خبر مقدمات وخلفيات عملية التبادل الأخيرة.. علي بدوان

الساعة 12:35 م|19 أكتوبر 2011

مقدمات وخلفيات عملية التبادل الأخيرة.. علي بدوان

أعطت حركة واضرابات الأسرى الأخيرة، ومعركة الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال «الإسرائيلي» قطوفها اليانعة الأولى عبر عملية التبادل الأخيرة التي تم التوصل اليها بعد جهود مضنية مساء الثلاثاء الواقع في الحادي عشر من أكتوبر 2011 الجاري، وشارك في انجازها عدة أطراف اقليمية، بعد سنوات من الأخذ والرد ومن المماطلة «الإسرائيلية». وجاء الاعلان عنها من دمشق عبر الهواء مباشرة في لفتة واضحة وذات معنى من قبل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.

في مقدمات عملية التبادل

من نافل القول، إن عملية التبادل لم تكن بعيدة البتة عن ماجرى ويجري داخل سجون الاحتلال من اعتمالات وتفاعلات واسعة لحركة الأسرى الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاويةفي وجه الجلادين الصهاينة. كما لم تكن بعيدة عن حملات تضامن فلسطينية وعربية واسعة تمت معهم خلال الفترات الأخيرة.

فقيادات وكوادر السجون من الأسرى كانت على تواصل تام مع مايجري حيال مفاوضات عملية التبادل، حين أعطوا ضوءاً أخضر من داخل السجون بالموافقة على عملية التبادل وفق الصيغة التي انتهت اليها، وكان من بين من أيد النتائج التي تم التوصل اليها كل من أحمد سعدات ومروان البرغوثي بالرغم من استبعادهم من عملية التبادل لصالح تحرير عدد أكبر من أصحاب المؤبدات (أو ماتسميهم إسرائيل بالملطخة أيديهم بالدماء اليهودية).

وعليه، فقد شكّلت الحركة الضاغطة للأسرى الفلسطينيين، واضرابهم الشامل الأخير في السجون والمعتقلات «الإسرائيلية» على امتداد أرض فلسطين التاريخية، عامل تسريع هام في التوصل إلى النتائج التي أفضى اليها اتفاق التبادل، والذي قضى بتحرير (1027) أسيراً وأسيرة من سجون الاحتلال مقابل الافراج عن الجندي «الإسرائيلي» الفرنسي المزدوج الجنسية جلعاد شاليت.

لقد بدأت عملية التفاوض بشأن التوصل إلى عملية التبادل منذ سنوات، وشارك في بدايتها عن حركة حماس ستة من كبار قادتها السياسيين وعسكري واحد، لكن حماس قلصت عدد المفاوضين في العام 2009 إلى أربعة أشخاص، هم موسى أبو مرزوق وأسامة حمدان ومحمود الزهار وأحمد الجعبري (القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام). الا أن تلك المفاوضات لم تثمر بسبب من اصرار «إسرائيل» على رفض اطلاق العدد المطلوب من أصحاب الأحكام العالية (المؤبدات) اضافة للدور السلبي للواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية السابق الذي أراد تمرير العملية بأي ثمن كان وهو مارفضته حركة حماس على الدوام.

ففي فبراير2009 جاء المسؤول الأمني «الإسرائيلي» ديسكن إلى القاهرة ليبلغ موافقة «الإسرائيليون» على الافراج عن (325) فقط أسيراً من القائمة التي كانت قد قدمتها حركة حماس في حينها بواسطة الطرف المصري والوسيط الألماني، فيما تم رفض قبول اطلاق الـ (125) الباقين من القائمة ذاتها، مما دفع حركة حماس لتقديم قائمة بديلة، وافقت عليها سلطات الاحتلال الا أنها اشترطت ابعاد (125) من الأسماء الواردة فيها إلى خارج فلسطين مما أدى لانسداد وايقاف العملية التفاوضية.

في هذا السياق، فإن الدور المصري في ذلك الوقت لم يكن ليساعد على تحسين مستوى عملية التبادل لصالح الطرف الفلسطيني، بل كلن موقفاً سلبياً حتى بلغ درجة غير مسبوقة في الاسفاف، وهو ما حدا به في وقت من أوقات التفاوض باللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية السابق لابلاغ «الإسرائيليين»بالمرونة قائلاً لهم «أنتم تهيمنون عليهم بصورة قوية جداً في الضفة الغربية، فاذا عاد شخص ما من هؤلاء الارهابيين للعمل فلن تكون لكم أي مشكلة في القضاء عليه».

