خبر توكل كرمان.. بلقيس العرب .. أيمن خالد

الساعة 08:03 ص|13 أكتوبر 2011

توكل كرمان.. بلقيس العرب .. أيمن خالد

بلقيس أدخلت اليمن إلى تاريخ البشرية، وبلقيس الجديدة، هي توكل كرمان، التي لا تنقل اليمن فحسب، لتضعه في سجل التاريخ البشري، ولكنها أيضاً تسجل صفحة مهمة، للمرأة العربية، وللثقافة العربية، والقيم، والأخلاق، وشهامة المجتمع اليمني العربي، الذي وضع في صدارته مثل هذه النساء، وهي أيضا تكريم لمجتمع الرجل في اليمن وغير اليمن، لأن هذا المجتمع فتح الطريق لمثل هذه النساء، لتأخذ دوراً قيادياً في الحياة الاجتماعية والسياسية.

بلقيس العرب التي أهدت جائزتها فوراً وبدون انتظار وتريث إلى الثورات العربية، هي كانت بلقيس، وكانت عربية بامتياز، لأن هذه الجائزة فعلاً كانت بلا شك، إقرار العالم، بأن الربيع العربي هو حق لا مجال لتجاوزه، ولا مجال سوى الاعتراف به، والقبول بنتائجه.

فالربيع العربي، بكل ألوانه، شكل بحدود كبيرة، خسارة لدول غربية عديدة، في مختلف مجالات السياسية والاقتصاد وغيره، في أنظمة مستبدة، ظلت تعمل على تدمير مقدرات البلاد، وسرقة الأموال وإنفاقها أو إيداعها في البنوك الغربية، التي ظلت تنعم بمال العرب المسروق ولا تزال، ومسألة اعتراف المنظمات غير الحكومية بنتائجه، ووصوله إلى هذه الشهادة العالمية، هو اختراق عربي في صميم جدار الصمت، الذي ظل طويلا يعزل العرب عن الحضور بمكانتهم الحقيقية في وسائل الإعلام الغربية.

العلامة الأبرز، والفارقة الأهم، أن الثورات العربية أعادت صناعة صورة العربي في ذهن الشعوب الغربية، وهي المعادلة المهمة، التي بقينا لعقود طويلة نعجز عن حلها، وكنا دائما أمام فجوة كبيرة، من انحياز العالم الغربي برمته وتعامله مع العرب بصورة لا تليق بهم، وبصورة ظلت الحواجز كبيرة بين الشعوب ذاتها، ولم نستطع تفادي ما نحن به ، ولا حتى تمكنا من الذود عن أنفسنا، وما قطعنا غير أشواط كبيرة في استحضار السياح الذين يعبرون بلادنا، وينظرون إلى ما تبقى من اثر الحضارات التي مرت عليها فحسب، وكأننا في عرف السياحة خدم المعابد القديمة الجدد.

باختصار، بتنا اليوم الأمة التي لديها غير الكهوف والحجارة وبقايا التاريخ المنقوش على الجدران، فهي الأمة التي بتعدد ثوراتها، إنما أرست وحدتها، وبسلمية نضالها، أنتجت رؤيتها الخاصة في السياسة. وإذا كان لنا أن نتهم ثوراتنا العربية بالقصور، فهو أمر ممكن بالمجمل، غير أن التفاصيل تفيد غير هذا، فالإنجاز على المستوى الثقافي هو اكبر وأجلّ من أن يشار إليه بأصبع، ومهما تكن بعض الكبوات، وتأخر الركب في بعضه، فالأفق البعيد، يعيد رسم العرب أمة تملك ما هو غير المواد الخام، وكما قيل إن لديها ما تستطيع تصديره غير النفط، فما لدى الأمة، هو الكامن عبر ألف سنة، من وعي وأصالة وفهم في الخطاب.

ربما الآن نفهم لماذا بقي بلال الحبشي وقتا من الزمن يجلد على رمال مكة الحارة من اجل أن يختار بمالا يرضى به، وربما الآن ندرك أن موت 'سمية و ياسر' وهما يقولان احد احد، ولعلنا تساءلنا ما فعل صوت بلال الحبشي، وهو فوق الرمضاء.

هناك شكلت هذه الأمة نقطة البدء في حضارة أضاءت واستمرت، ولعله الصوت العربي الذي لا يميز بين عرق وطائفة ولون ومذهب، لكنه صوتنا نحن تلك الأمة الوسط، التي تقع بوسط الدنيا، وتفكيرها وعقلها امة وسطا، لا تميل كل الميل ولا تبقي أمورها معلقة كشأن الحكام الذين افترسوا هذه الأمة عمرا، ولا يزالون يحاولون الموت من اجل البقاء على ما هم عليه، لأنهم نظروا كما نظر فرعون فوجد نفسه فوق الأمة التي يحكمها، فاستغرب، واستهجن معه خدمه من الحكماء والجلادين، فهل يمكن أن يكون حاكما غير فرعون، وهو تماماً استهجان حكامنا ومن معهم، فما يراه فرعون لا يراه الناس، ومن يرى بعين الحاكم مهما كان علمه، أو عقله، أو كرسي السياسة أو غيره، لا يرى غير الحاكم فقط.

عموما: أعين الحكام لا ترى غير العبيد، وإذا كانت توكل كرمان قد سجلت اسمها في تاريخ يصعب طيه، أو تجاهله، فعلى العرب أن يكرّموا بلقيس العرب، التي تستطيع بعض وسائل الإعلام أن تحاول أن تشكك ما تشاء عن جائزتها، لكنها بنظرنا، بلقيس، فمن يجرؤ على مسح اسم بلقيس.

 

' كاتب فلسطيني