خبر الخطوة الفلسطينية..إلقاء حجر ثقيل في البركة الراكدة - حلمي موسى

الساعة 08:34 ص|30 سبتمبر 2011

الخطوة الفلسطينية..إلقاء حجر ثقيل في البركة الراكدة - حلمي موسى

فعلها أبو مازن وذهب بالقضية الفلسطينية من جديد إلى الأمم المتحدة. وفعلها نتنياهو وذهب إلى الأمم المتحدة متحدياً ومصراً على أن الفلسطينيين لن يخرجوا من هناك بشيء. أبو مازن استند إلى عدالة قضية فذهب ليقول إن الفلسطينيين قدموا التنازل التاريخي بقبولهم بدولة على 22 في المئة من أرضهم ومطالبا بالانطلاق من هنا. نتنياهو ارتكز إلى الإسناد الأميركي وإلى القوة الإسرائيلية مطالباً بتصفية الحساب مع العالم واقتسام الـ 22 في المئة مع الفلسطينيين.

صفق العالم وقوفاً لعدالة القضية الفلسطينية ولنضال شعبها. وخرجت أغلبية العالم من مقاعد ممثليها في الأمم المتحدة حتى لا تسمع أكاذيب نتنياهو. فالإسرائيلي المستند إلى القوة جاء ليتحدث باسم الماضي معلناً كذباً أنه يمثل مئة جيل يهودي على هذه الأرض وهو يعلم أنه ابن مهاجر. وجلس مصغياً له وممثلاً لليهودية على هذه الأرض أفيغدور ليبرمان المهاجر إليها من روسيا وإلى جانبه المهاجر أيضاً يولي أدلشتاين وهو ابن لقس مسيحي. وليس صدفة أن نتنياهو اضطر لاعتبار القاعة «غرفة مظلمة» أشبه بزنزانة تعذيب خرج منها مدعياً البطولة.

وأياً يكن الحال، أبو مازن الذي يمكن اعتباره نقيضاً للخطيب المفوّه أجاد في نقل جزء من معاناة شعبه، ونتنياهو الذي لا يختلف اثنان على سحر كلامه كان متلعثماً. فالمسألة لم تكن هنا ذلق اللسان وإنما عدالة القضية. بوسع نتنياهو أن يقنع نفسه أنه على حق، ولكن حتى من وقف إلى جانبه يعرف أنه ليس كذلك. كثير من الأميركيين، بعضهم يهود وآخرون مسؤولون سابقون مثل الرئيس كلينتون، يحملون نتنياهو المسؤولية عن الوضع الراهن لإسرائيل والمتمثل بانعدام السلام وزيادة المخاطر الإقليمية والعزلة الدولية وخطر نزع الشرعية عنها.

ومن المؤكد أن أبو مازن في خطابه لم يمثل في خطابه القضية الفلسطينية بكل جوانبها وركز على ما يعتبره مقبولاً من الشرعية الدولية. وكان التركيز الأساسي على حق تقرير المصير وعلى أهمية الدولة رغم أنه ذكر حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وهذا ما يبرر استغراب البعض هذا القدر من الاختلاف في الساحة الفلسطينية ليس على الصعيد الفصائلي وحسب وإنما الشعبي أيضاً. فالفلسطينيون في الشتات لم يجدوا أنفسهم بقوة في خطاب الرئيس عباس. وربما أن البعض وجد في ذلك نقيصة. ولكن من المؤكد أن الفلسطينيين حالياً ليسوا في ذروة قوتهم. فالانقسام الداخلي أضعفهم بعد أن أكل من كبدهم الفساد السلطوي. والعلاقة الفلسطينية العربية ليست في أحسن أحوالها رغم أن التغييرات الجارية في المنطقة العربية قد تحسن إليهم. وفي مثل هذه الحال لا يمكن، بلغة سياسية، الحديث بشكل مفهوم إلا تقريباً بهذه الطريقة.

والواضح أنه لو كان الوضع الفلسطيني أفضل حالا، بعيدا عن منطق التخوين والاقتتال، لتم التوصل إلى خطاب أفضل كثمرة نقاش داخلي بين القيادات الفلسطينية. ولو كان الوضع أفضل لنشأت أرضية تجعل من الصعب على الآخرين تعليق خطاياهم على أخطائنا. فالرئيس أوباما نفسه في خطابه أمام الأمم المتحدة برر عدم تنفيذ وعده بتحقيق الدولة الفلسطينية خلال عام بوجود الانقسام الفلسطيني.

وفي كل الأحوال فإن خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة لم يكن سدرة المنتهى عند الفلسطينيين ولكنه كان أفضل الممكن في الظروف الراهنة. وإذا كان له من معنى فإنه يقرر أن الفلسطيني، حتى في ظروف اختلال ميزان القوى إلى أقصى حد ضده، يستطيع التسلح بحقوقه ويرفض التنازل عنها. ومن المؤكد أنه ما كان بوسع أبو مازن في هذه الظروف فعل ما فعل لولا بداية الأمل الذي حل إثر ربيع الثورات العربية وزوال أنظمة كانت تمارس ضغوطاً على السلطة الفلسطينية لتقديم التنازل تلو التنازل. على أن المعنى الأكثر أهمية هو أن أبو مازن بات أشد قناعة بأن الأميركيين ليسوا وسيطاً نزيهاً وليسوا راعياً عادلاً وأنهم يقولون ما لا يفعلون.

وتعرض هذه المعاني نفسها بقوة تترك آثاراً لا يمكن الاستهانة بها. فإعادة القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة بهذه القوة يظهر من جديد حاجة العالم إلى الاستقرار الحقيقي في الشرق الأوسط وليس الاستقرار القائم على صمت الضحية. وقد وضع أبو مازن الأسرة الدولية أمام هذا الاختبار مظهراً أن الأموال التي تدفعها الإدارة الأميركية والدول المانحة لا يمكن أن تكون كافية لشراء الصمت الفلسطيني أطول من ذلك. فعلى السلطة الفلسطينية أن تنتقل من واقع كونها طرفا ثالثا بين إسرائيل والفلسطينيين إلى دولة تمثل الفلسطينيين أو أن تغيب.

وقد أظهرت الخطوة الفلسطينية بوضوح محدودية القوة الإسرائيلية في هذا الجانب. فلتبدأ إسرائيل بتنفيذ تهديداتها ضد السلطة وقادتها. ولتلغِ اتفاقيات أوسلو وملحقاتها كما هدد أفيغدور ليبرمان. حتى الآن لا شيء من ذلك. فقط الجيش الإسرائيلي حشد المزيد من قواته وجند قوات احتياطية تحسباً لتطورات. والأرض تسخن من جديد. والفعاليات الفلسطينية تجد في الخطاب أرضية تلاق جديدة قد تعزز الجهود لإنهاء الانقسام.

وعموماً قادت الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة إلى إلقاء حجر ثقيل في البركة الراكدة وأظهرت أن بوسع الفلسطينيين المبادرة سياسياً. ومن المؤكد أن ما جرى ستتبعه خطوات ليس أهمها بالتأكيد اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية وإنما إعادة وضع الفلسطينيين على الأرض وقراءة واقعهم من جديد. ثمة في الخطوة شيء ما إيجابي آخر وهو تحرير الكثيرين من الأوهام. ووضع الخطوة الفلسطينية في إطار المستجدات في المنطقة يوفر لنا منصة جديدة لإعادة قراءة الواقع ومتغيراته.