خبر دول بلا قرار ... أمجد عرار

الساعة 10:34 ص|05 أكتوبر 2011

يبدو أن القيادة الفلسطينية ما زالت تواجه مشكلة في تأمين الأصوات التسعة المطلوبة في مجلس الأمن لتمرير طلب العضوية في الأمم المتحدة، هذا في حال خلعت الولايات المتحدة ثوبها المألوف ولم تستخدم "الفيتو"، ويبدو أن احتمالات حدوث شيء كهذا تنخفض عن الصفر بإحدى وخمسين درجة، باعتبار أن "إسرائيل" هي الولاية الحادية والخمسين، مع أن البعض يعتبر أمريكا الولاية الثانية ل "إسرائيل".

لكن القيادة الفلسطينية لم تسلّم بهذه المعطيات وهي تحاول بقدر استطاعتها المتواضعة أن تقنع بعض الدول المترددة بالتصويت ليس إلى جانب دولة فلسطينية، بل لكي تصوّت إلى جانب بعض من الحق وجزء من العدالة، وبالتالي تكون هذه الدول قد عادت إلى نفسها، ولا سيما أنها مرّت بتجربة مريرة قبل أن تصبح دولاً، مثلما هو حال البوسنة والهرسك . الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتزم، زيارة كولومبيا في الحادي عشر من هذا الشهر، علّه يقنعها بأن تكون الصوت التاسع المرجّح لصالح الاعتراف حيث تشغل هذه الدولة اللاتينية مقعداً غير دائم. الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس أعلن بنفسه نبأ زيارة عباس، لكنه على ما يبدو لم يكن يقصد الإعلان عن الزيارة، بقدر ما تعمّد الإعلان لكي يستبق الزيارة بالموقف منها.

الرئيس الكولومبي ضَمن كلامه رسالتين، واحدة لعباس والعرب باعتبارهم معروفين بكرم الضيافة وارتفاع جرعة المجاملة، وهنا يقول لهم: أهلا بالرئيس الفلسطيني ضيفاً في بوغوتا، أما الرسالة الثانية فهي موجّهة ل "إسرائيل" والولايات المتحدة، باعتبار أنهما لا تفهمان في تقاليد المجاملة ومنطق “لاقيني ولا تغديني"، وهنا يقول لهما: كولومبيا لن تغيّر موقفها من خلال هذه الزيارة ولن تصوّت إلى جانب الاعتراف بالعضوية الفلسطينية إلا إذا جاءت باتفاق مع "إسرائيل"، أي إلا إذا تحوّلت "إسرائيل" إلى شيء آخر على غير طبيعتها التي لا تخفى على كولومبيا ولا حتى على كولومبوس لو كان حيّاً .

لو كنت في موقع يسمح لي بإزداء النصيحة للسيد عباس، لنصحته بأن يلغي هذه الزيارة لدولة تعلن مسبقاً أن الهدف منها لن يتحقق، وهي بالتالي تشبه توجه شخص إلى مقبرة لشراء الدواء.

الأمور الواضحة لا تحتاج إلى توضيح، والحق الفلسطيني لا يوازيه في الوضوح أو يتفوّق عليه إلا العدوانية والعنصرية "الإسرائيلية" والموقف الأمريكي ومن يلف لفّه من دول البحث عن إرضاء خاطر "إسرائيل" وأمريكا مقابل الفتات.

عباس نفسه قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه لا يمكن أن يصوّت ضد الدولة الفلسطينية إلا من لا يملك أدنى ذرّة من ضمير، ولا شك أن ممثّل كولومبيا الذي كان حاضراً سمع هذا الكلام، بل هو وغيره في قرارة النفس يدركونه قبل أن يسمعوه.

نعرف، ويعرف السيد عباس أن كولومبيا والمكسيك تشذّان عن العائلة اللاتينية وتعارضان طلب حصول دولة فلسطين على العضوية، ليس لأنهما يريدان أن تكون هذه الدولة ثمرة مفاوضات تشبه طحن الماء، بل لأنهما، ببساطة، تدوران في فلك أمريكا، لكن مبرراً كهذا لا أحد يمتلك الجرأة للاعتراف به، ولو حصلت هذه الجرأة لاحترمنا صاحبها أياً كان موقفه.

يبقى أن هذه الوقائع لا تلغي أهميّة الاستمرار الفلسطيني في هذا التحرّك التكتيكي الذي لن يأتي بالدولة أو الدويلة، لكنه لن يكون بلا فائدة، وأفضل نتائجه ستكون، "الفيتو" الأمريكي.