خبر « إسرائيل » وأمريكا على الجانب الخطأ... غاريث إيفانز

الساعة 08:30 ص|25 سبتمبر 2011

قبل فترة وجيزة من اغتيال رئيس الوزراء “الإسرائيلي” اسحق رابين على متطرف يميني يهودي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام ،1995 التقيته في تل أبيب . كنت آنذاك في زيارة ل “إسرائيل” باعتباري وزيراً لخارجية أستراليا بهدف دعم قضية التنفيذ السريع لاتفاقات أوسلو للسلام إلى النهاية، وصولاً إلى قبول قيام الدولة الفلسطينية من خلال التفاوض . وأذكر أنني اختتمت حجتي بقدر ربما كان أعظم قليلاً مما ينبغي من الصلف قائلاً: “ولكن من الواضح بالطبع أنني أعظ شخصاً متحولاً” . ولا يزال رد رابين محفوراً في ذاكرتي . فقد صمت لبرهة من الوقت ثم قال بنصف ابتسامة: “ملتزماً، وليس متحولاً” .

على الرغم من تعلقه العاطفي العميق بفكرة “إسرائيل” التي تضم كل مساحة ما يسمى “يهودا والسامرة”، فإن رابين كان يدرك أن السبيل الوحيد لضمان وجود دولة يهودية ديمقراطية تتمتع بحدود آمنة صالحة للبقاء يتلخص في تقبل قيام دولة فلسطينية إلى جانبها تتمتع بنفس القدر من الأمن والقدرة على البقاء . وكان من المفترض أن يتقاسم الجانبان مدينة القدس كعاصمة، وأن يعملا على إيجاد حلول مقبولة للقضية البالغة الحساسية المتصلة بعودة اللاجئين الفلسطينيين.

كان مقتل رابين بمثابة الكارثة التي لم تتعاف منها عملية السلام قط . فمنذ ذلك الوقت لم يبد أي زعيم “إسرائيلي” أي شيء أشبه ببعد نظر رابين والتزامه وقدرته على تطبيق حل الدولتين من خلال التفاوض .

صحيح أن إيهود باراك وإيهود أولمرت اقتربا بعض الشيء، ولكن ليس بالقدر الكافي . ومنذ ذلك الوقت خذل بنيامين نتنياهو كل التوقعات في ما يتصل بكونه رجل دولة حقيقياً . فبفضل إذعانه الروتيني لمطالب أشد العناصر تطرفاً في الكنيست الذي يعاني اختلالاً وظيفياً واضحاً، ودعمه المتواصل لوزير خارجيته المولع بالقتال والمثير للانقسامات أفيغدور ليبرمان، اكتسب لنفسه قدراً كبيراً من الذم والقدح سواء في الداخل أو الخارج . وليس بالضرورة أن يكون المرء ساذجاً أو في حالة إنكار للمشكلات المتعددة التي يعانيها الفلسطينيون والزلات المتعددة التي ارتكبت على مر السنين، لكي يدرك أن أغلب العقبات الأخيرة التي تعوق أي تقدم على مسار السلام صنعت في “إسرائيل” .

فالآن، بعد أن وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، ومع استمرار بناء المستوطنات بلا هوادة، وانعدام أي بادرة أمل قريبة في الأفق لإنهاء إذلال الاحتلال الذي لا ينتهي، واستنفاد أشكال النفوذ والضغط كافة، قرر الفلسطينيون الذهاب إلى الأمم المتحدة طلباً للاعتراف بشكل أو آخر بدولتهم . وهم يريدون العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ولكنهم على استعداد  في مواجهة حق النقض الذي سوف تستخدمه الولايات المتحدة حتماً في مجلس الأمن  لقبول خطة بديلة تتلخص في الحصول على اعتراف أغلبية الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين، ليس باعتبارها دولة كاملة العضوية، بل بوصفها دولة مراقبة، وهو الوضع الذي تتمتع به دولة الفاتيكان الآن .