ولكن، ومع حدوث تطورات محسوسة وملموسة في المواقف المصرية تجاه العلاقة مع «إسرائيل» فقد بدأت مرحلة جديدة من التفاوض تختلف عن سابقتها شكلاً ومضموناً. وبالفعل بدأت الوساطة المصرية منفردة في الثالث من مارس العام الجاري 2011 بروح مختلفة تماماً عن الوساطة السابقة التي بدأت مع اللحظات الأولى لأسر جلعاد شاليت.

ومنذ يوليو 2011 الماضي عقدت ست جولات تفاوضية غير مباشرة في القاهرة برعاية الطرق المصري هذه المرة دون غيره المبعوث الخاص لرئيس الحكومة الإسرائيلية دافيد ميدان في غرفة، ورئيس الذراع العسكري لحركة حماس أحمد الجعبري في غرفة أخرى، يتوسطهما المصريون، بعدما استبعدت حركة حماس الوسيط الألماني المعروف غيرهارد كونراد هائياً في 21 كانون الأول عام 2010 وذلك بعدما حاول تمرير صفقة على حسابها (الذي لعب دوراً في ترتيب عمليات التبادل التي تمت بين حزب الله اللبناني وإسرائيل).

ليست الأولى من نوعها

وبالطبع، فإن عملية التبادل لم تكن الأولى من نوعاها ولن تكون الأخيرة، ولم تشكل الطموح الكامل والتام لمختلف الأطراف الفلسطينية المعنية ولعموم الشعب الفلسطيني، لكنها لبت أكثر من (90%) من مطالب وشروط حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، وقد فتحت الطريق مرة ثانية أمام استكمال عملية تحرير باقي الأسرى الفلسطينيين والعرب عبر القيام بعمليات أسر لجنود الاحتلال ومبادلتهم.

ومع أن الصفقة/أو بشكل أدق عملية التبادل لم تكن الأولى في تاريخ المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، فقد سبقتها عمليات تبادل سابقة لعل من أهمها كانت عملية التبادل (التي سميت بعملية النورس) التي جرت عام 1979 بين الجبهة الشعبية/القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل وحكومة مناحيم بيغن آنذاك، وعمليتي التبادل التي تلت عملية النورس (عملية تحرير أسرى معتقلأنصار أواخر عام 1983، وعملية الجليل عام 1985) الا أن العملية الأخيرة تمثل في حقيقتها العملية التبادلية الأهم في سياق ظروف ومعطيات الزمان والمكان، وتحديداً مع مرحلة الانكسار وحالة الركود والعجز العربي عن فعل شيء ما تجاه مايجري داخل فلسطين.

ان عملية التبادل شملت أسماء لأسرى من العيار الثقيل وفق المحكوميات «الإسرائيلية» التي ألحقت وألصقت بهم وعددهم (315) أسير من ذوي المؤبدات ومن الذين قضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال، وجميع الأسيرات وعددهم (27) أسيرة، ومنهم الأسيرة أحلام التميمي التي حكمت عليها سلطات الاحتلال (17) مؤبدا، ودونت «المحكمة الإسرائيلية» العليا على ملفها عبارة ( خطرة جدا، لا يسمح بالافراج عنها في أي صفقة تبادل مقبلة) وكان ضابط السجن الصهيوني يحاول بين فترة وأخرى قهرها، (ويقول لها: أحلام أنت ستموتين هنا ولا أمل بالافراج عنك، سوف تتعفنين هنا، وهي ترد عليه بكل ثقة واطمئنان وايمان بالله وتقول : سأخرج رغما عنك).

ان عدم شمول بعض كبار المقاومين والمناضلين الفلسطينيين (يسميهم البعض أمراء المقاومة) كأحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومروان البرغوثي مسؤول حركة فتح في الضفة الغربية، وابراهيم حامد وعبد الله البرغوثي وعباس السيد وجمال أبو الهيجاء وآخرين من قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، لاينتقص من أهمية عملية التبادل التي تمت في نهايتها بموافقة هؤلاء القادة الذين أرسلوا موافقتهم عليها، فكان اتفاق التبادل في مكتسباته الهامة كسراً للمعايير «الإسرائيلية» التي كانت تستبعد اطلاق ما تسميهم دولة الاحتلال بمن «لطخت أياديهم بدماء الإسرائيليين»، اضافة لنوعيتها باطلاق أسرى محكوم عليهم بمؤبدات وأحكام عالية، وشملت كل الفصائل والمناطق الجغرافية في فلسطين بما في ذلك فلسطين المحتلة عام 1948. فعدم الافراج عن قادة سياسيين أو عسكريين كبار لا يقلل من انجاز عملية التبادل.

