خبر ساحة بيتية – معاريف

الساعة 11:07 ص|23 سبتمبر 2011

ساحة بيتية – معاريف

بقلم: نداف ايال

. اسبوع الصخب الدبلوماسي سيصل اليوم الى ذروته في خطابي بنيامين نتنياهو وأبو مازن. من شبه المؤكد أن كل الكليشيهات المحببة ستستخدم في هذا الحدث من "معركة في النها"ر، عبر "خطاب حياتهم" وحتى "المواجهة الحاسمة" وباقي التعابير التي تزودنا بالدراما الزائفة في نيويورك. ولكن درس هذا الاسبوع، ربما الدرس الاهم، هو أن المسيرة السياسية ليست صندوق مفاجآت ولا فيلم توتر هوليوودي. الممثلون المختلفون يلعبون ادوارهم، وهذه تتقرر بالمصالح السياسية الاضيق. بتعبير آخر: هم متوقعون.

 

 ابو مازن شعر بان الريح تهب في قذالته، والريح هي حماس. وهو ملزم بان يثبت بانه توجد قناة عمل فلسطينية ليست العنف، وكفيلة بان تحقق نتائج او على الاقل عزة وطنية. الامم المتحدة هي مسار عمل مثالي، وفي ضوء اخطاء اسرائيل، حاولت هذا الاسبوع السلطة الفلسطينية استغلال الساحة الداخلية حتى النهاية. بنيامين نتنياهو، من جهته، شعر بانه مهدد من ظله اليميني والمتسع افيغدور ليبرمان. فمع ان  وزير الخارجية قال أول أمس في بحث حي ومباشر انه وبخ نائبه داني ايالون على أن الاخير هدد بمغادرة الائتلاف. ولكن من يعرف قليلا اسرائيل بيتنا، يعرف جيدا بان ليبرمان، ولنقل ذلك بالتلميح، لا يمنح حرية عمل واسعة لنواب الكنيست وأصحاب المناصب بتكليف منه. وفي الغالب يعرف ماذا سيقولون، حتى قبل أن يفكرون في ذلك. رئيس اسرائيل بيتنا يمكن أن يقود الامور نحو الانتخابات بإماءة باصبعه، وللدقة نقول: "بإماءة ايالون". رئيس الوزراء يعرف ذلك جيد، ويفهم ايضا بان ليبرمان هو تهديد حقيقي على زعامته في اليمين. ومرونة اسرائيلية في الطريق الى المفاوضات مع الفلسطينيين تمر بخاتم التسويغ الليبرماني، ومن الاسهل الحصول على تسويغ من مجلس حكماء التوراة للطائفة الاصولية. نتنياهو يمكنه أن يسير في مسار المفاوضات مع ابو مازن فقط حتى المكان الذي يقرره ليبرمان. هذا هو الواقع، وكل واحد يمكنه أن يقدر ما هي الاحتمالات لتحقيق حل وسط مع اخذ هذا الشرط بالاعتبار. 

 

 ليس الاسرائيليون والفلسطينيون وحدهم متوقعين، بل والامريكيون ايضا. اوباما ما كان يمكنه أن يهجر اسرائيل هذا الاسبوع، حتى لو اراد ذلك. ما كان يمكنه أن يفعل ذلك لان المعنى هو ضعضعة القوة الاقليمية الامريكية والضربة السياسية الداخلية القاسية. ولم يرغب لسبب أقل شأنا بكثير. اذا كان اوباما عرض نفسه كصديق لاسرائيل، عمل كصديق لاسرائيل في سلسلة من المواضيع، فلعله يمكن، يمكن فقط، ان يكون حقا صديقا لاسرائيل. 

 

2. اما من الصعب بعض الشيء الادعاء بعد الاسبوع الاخير بان الرئيس الامريكي ليس ملتزما باسرائيل. خطابه في الجمعية العمومية كان احادي الجانب لدرجة أن افيغدور ليبرمان قال انه كان سيوقع على كل كلمة فيه. ليبرمان!

