خبر المُصالَحةُ تحتاجُ إلى مُصارَحةٍ.. هاني المصري

الساعة 12:08 م|04 أكتوبر 2011

بعد خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة وخطاب الرئيس التاريخي تتوفر لدينا فرصة لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة.

لقد انحسرت موجة التفاؤل بسرعة بقرب تحقيق المصالحة التي وصلت ذروتها في خطاب الرئيس في الأمم المتحدة خلال حديثه عن أهميتها، وكرر ذلك أثناء وبعد عودته من نيويورك، مؤكداً عزمه على إجراء حوار معمق مع "حماس"، الأمر الذي لاقى ترحيباً من قيادات "حماس" في دمشق وغزة. وأيضاً في توجه اللجنة المركزية لحركة فتح حول ضرورة أن تشمل اللقاءات القادمة ما بين حركتي فتح و"حماس" الأفق السياسي وضرورة بلورة قواسم وطنية مشتركة، وهذا أمر في منتهى الأهمية، وبدونه لا يمكن إنهاء الانقسام وإنجاز وحدة وطنية حقيقية.

وانحسر التفاؤل كذلك بعد الإعلان عن تأجيل لقاء كان سيعقد في القاهرة أوائل الشهر الجاري إلى منتصفه، وسط نفي لتحديده أصلاً من صلاح البردويل أحد قادة "حماس".

ولم يقلل من موجة التشاؤم عقد لقاءين في الضفة لأنهما فسّرا بأن "فتح" تحاول تعميق الخلافات داخل "حماس" حول خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة. وكذلك لم يقلل خطاب مشعل المتوازن من موجة التشاؤم على الرغم من حديثه عن أن رفض أبو مازن للتهديدات الأميركية والإسرائيلية يحسب له لا عليه، بالترافق مع كيله ملاحظات كبيرة على التوجه والخطاب.

على الرغم من حرص الرئيس على المصالحة، إلا أنه لم يدفع حتى الآن إلى اختراق سريع في ملف المصالحة، ربما لأنه بانتظار حسم مسألة طلب العضوية التي قد تستغرق أسابيع وأشهر وربما أكثر، حتى لا يؤثر تطبيق المصالحة على فرص الاستجابة للطلب، والأهم على الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات.

وإذا عرفنا أن اللجنة الرباعية تفضل لأسباب مختلفة أن يتم تأجيل البت في الطلب لأطول وقت ممكن، لإعطاء الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات فرصة كافية حتى تنجح، ولتجنب المجابهة في مجلس الأمن التي يمكن أن تحدث في الحالتين: إذا استخدمت الولايات المتحدة الفيتو، أو إذا لم يحصل الطلب الفلسطيني على الأصوات الكافية.

حتى الفلسطينيين لن يكونوا في عجلة من أمرهم ما لم يتأكدوا من أن طلب العضوية الكاملة سيحصل على الأصوات الكافية وأكثر من ذلك، حتى تضطر الولايات المتحدة لاستخدام الفيتو، لأن عدم توفر الأصوات التسعة إهانة لفلسطين وإحراج وهزيمة للقيادة الفلسطينية، قد تدفعها إلى اتباع خيارات حاولت دائماً تجنبها، بما فيها احتمال استقالة الرئيس أو تقديم مفاتيح السلطة إلى نتنياهو حتى لا تبقى إلى الأبد حارسة للاحتلال، خصوصاً إذا تم تنفيذ العقوبات الأميركية والإسرائيلية، (وإن كان هذا الاحتمال غير مرجح).

وإذا كان الرئيس حقاً يفضل انتظار نتيجة تقديم الطلب إلى الأمم المتحدة، فإن "حماس" تفضل انتظار نتيجة الانتخابات المصرية وما يمكن أن تحمله من نتائج تضع الإخوان المسلمين حليفها الموثوق في موقع مرموق في مجلسي الشعب والوزراء المصريين القادمين، ما يحسن شروط "حماس" في المصالحة. وانتظار "حماس" هذا رهان خاسر، لأن مصر ستبقى في فترة انتقالية لفترة طويلة، ولا يعرف أحد مصير "حماس" في غزة بعدها، ولا يضمن أحد أن يكون الإخوان طرفاً فاعلاً في الوضع الجديد، وإذا كانوا كذلك فمن يضمن أنهم سيكونون بعد الحكم مثلما كانوا قبله.

كما أن حركة حماس، ترى أن المعروض عليها فعلا لا يمكن أن تقبله، وهو التنازل عن سيطرتها الانفرادية عن قطاع غزة وإعادتها إلى السلطة (التي تهيمن عليها منافستها الرئيسية حركة فتح)، دون ضمان مشاركتها الحقيقية في السلطة في الضفة والمنظمة، خصوصاً أنها تعرف أن مسألة مشاركتها في السلطة في الضفة لا تستطيع أن تحسم بها "فتح" وحدها حتى لو أرادت ذلك، وإنما تحسم بها إسرائيل التي تحتل الضفة الغربية بشكل كامل وتتصرف، غالباً، وكأن السلطة غير موجودة.

كما أن حركة فتح هي الأخرى مترددة في أن تشكل المصالحة مدخلا لشراكة حقيقية، لئلا تخسر قيادتها المنفردة للسلطة والمنظمة، وتغامر بخسارة الشرعية والدعم الدولي دون ضمانها تحقيق شيء في المقابل، لذلك آثرت "فتح" التعايش مع الانقسام والدعوة إلى حسمه من خلال إجراء انتخابات تُخرِج "حماس" من البوابة التي دخلت منها إلى السلطة، أي صناديق الاقتراع، لأنها تراهن على أن الحصار والعدوان الإسرائيلي ونموذج السلطة الذي أقامته "حماس" في غزة سينعكسان على شعبية "حماس" بما يفتح طريق خسارتها للانتخابات، ولهذا السبب وغيره "حماس" غير متحمسة لإجراء الانتخابات.