خلفيات القبول الإسرائيلي بعملية التبادل

ورب سائل يسأل عن خلفية القبول «الإسرائيلي» بالصيغة الأخيرة لاتفاق التبادل بعد رفض مزمن طوال السنوات الخمس الماضية، وبعد تعنت شديد رافق جولات التفاوض، وحركة الوسيط الألماني بين القاهرة ودمشق وتل أبيب..؟ وللاجابة على ذلك، نقول أن خلفية الموقف «الإسرائيلي» تكمن وراء عدة أسباب:

كان أولها، أنالطريق العسكري المسدود لاطلاق سراح جلعاد شاليت أو حتى تحديد المكان الموجود به في قطاع غزة (كما كانت يأمل الطرف الإسرائيلي) دفع القيادة السياسية في تل أبيب لاعادة التفكير بخيارها اياه، وقد أيدها في ذلكقادة جهازي الشاباك والموساد الاستخباريين بينهم رئيس الشاباك الجديد يورام كوهين، يليه وزير الأمن ايهود باراك، ورئيس أركان الجيش بيني غنتس، ورئيس الموساد تمير باردو.فالمقاومة الفلسطينية، استطاعت ولمدة خمسة أعوام وفي منطقة جغرافية ضيقة وذات كثافة سكانية عالية، وبإمكانات متواضعة، تمكنت من الاحتفاظ بالأسير «الإسرائيلي» جلعاد شاليت في المكان المحدد، رغم الأعين والطائرات «الإسرائيلية» التي لم تفارق سماء القطاع منذ حينه، وبالرغم من التكنولوجيا الصهيونية والأميركية، والعدوان الذي شن على غزة نهاية عام 2008 ولمدة ثلاثة أسابيع. وعليه فإن رئيس أركان جيش الاحتلال ورئيس الشاباك أعلنا مؤخرا بشكل قاطع أنهما لا يستطيعان تقديم خطة عملانية عملية تتيح اطلاق سراح شاليت على قيد الحياة. كما علم أنهما مع تسلمهما لمنصبيهما أجريا فحصا مجددا وجذريا للامكانات العملانية لاطلاق سراح شاليت، وتوصلا إلى نتيجة مفادها أن الطريقة الوحيدة هي صفقة تبادل أسرى.

وكان ثانيها، أن القيادة السياسية «الإسرائيلية» قرأت بتمعن مجموعة التحولات التي جرت في مصر، حيث لاح أفق مختلف عن الأفق الذي دارت في أجوائه المفاوضات السابقة برعاية اللواء عمر سليمان، وقد تبين لحكومة نتانياهو أن مصير المفاوضات بيد السلطات العسكرية في مصر، وأن السلطات العسكرية الحالية لن تقبل بالدور السابق الذي لعبه اللواء عمر سليمان.

وكان ثالثها، أن نتانياهو الذي يعيش أزماته الداخلية مع التململات الاجتماعية في «إسرائيل» وبعد خطابه الهزيل في الأمم المتحدة، أراد صفقة لاخراج شاليت كي تعيد له التوازن، فهو يريد حضور نتانياهو «البراغماتي لا الأيديولوجي» لدى «الإسرائيليين» الذين أيدوه بمعظمهم بصفقة التبادل كما بينت الاستطلاعات الفورية السريعة التي جرت في تل أبيب، مطبقاً مقولة اسحق رابين «اذا لم تكن هناك امكانية لعملية عسكرية لاطلاق سراح أسرى إسرائيليين، فانه يجب القيام بذلك بواسطة صفقة تبادل أسرى» مهما كانت صعبة. وعليه، صادقت حكومة «إسرائيل» على عملية التبادل (ستة وعشرون وزيراً مع، مقابل ثلاثة وزراء ضد).

وبكل الحالات، ان عملية تبادل الأسرى خطوة مهمة وانجاز كبير للشعب الفلسطيني بالمعنى السياسي والوطني والانساني، وتفتح الطريق أمام الاسراع بانجاز وتطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم توقيعه في القاهرة في مايو الماضي. كما تفتح الطريق أمام استمرار الجهد الفلسطيني وبكل الوسائل المتاحة لتحرير باقي الأسرى الفلسطينيين والعرب من سجون وباستيلات وزنازين الاحتلال.