 

نعم، لا ريب أن ملاحقة الجمهوريين للرئيس، وادعائهم العدواني بانه هجر اسرائيل، أوضح رسائل اوباما في خطابه. اوباماكان ينبغي أن يسكت مرة واحدة والى الابد الادعاء بانه ليس ملتزما باسرائيل بما فيه الكفاية. وقد فعل ذلك في حديث مباشر جدا، حطم الموقف الفلسطيني تماما وبثمن الشرخ مع اوروبا،

 

عندما قاطع (!) نيكولا ساركوزي خطابه. مشكوك جدا أن يكون الرئيس بوش كان سيوافق على القاء خطاب لا يدور الحديث فيه الا عن معاناة الاطفال الاسرائيليين، ولا تذكر فيه كلمة عن الاحتلال. هذا ليس تخمينا. صحيح أن بوش منح ارئيل شارون اعترافا بـ "التغييرات على الارض" (الكتل الاستيطانية) ولكنه كان الرئيس الامريكي الاول الذي عرض خريطة طريق الى الدولة الفلسطينية. 

 

ومع ذلك من الصعب قليلا الحماسة لنص اوباما، اذا تذكرنا ان بالاجمال ضم الى خطابه مجرد كلمات عن الماضي وعن الحاضر، وليس كلمة واحدة عن المستقبل. كانت هذه وثيقة كلها بأسرها فهما بان الادارة فشلت في تقدم المسيرة السلمية. "لعب دفاعيا"، قال هذا الاسبوع مصدر في واشنطن، "عندما تلعب دفاعيا، قد تتمكن ربما من صد نقاط يسجلها الفريق الخصم. ولكن ماذا عن نقاطك انت؟". 

 

اوباما يلعب كرة سلة. مثلا، هو الذي طلب وحصل على ملعب كرة سلة رمزي في ساحة البيت الابيض، كي يتمكن من تسجيل بعض الاهداف في الليالي. الرئيس يفهم جيدا معنى كلامه – توبيخ طويل للفلسطينيين، تأييد للاسرائيليين، مطالبة بالعودة الى المفاوضات بدون أي صيغة واضحة تؤدي الى تسوية. هذا كان اعلان ولاء لاسرائيل، بلا شك، ولكن هذا ايضا كان تنازلا عن فكرة تحقيق حل دائم في الفترة القريبة القادمة. يوجد بيننا من سيفرحون جدا بهذا التطور. ويوجد من لن يفرحوا على الاطلاق.

 

3. وحيثما توجد جلبة دبلوماسية يتوفر العنصر المشاكس، مسيو ساركوزي. دوما مصمم على أخذ وضع معقد وجعله أصعب بكثير. الرئيس الجمهوري هو عبقري من هذه الناحية. لديه احاسيس حادة تجاه الضعف والفراغ، وهو دوما سيفرح بملء النقص بالافكار التي تتراوح بين الابداعية السياسية والعجرفة النابليونية. أحيانا هذا ينجح – لنفترض في القصة الليبية التي قاد فيها ساركوزي تنكر الغرب للقذافي وبناء الائتلاف – واحيانا يبدو هذا اشكاليا ما، مثل هذا الاسبوع في الامم المتحدة. 

 

اقتراح ساركوزي بطرح القضية الفلسطينية على الجمعية العمومية، والقفز حاليا عن مجلس الامن، عقد الوضع المعقد اصلا. فالامريكيون يعملون منذ اسابيع للتأكد من أن تكون ساحة المجريات هي مجلس الامن. هناك على الاقل لديهم سيطرة على النتيجة. فهم لا يريدون استخدام الفيتو ولكنهم يستطيعون. الفلسطينيون وافقوا على قواعد اللعب هذه، وذلك ايضا انطلاقا من الفهم بان على أي حال يمكن للجمعية العمومية أن تقدم نتيجة ضيقة جدا، اعترافا بمكانة دولة مراقبة فقط. 

