خبر بدون فزع- معاريف

الساعة 11:53 ص|07 أكتوبر 2011

بدون فزع- معاريف

بقلم: عوفر شيلح

لماذا جاء وزير الخارجية الامريكي ليئون بنيتا الذي كان قبل اسبوعين فقط التقى وزير الدفاع ايهود باراك في واشنطن، لزيارة عاجلة الى اسرائيل هذا الاسبوع؟ ما الذي نسي باراك قوله لمضيفه في اللقاء السابق أو ما كان هاما جدا لبنيتا التشديد عليه امامه، لدرجة ان يكلف نفسه عناء الصعود الى الطائرة؟ لماذا يوجد من يهمس للصحفيين بانه يجب الانتباه، شيء ما يحصل هنا، ويذكر بان مثل هذا المستوى من الالحاح لا يوجد الا لموضوع امني واحد؟ ولماذا كلف بنيتا نفسه عناء التشديد في المؤتمر الصحفي المشترك مع باراك على أن الدول "يجب ان تعمل معا" كي تمنع ايران من التحول الى خطر على المنطقة؟

ليس هذه الاسئلة، ولن يكون بالطبع، أي جواب مباشر من جهة اسرائيلية، لا للاقتباس ولا بشكل عام. وعندما لا تكون هناك أجوبة، فكل شيء يعد كتلميح، حتى الخطاب المخطط مسبقا لمن بات يوجد خارج الجهاز. يوم الاثنين من هذا الاسبوع حطم رئيس الموساد السابق مئير دغان الصمت الذي ضربه على نفسه منذ عاصفة التصريحات ضد الهجوم العسكري في ايران، والتي رافقت نهاية ولايته. وعاد دغان مرة اخرى ليكرر رؤيته: الايرانيون ليسوا بعد في نقطة اللاعودة، وهجوم عسكري هو الخيار الاسوأ، والهستيريا التي تثيرها القيادة الفلسطينية تضر فقط بالمساعي لمنع طهران من الوصول الى القنبلة.

ما لم يهدىء روع المواطن القلق. دغان اكتوى غير قليل من ردود الفعل على اقواله في كانون الثاني. وكان هناك من سمعوه يقول انه لم يقصد ذلك وان كان من سمعه استمع الى نظرية مرتبة جدا، لم تطلق بالصدفة. واذا كان يعود ليخرج من فوق الماء فلربما يعرف شيئا لا نعرفه؟ أم ربما حان من ناحيته مرة اخرى الوقت لالقاء كامل وزنه كي يمنع الثنائي نتنياهو وباراك من عمل شيء ما يعد في نظره بكاءا للاجيال؟

بين كانون الثاني والان حصل شيء كبير في الشرق الاوسط. التغيير الحاد في العالم العربي يغير ايضا المقاييس التي بموجبها يجب فحص عملية عسكرية ضد ايران. لا يشبه رد فعل مصر برئاسة مبارك على مثل هذا الهجوم، ردا الفعل المحتمل لمصر التي سيكون فيها للاخوان المسلمين قوة ذات معزى (وان لم تكن اغلبية على ما يبدو) في البرلمان. ليس واضحا ما الذي ستحدثه العملية في ايران من اصداء، وهي الكفيلة باحتمالية عالية ان تشعل مواجهة اقليمية، بالتأثير على الانظمة المترنحة مثل دمشق او السعودية، التي نجحت حتى الان في الامتناع عن الانجراف في التيار، ولكن عندها ايضا توجد مؤشرات الاضطراب.

واضح أن المواقف التقليدية تحتاج الى مراجعة، وليس فقط حسب دورة أجهزة الطرد المركزي في نتناز. القرار بالوصول الى سلاح نووي لم يتخذ بعد في عقل الرجل الوحيد الذي يقرر، الزعيم الروحي خمينئي. ومثلما يفحص التغييرات الهائلة التي وقعت حوله، فان من يكون مطالبا في أن يقرر منع هذا عنه بعملية عسكرية اسرائيلية ينبغي له أن يفعل ذلك أيضا.

