيرة بقدر كاف لتسويغ تغيير الموقف؟ وكم من القدرة لرئيس جديد، مدين بتعيينه لنتنياهو، على ان يواجه رئيس حكومة حازما اتخذ "قرارا قياديا"؟.

يتعلق ذلك بمن تسألون. بل انه في جلسة الحكومة التي اجازت الصفقة نشأت مواجهة شديدة طلب فيها الوزير لنداو من هذين الرئيسين الجديدين ألا يُبديا رأيهما بل أن يُدليا بالحقائق فقط. ورد كلاهما بشدة وأيدا رئيس الحكومة. والشيء المتيقن منه انه لو عارض بردو وكوهين لما نجح نتنياهو في اجازتها بأكثرية ساحقة، ويُشك في انه كان يحاول اجازتها أصلا.

مهما يكن الامر فان أبطال الساعة هم الوسطاء المصريون الذين برهنوا على مثابرة منقطعة النظير وكانوا مثالا، بلغة الوسيط ميدان في أحاديث مغلقة على ان "التعب هو تدليل".