على الرغم مما سبق، لقد حققت حركتا فتح و"حماس" مكاسب من اتفاق المصالحة، لذلك هما تحرصان عليه، رغم أنهما لا تستعجلان تطبيقه حرصاً على هذه المكاسب وخوفا من العواقب، ولكنهما واقعتان تحت ضغوط سياسية وشعبية فلسطينية وعربية تحملهما المسؤولية عن وقوع واستمرار الانقسام، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من ضياع القضية، وإذا زادت هذه الضغوط لا مفر من الاستجابة لها.

لا بديل عن الشروع في حوار وطني شامل، تشارك فيه مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وليس الفصائل فقط، ولا "فتح" و"حماس" وحدهما. فالأرض والسلطة للجميع، والاحتلال يستهدف الجميع، والتضحيات يساهم فيها الجميع، والثمار يجب أن يقطفها الجميع، كل حسب وزنه ودوره وما يستحق. هذا الحوار يجب أن يستهدف التوصل إلى إستراتيجية وطنية موحدة بديلة عن إستراتيجية المفاوضات من أجل المفاوضات، والمقاومة من أجل المقاومة، اللتين وصلتا إلى طريق مسدود.هذه الإستراتيجية، لا تستبعد، بل تتضمن إجراء الانتخابات على كل المستويات والقطاعات، وهي تدرك أن وحدة الشعب الفلسطيني وقواه، والمؤشرات المتزايدة على إمكانية انهيار ما تبقى من اتفاق أوسلو، ونهاية مرحلة وبدء مرحلة جديدة، وكون فلسطين تحت الاحتلال، تجعل الأولوية لإستراتيجية التحرر الوطني وليس للانتخابات، إستراتيجية الصمود والمقاومة والمجابهة، لأن فلسطين تحت الاحتلال، والانتخابات على أهميتها لا تقود إلى تجسيد ديمقراطية حقيقية، كما لاحظنا بعد انتخابات 2006، بل هي، دون الاتفاق على قواسم مشتركة، كانت وستظل شكلاً من أشكال الاستنزاف الداخلي.

لقد وظفت الانتخابات لإضفاء الشرعية على السلطة القائمة تحت الاحتلال المرتبطة باتفاقيات والتزامات جعلتها مقاولاً دائماً لحراسة الاحتلال، بدل أن تكون كما أرادتها القيادة الفلسطينية مرحلة أولى على طريق إنهاء الاحتلال.

وحتى ينجح الحوار الوطني لا بد من موافقة "فتح" على إقامة شراكة سياسية حقيقية يشارك فيها الجميع، وأن توافق "حماس" على تقديم ثمن سياسي يتمثل في الموافقة على برنامج سياسي يتسلح بالقانون الدولي وميثاق وقرارات الأمم المتحدة، وبدونه سيكون الفلسطينيون لقمة سائغة في فم إسرائيل التي ستنقض عليهم دون تدخل دولي فاعل لردعها إن اتبعوا إستراتيجية مغامرة، لا تستند إلى حقائق الوضع وموازين القوى المحلية والعربية والإقليمية والدولية.

إن البرنامج السياسي الوطني الواقعي يجعل المنظمة قادرة على الفعل السياسي وتجنب الحصار والمقاطعة، بعيداً عن شروط اللجنة الرباعية الظالمة، بل إن المطلوب الآن من الفلسطينيين، العمل على إنهاء اللجنة الرباعية التي كانت الغطاء للاحتلال الإسرائيلي، وأدت إلى تآكل المرجعية الدولية وتقزيم الأمم المتحدة، بحيث أصبحت طرفا من أطراف أربعة محكومة بالهيمنة الأميركية المسلّحة بـ "الفيتو"، الذي مكن الإدارة الأميركية من جعل اللجنة الرباعية أداة لخدمة إسرائيل أو تعطيل دورها ودور العامل الدولي كلما لاحت في الأفق فرصة لصدور بيان أو تنفيذ خطوة يمكن أن تخدم الفلسطينيين.

لقد تراجعت العوامل العربية المعيقة للمصالحة الوطنية كثيراً بعد الربيع العربي، وبعد سقوط نظام حسني مبارك تحديداً، ما يعني أن إنجاز الوحدة بات مسؤولية فلسطينية أكبر من السابق، وهذا لن يحدث إلا إذا: ارتأت القيادة الفلسطينية والأطراف المؤثرة في الوضع الفلسطيني، خصوصاً حركتي "فتح" "حماس" بأن المصالحة ضرورة تخدم مصالحهما.

أو إذا تبلور ضغط سياسي وشعبي متعاظم يفرض على أطراف الانقسام الانصياع إلى إرادة الشعب ومصلحته الوطنية. وكلما كانت المصالحة أسرع كان أفضل للجميع، فالرهان خاسر على قدرة طرف لوحده على قيادة الفلسطينيين؛ فالزخم للرئيس وحركة فتح بعد التوجه إلى الأمم المتحدة سيتآكل إذا لم يتم البناء عليه لترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز عناصر ومقومات الصمود والمقاومة الشعبية الشاملة، قبل أن يتفاقم الوضع بسبب تداعيات محتملة.