الحرب السرية مستمرة كل يوم. وهي تحظى عندنا بعناوين رئيسة عندما تصدر أنباء عن تصفية عالم ذرة او عن فيروس حاسوب غريب، يعزى دوما للموساد. ولكن الوجه الاقل اثارة لهذه الحرب، تلك التي لا تقف في جبهتها اسرائيل بالذات، قد يكون هو الاكثر نجاعة منها جميعا: الحرب الاقتصادية. ادارة اوباما، التي حسب كل المعلومات التي لدينا تفعل كل شيء كي تمنع اسرائيل من عملية عسكرية، ملزمة حسب ذاك المنطق بالعمل بتصميم لمنع المشروع النووي لطهران بأساليب بديلة. ومن يقدم للولايات المتحدة وللغرب بشكل عام المعلومات، والذي يساعد في اغلاق أنابيب الاكسجين للمشروع وتصعيد الثمن الذي تدفعه ايران على اصرارها، يفعل الكثير كي يبعد اليوم الذي تكون فيه القنبلة الايرانية وربما يبعد اليوم الذي تكون فيه القنبلة الاسرائيلية. ولهذا فقد قال ذات مرة رجل استخبارات قديم بان من ناحيته الانجاز في احباط النووي الايراني لن يكون سحابة دخان فوق مشروع أجهزة الطرد المركزي في نتناز، بل صورة تنشر في صحيفة أمريكية، وتحرك العالم للعمل.

مسألة وقت

في ايلول سافر الناطق بلسان وزارة المالية الامريكية رودجر كوهن الى أنقرة وعلى لسانه رسالة حازمة: علاقات البنوك التركية مع ايران تخرب مساعي الولايات المتحدة لخلق ثمن حقيقي تدفعه ايران لقاء رفضها. رئيس لجنة الخارجية والامن في البرلمان التركي، ولكان بوزكير، رغم رده الحاد على تحذير كوهن وقوله ان الايام التي كانت فيها الولايات المتحدة يمكنها أن تعمل خارج تفويض الامم المتحدة مرت دون عودة، الا ان للامريكيين يوجد سلاح خاص بهم: فقد هددوا بالعمل ضد البنوك التركية التي لها نشاط في الولايات المتحدة بل وتقديمها الى المحاكمة. وحسب مصادر تركية، فان بنك واحد على الاقل يوجد تحت طائلة مثل هذا التحقيق.

الاقتصاد الايراني في مشكلة، رغم ارتفاع اسعار النفط. وهذا العام لن يكون في طهران نمو على الاطلاق، والبطالة المعلنة ستتجاوز خط العشرين في المائة (البطالة الحقيقية، ولا سيما في أوساط الشباب، أعلى بكثير). ودول مثل الصين واليابان، امتنعت في الماضي عن الانضمام بكل قوتها الى العقوبات، تهجر صفقات مع الايرانيين. وفي الاسرة الدولية تعقد مداولات حول البنك المركزي الايراني والمس به سيكون ضربة قاسية للاستقرار المالي في الدولة. في اسرائيل وفي الغرب يشعرون بان تحت السطح، رغم القمع العنيف للاحتجاج في السنوات الاخيرة، تنشأ شروخ في نظام آيات الله. وبنيتا نفسه قال في ايلول ان "الثورة في ايران هي مسألة وقت". يحتمل الا يكون كل هذا غير تمنيات، ربط طبيعي للمعطيات المعروفة مع الاحساس بانه لن يكون ممكنا، حتى بعنف عصابات البسيج، كبح اماني الشباب المثقفين والمتصلين في ايران في التغيير. ولكن اذا كان هذا هو التقدير في واشنطن فانه لا بد وجد تعبيره في ما يسمعه القادة في القدس.