 

وها هو بعد دقائق من خطاب الرئيس الامريكي الذي كان يفترض أن يحشر الفلسطينيين في الزاوية، ويجبرهم على قبول مبادرة الرباعية لاستئناف المفاوضات السياسية، جاء الرئيس الفرنسي وبعث اوباما الى الجحيم. هيا نذهب مباشرة الى الجمعية العمومية، اقترح ساركوزي ونقرر دولة مراقبة. وعندها يضيف قنبلة: الفيتو في مجلس الامن يمكن أن يؤدي الى عنف على الارض. ومع سماع هذه الاقوال، حتى الفلسطينيين قلقون. فآخر شيء يعني السلطة الفلسطينية في هذه اللحظة هو انتفاضة ثالثة. اما هذا فلا يزعج ساركوزي، وهو يندفع نحو مبادرته، ومكتبه يبلغ "لوموند" بان رئيس الجمهورية حرص على التغيب عن قصد عن خطاب

 

الرئيس الامريكي. مقاطعة. ومن يدري ماذا يعني هذا بالنسبة لموقف الغابون، المستعمرة الفرنسية السابقة. في خطاب واحد، نجح الرئيس الفرنسي في ضعضعة الموقف الامريكي تماما.

 

4. في بداية سنوات الالفين درج ارئيل شارون على التحذير من "تدويل الصراع". تدويل الصراع كان التهديد المطلق. خلفه تقف شخصيات تنثر الرعب. جنود الناتو الذين يأتون ليفرضوا على اسرائيل تسوية سياسية اكراهية، في اطارها تضطر الى التعري من كل ذخورها الاقليمية والاستراتيجية. لقد آمن شارون حقا بان تدويل الصراع هو تهديد جوهري على الامن الاسرائيلي. هذا لم يكن يرتبط فقط بجوهر "التدويل"، بل وايضا واساسا بالاحساس بان اسرائيل ستتحول من قائدة الى مقودة، تفقد المبادرة، وأخيرا تعلق في رواق ضيق لحل يملى عليها. هذا الرواق، في اللغة الشارونية، هو بالطبع "مسار ذبح العجول" المسار الاخير الذي تقاد فيه العجول نحو الذبح. 

 

الفلسطينيون قد لا يكونوا ينجحون هذا الاسبوع ولكن ما نتوقعه هو بلا ريب تدويل الصراع. السلبية الاسرائيلية تركت الساحة الدولية مفتوحة للمبادرة الفلسطينية، التي لا تصد الا بعضلات القوى العظمى في العالم. لم يسبق أن لعبت الامم المتحدة دورا مركزيا أكبر في العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين واذا كنا أكثر فظاظة: فقد تدول الصراع. 

 

نعم، قد يكون هذا تحت السيطرة. قد يكون الفلسطينيون يخسرون حاليا. ولكن الساحة تتحرك الان من اللقاءات المباشرة معهم الى اللقاء المضنية التي يتعين على هيلاري كلينتون ان تخوضها مع الرئيس النيجيري كي تمنع عنا وعن الامريكيين تطورات سلبية جدا. 

 

في هذه الاثناء، الحقيقة، تدويل الصراع لا يبدو سيئا. فهذا افضل بكثير من انتفاضة اخرى، وعلى أي حال يصد الامريكيون الفلسطينيين الذين يبقون مستائين ومحبطين. المشكلة هي أن نقل القوة الى الاسرة الدولية ومؤسساتها هي قصة متقلبة. فأنت تعرف أين يبدأ التدويل، ولكن لا سبيل الى التنبؤ أين ينتهي. فيتو أو تأخير التصويت في مجلس الامن هما مجرد البداية. ستكون هنا الكثير من المواجهات المصيرية والمعارك في وضح النهار. نأمل أن يحصل هذا في الامم المتحدة فقط.