خبر كيف تنتهي الحروب -هآرتس

الساعة 08:53 ص|28 سبتمبر 2011

 

 

كيف تنتهي الحروب -هآرتس

بقلم: ايليا ليفوفيتش

(المضمون: لا تستطيع اسرائيل ان تُبيد الطرف العربي في صراعها الطويل معه ولهذا يجب عليها ان تسلك سلوكا حكيما وتفضي الى انهاء الصراع التاريخي بتفاهم واتفاق - المصدر).

        يُقتبس من كلام كونراد اديناور الذي كان مستشار المانيا الغربية انه قال: "التاريخ هو حاصل كل الاشياء التي كان يمكن منعها". من المؤكد ان اديناور فكر في الأساس في حروب نشبت ولم تُمنع، لكنها انتهت ايضا على نحو عام.

        باعتبارنا أبناء مجتمع يخضع لحرب مستمرة منذ اربعة أجيال وأكثر، يحسن بالاسرائيليين ان يحاولوا ان يتعلموا من التاريخ كيف تنتهي الحروب. يمكن هذا النظر ان يكون مساعدا في تقدير واقعي لسؤال كيف يمكن ان تنتهي حرب "مئة السنة" بيننا وبين الفلسطينيين. يحسن القيام بهذا التقدير بدل الانشغال بأوهام لا صلة لها بواقع ممكن ما، وهي الوقود الرئيس الذي يحرك عجلات الحروب منذ كانت.

        يمكن ان نلاحظ في التاريخ الانساني نموذجين رئيسين لنهاية الحرب: الاول، الانهاء بالابادة. والثاني، الانهاء عن تفاهم. ويبدو لي ان أكثر الحروب في التاريخ انتهت بصورة هي بالنموذج الثاني أشبه.

        على حسب النموذج الاول، تنتهي الحرب حينما يقضي أحد الطرفين على الآخر. وهذا القضاء المتحدث عنه هو في أساسه نقض للاطار السياسي عند الطرف الخاسر في الحرب. هكذا مثلا انتهت الحرب بين جمهورية قرطاج والامبراطورية الرومانية، وهذه كانت صورة نهاية الحرب بين مملكة يهودا والامبراطورية البابلية مع خراب الهيكل الاول، ونهاية حرب اليهود للرومان مع خراب الهيكل الثاني.

        ان التواجد العسكري مع فتور المعارك والذي يعبر عنه احيانا بمعاهدة سلام أو اتفاق على هدنة توقع بين الطرفين، أو استسلام الطرف المهزوم للطرف المنتصر، ليس عاملا مهما في تمييز ماهية نهاية الحرب. فقد انتهت الحرب العالمية الاولى بمقام وقعت فيه المانيا على نحو مراسمي على استسلام للدول الحليفة بلا شرط تقريبا وهي التي اعتبرت منتصرة في تلك الحرب. وانتهت الحرب العالمية الثانية ايضا باستسلام المانيا واليابان المطلق. وبرغم ذلك يبين التاريخ ان العدو الالماني والياباني في الحالتين لم يُهزما ولم يُبادا بحسب أي مقياس تاريخي.

        تنتهي أكثر الحروب في العالم حينما يتوصل قادة الطرفين الى فهم ان استمرار المعارك لن يأتيهم بأية فائدة. وفي عدد كبير من الحالات تكون الفائدة المذكورة مكسبا شخصيا ما للقادة أنفسهم. وفي حالات اخرى حينما تحظى أمة بقادة ملائمين تكون الفائدة أمام أعينهم هي مصلحة المجتمع.

        ان دولة اسرائيل في وضع دوني جوهري في حربها للشعب الفلسطيني، لا يغيب عن بصر كل من ينظر بعينين مفتوحتين الى ميزان القوى في الشرق الاوسط. ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لا يمكن ان ينتهي بانتصار اسرائيل بحسب النموذج الاول. ولا يصعب التوصل الى هذا الاستنتاج بتقدير وضع استراتيجي – تاريخي وتقديرات عقلانية أساسية. لكن هذا الاستنتاج مطلوب ايضا عن التجربة والحقائق التاريخية أنفسها دون أية نظرية.

        في شهر حزيران 1967 كانت دولة اسرائيل قريبة من وضع انهاء الحرب بحسب النموذج الاول أكثر مما كانت ذات مرة، وأكثر من كل قرب يمكن ان تصل اليه في المستقبل القريب. لكن الحرب لم تنته. وفي مقابل هذا فان للجانب العربي في حرب اسرائيل – فلسطين امكانا نظريا ان ينتصر وان ينهي الحرب بحسب النموذج الاول.

        والدرس ان على حكومة اسرائيل ان تؤدي الى انهاء الحرب بحسب النموذج الثاني. ومن اجل هذا يجب عليها ان تُحدث وضعا شرق اوسطي لا يكون فيه لأي حاكم عربي وفيهم القادة الفلسطينيون ما يكسبونه شخصيا من استمرار الحرب، ولا يكون لأي واحد منهم حافز شعوري قوي بقدر كاف لبدء معركة عالمية اخرى.

        تستطيع اسرائيل بسياسة موزونة تعتمد على رؤية استراتيجية بعيدة الأمد ان تخلق واقعا كهذا ربما قبل نشوب الموجة الكبيرة التالية من سفك الدماء في الشرق الاوسط. وذلك برغم تصريحات عدائية بل بازاء تحديات عنيفة من الجانب العربي.

        اذا تصرفت اسرائيل بحكمة فستنجح في ان تضيف الى مسرح تاريخ اديناور حادثة واحدة كان يمكن منعها ومُنعت حقا. ما تزال اسرائيل قادرة لا على الانتصار لكن على الافضاء بحرب مئة السنة الى النهاية بحسب النموذج الثاني بالصورة التي انتهت عليها أكثر الحروب بين البشر خلال التاريخ.