حسب المعلومات، لم تطرأ تغييرات في علاقات القوى داخل الثمانية وفي المجلس الوزاري، حيث يفترض أن يجلب نتنياهو وباراك القرار بعملية عسكرية. أناس ذوو وزن في الغرفة وخارجها، من بوغي يعلون ودان مريدور وحتى شاؤول موفاز، يعارضون بشكل قاطع مثل هذه العملية وهذه المعارضة تعززت فقط في ضوء أحداث الاشهر الاخيرة. يحتمل أن تكون كل الحراكات التي نشعر بها تنبع بقدر أكبر من الصراعات حول الصورة داخل القيادة الاسرائيلية، من رغبة أحد ما في أن يتخذ صورة الفاعل وربما احد ما آخر في ان يتخذ صورة من أوقف بجسده خطوة خطيرة. ولكن بنيتا بالفعل كان هنا، وبالفعل قال ما قال. نائب الرئيس السابق ريتشارد تشيني، ذات الرجل الذي دفع اسرائيل بالقوة تقريبا نحو مواجهة واسعة مع سوريا في حرب لبنان الثانية – بالفعل قدر بان اسرائيل كفيلة بان تهاجم وحدها.

شيء ما يحصل، مشكوك ان نعرف ماذا. الا اذا استيقظنا ذات يوم ويتبين لنا ان الطائرات أقلعت.

ماذا ستقول ألمانيا؟

كيف ينجح هذا العزف في ان يتكرر المرة تلو الاخرى؟ مرة اخرى قرار عادي ظاهرا عن بناء في القدس خلف الخط الاخضر، يثير غضبا هائلا لحليف؛ مرة اخرى نفي من مكتب رئيس الوزراء لمجرد التوتر وبعد ذلك عندما لا يكون ممكنا الاخفاء اكثر لهذا التوتر، يأتي شرح بموجبه قيادة دنيا - لجنة لوائية، وزير الداخلية – يمكن أن تتخذ قرارا مستقلا فيما لا يكون رئيس الوزراء مشاركا. ومرة اخرى، للمرة التي لا يمكن لنا ان نعرف كم عددها، خسارة اخرى في الحرب الاهم لاسرائيل، الحرب على شرعية أعمالها والعلاقات معها، والتي تتراجع فيها الى الوراء أكثر مما ينبغي كل يوم.

على مدى الاشهر التي سبقت رفع الطلب الفلسطيني لنيل مكانة دولة في الامم المتحدة، كرر كل مسؤول ذات العبارة: لا يوجد ما يمكن عمله امام الاغلبية التلقائية في الجمعية العمومية للامم المتحدة، ولكن مهم من لا يكون فيها. مواقف الدول المركزية في اوروبا، تلك التي سيجد وزنها الدولي تعبيره لاحقا ايضا، حرج بالنسبة لقدرة اسرائيل على العمل. في اوروبا اليوم، التي تجثم تحت أزمة اقتصادية غير مسبوقة، توجد دولتان "مركزيتان": فرنسا وبعيدا فوقها ألمانيا.

ميركل سبق أن انتقدت نتنياهو أكثر من مرة واحدة، بما في ذلك التوبيخات المباشرة في المكالمات الهاتفية. على المستوى الدبلوماسي، كان لها دول كبير في صد الاقتراح الفلسطيني، وهو صد بعيد عن أن يكون نهائيا رغم هتافات النصر في القدس. "ماذا تقول ألمانيا؟" كان ينبغي أن يكون السؤال الاول في النقاش على إقرار البناء، وهذا ليس سؤال وزير الداخلية او للجنة اللوائية. كل هذا صحيح على نحو خاص بالنسبة لمن اكتوى في قضية إقرار البناء في رمات شلومو في اثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن قبل سنة ونصف السنة.

والاسوأ هو أنه يوجد إحساس بان الذريعة الاسرائيلية هي الحقيقة. ومثلما في النقاش الذي اقر فيه البناء في رمات شلومو تمازح المشاركون حول "ماذا سيقول الامريكيون"، ولكن لم يلقَ أي وزن من فوق لمنع ما أصبح حرجا حقيقيا، هكذا يبدو أن إقرار البناء في غيلو تم هو الاخر في القنوات العادية – في زمن جد غير عادي. لمن يحاول فحص الامر عبر منشور اتخاذ القرارات في اسرائيل، يجد أن هذه حالة اخرى تذكر بالمهرج الذي ضرب قفى الملك وشرح قائلا: "ظننتها للملكة". الذريعة هذه المرة أيضا، أسوأ بكثير من الفعلة.