لا شك في أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورفاقه يدركون تمام الإدراك أن اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم لا يكفي، في حد ذاته، لوضع حد للاحتلال وإيجاد دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة . ذلك لأن التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض حول كل القضايا الحرجة المعلقة  تعريف الحدود، والقدس، والضمانات الأمنية ل “إسرائيل”، واللاجئين  هو السبيل الأوحد لتحقيق تلك الغاية . ولكنهم أصروا على استكمال هذا المسار على الرغم من الحملة الشرسة لإقناعهم بالعدول عنه  بما في ذلك التهديدات بفرض عقوبات “إسرائيلية” وقطع الدعم المالي الذي يقدمه الكونغرس الأمريكي للسلطة الفلسطينية  بسبب افتقارهم المبرر تماماً للثقة بإمكان تحريك أي شيء من دون شرارة جديدة من نوع ما .

وعلى الرغم من الجهود المحمومة التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإيجاد حل وسط من شأنه أن يزيل الحاجة إلى التصويت في الأمم المتحدة، من خلال استئناف المفاوضات الحقيقية على عجل، فإن الأمر الأكثر ترجيحاً هو أنه حتى بعد استخدام الولايات المتحدة لحق النقض في مجلس الأمن، فإن التصويت المبكر في الجمعية العامة للأمم المتحدة من شأنه أن يسفر عن أغلبية قوية لمصلحة وضع الدولة المراقبة . والمسألة التي يتعين على “إسرائيل” وأصدقائها أن يتعاملوا معها الآن هي ضرورة تحديد المخاطر الحقيقية الناجمة عن هذه النتيجة، ومعايرة ردود أفعالهم وفقاً لذلك .

وهناك الحجة القائلة إن الاعتراف بفلسطين كدولة، حتى ولو في هيئة محدودة، من شأنه أن يمنح فلسطين المركز الذي ربما تفتقر إليه حالياً والذي يسمح لها بالسعي إلى ملاحقة انتهاكات القانون الدولي قضائياً في المحكمة الجنائية الدولية . وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فمن الصعب أن نفهم الأسباب التي قد تدفع “إسرائيل” وأصدقاءها إلى استقبال ذلك الأمر كأنه مسألة حياة أو موت . إن المحكمة الجنائية الدولية ليست محكمة شعبية لا تراعى فيها القوانين والإجراءات السليمة، ولا شك في أنها سوف تتعامل مع أي ادعاءات بلا جوهر أو أساس كما ينبغي لها .

ولن يغير الاعتراف بفلسطين كدولة الوضع بالنسبة ل “حماس” . لا شك في أن عداء حماس الإيديولوجي الحالي ل “إسرائيل” ورفضها لوجودها يشكل قضية خطرة؛ ولكن لا ينبغي ل “إسرائيل” ودول الغرب أن تضاعف من جسامة خطئها الفادح بعدم الاعتراف بشرعية الفوز الانتخابي الذي حققته حماس في غزة في عام 2006 برفض أي دولة فلسطينية تلعب فيها "حماس" دوراً حاكماً الآن . بل إن باب الحوار مع “حماس” لابد أن يظل مفتوحاً .

وهناك أيضاً الحجة الأكثر إيجابية  التي كان رابين ليتفهمها بكل تأكيد  التي تؤكد أنه لمما يصب في مصلحة “إسرائيل” بلا أدنى شك أن تنزع فتيل هذه القضية بتقبل حقيقة مفادها أن الدولة الفلسطينية تشكل شرطاً لا غنى عنه لضمان سلام “إسرائيل” وأمنها في الأمد البعيد . بل إن “إسرائيل” لابد أن تتعامل مع التصويت في الأمم المتحدة باعتباره فرصة لبداية جديدة للمفاوضات، وليس ذريعة لتجدد المواجهات . والواقع أن التوصل إلى مثل هذه النتيجة البنَّاءة أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وذلك في ضوء الواقع الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربي .

من الصعب أن نتصور أن القيادات “الإسرائيلية” الحالية قد تغير مسارها في هذه المرحلة، ولعل الوقت المتبقي لم يعد يسمح بإفلات إدارة أوباما من الخطيئة السياسية الداخلية التي ورطت نفسها فيها في ما يتصل بهذه القضية . ولكن الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ ليس بالوضع المريح على الإطلاق . وهذا هو على وجه التحديد المكان الذي سوف تنتهي إليه الولايات المتحدة و”إسرائيل” وأقرب أصدقائها  بما في ذلك بلدي أستراليا  إذا قررت الإصرار على مقاومة موجة التعاطف الدولي القوية لمصلحة التحرك الآن للاعتراف بالدولة الفلسطينية.