خبر أُقعد ولا تفعل شيئا؟..هآرتس

الساعة 08:38 ص|16 سبتمبر 2011

بقلم: الوف بن

الجهد الدبلوماسي بعيد السنين لانخراط اسرائيل كجار مقبول في الشرق الاوسط انهار هذا الشهر، مع طرد السفيرين الاسرائيليين من أنقرة والقاهرة، والاخلاء العاجل لطاقم السفارة من عمان. هذا درك أسفل جدا علقت فيه سياسة الخارجية الاسرائيلية منذ الزيارة الاختراقية للرئيس المصري انور السادات الى القدس في 1977. المنطقة تلفظ من داخلها دولة اليهود، التي تغلق على نفسها عميقا خلف أسوارها المحصنة، بقيادة حكومة ترفض كل تغيير، حراك او تعديل، وتتكبد الهزيمة تلو الهزيمة.

مكان أقوال السلام احتلته تهديدات الحرب. رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان، احتفل هذا الاسبوع في القاهرة بعودة بلاده الى قيادة الشرق الاوسط، بعد نحو مائة سنة من طرد الجنرال اللنبي وجنوده لها من هنا. وقد استغل زيارته لتعزيز طوق الحصار حول اسرائيل، وحذر بصوته الراعد: "عدوان اسرائيل يعرض للخطر مستقبلها". وحتى عبدالله ملك الاردن، الدولة المعتدلة بين الدول العربية وحليفة الحركة الصهيونية حتى قبل قيام الدولة، انضم الى المهددين فقال في حديث مع معرفة اسرائيلي من الولايات المتحدة ان "الاردن ومستقبل فلسطين أقوى من اسرائيل، الاسرائيلي هو الذي يخاف الان. وضعكم أصعب من أي وقت مضى".

في الاسبوع القادم ستتكبد اسرائيل هزيمة دبلوماسية اخرى قد تكون الاصعب في تاريخها، حين ستطلب السلطة الفلسطينية من الاعضاء في الامم المتحدة الاعتراف بها كدولة. صيغة الاعلان والاجراءات ليست منتهية بعد: مع او بدون ذكر حدود 67؛ طريقة التوجه الى مجلس الامن، حيث سيصطدم الاقتراح بالفيتو الامريكي او مباشرة الى الجمعية العمومية، حيث مضمون للفلسطينيين أغلبية هائلة، ولكن فقط لدولة "مخففة" ليست عضوا كاملا في الامم المتحدة. كما أن قائمة المعارضين والممتنعين لم تغلق: هل ستبقى اسرائيل وحدها مع الولايات المتحدة، كندا وميكرونيزيا ام ستقنع بعض الدول الاوروبية للوقف الى جانبها، وتتمكن من الادعاء بانها خسرت بالنقاط وليس بالضربة القاضية المهينة.

الحقيقة هي ان هذا ليس مهما. الواقع السياسي سيتقرر في ازقة البلدة القديمة في القدس، في تلال الضفة الغربية وفي حدود قطاع غزة، وليس في قصور الامم في واشنطن او في نيويورك. قرار الامم المتحدة اقامة دولة فلسطينية ستمنح تسويغا دوليا إن لم نقل دفعة وتشجيعا، لحرب التحرير الوطنية للفلسطينيين من عبء الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنات. هذا ما يريده "العالم"، الى هناك يتجه اردوغان، الملك عبدالله والمتظاهرون في عمان وفي القاهرة، ومن خلفهم يختبىء رئيس الولايات المتحدة براك اوباما، الذي يجتهد ظاهرا لمنع الازمة باجراءات دبلوماسية للحظة الاخيرة، ولكنه يكتفي بارسال مبعوثين منخفض المستوى لمهمات عديمة الاحتمال.

اسرائيل تصل الى المواجهة المقتربة مع الفلسطينيين وهي منعزلة، ضعيفة ومكروهة في الاسرة الدولية. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مطالب الان بان يدفع ثمن التغييرات في الشرق الاوسط: أفول القوة العظمى الامريكية، صعود تركيا الاردوغانية، تقدم البرنامج النووي الايراني وتعزز الجماهير في الدول العربية. نتنياهو وقادة جهاز الامن يحاولون تهدئة الجمهور الاسرائيلي، في أن الجيش الاسرائيلي مستعد للتصدي للمسيرات في الضفة وفي القدس، وان مبالغ طائلة استثمرت في وسائل غير قاتلة لتفريق المتظاهرين.

حيال التهديدات العدوانية لاردوغان، خرج نتنياهو في جولة مع المراسلين العسكريين على الحدود المصرية ووعد بحث اعمال التحصن. التحصن، الانغلاق، الجلوس في المكان – هذه خلاصة سياسة رئيس الوزراء. نتنياهو ليس مسؤولا عن التغييرات الاستراتيجية في المحيط ولم يرغب فيها. كان يفضل أن يبقى النظام القديم الى الابد، وان يبقى حسني مبارك واثقا في كرسيه، وان تعود تركيا الى الكمالية العلمانية، وتحافظ أمريكا على هيمنتها في المنطقة (مرغوب فيه بقيادة رئيس جمهوري، بالطبع. نتنياهو يحب ميت روماني، الذي عمل معه في بداية حياته السياسية في شركة الاستشارات "بوستون كونسلينغ غروب". نتنياهو كان أنهى في حينه دراسته، فيما أن روماني كان مديرا. وهو يقدر ايضا سياسته الاقتصادية اليوم).

ولكن حيال التغييرات الدراماتيكية في المحيط، اظهر نتنياهو سلبية تامة، وسمح لخصومه بأخذ المبادرة وتحديد جدول الاعمال. كل القرارات التي اتخذها كانت ردودا. اوباما ضغط، ونتنياهو أعلن عن تأييده لـ "الدولتين للشعبين"، وجمد المستوطنات لعشرة اشهر. اردوغان بعث باسطول الى غزة، ونتنياهو بعث بالوحدة البحرية الى سيطرة فتاكة على السفن. الجماهير المصرية تظاهرت في ميدان التحرير، ونتنياهو طلب من الدول الغربية انقاذ مبارك.

منظمات الارهاب في غزة خرجت في عملية كبيرة في النقب، على طريق سيناء، وامتنع نتنياهو عن تصفية المخططين قبل الاوان وترك منع الهجوم لقيادة المنطقة الجنوبية، التي أخفقت في تقديرات مخففة وفي رد فعل مبالغ. اردوغان طلب الاعتذار على قتل المدنيين الاتراك في الاسطول، ونتنياهو رفض. الفلسطينيون يطلبون اعترافا دولية، ونتنياهو يرد برفض دبلوماسي، بتدريب عسكري على قمع المظاهرات، وبتهديدات غير مباشرة بالحاق مناطق في الضفة، كرد على اعلان دولة فلسطينية.

حلف سري

        أكثر من كل الاخرين، فان الرجل الذي دحر نتنياهو الى الزاوية كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس. الزعيم رقيق الحديث، الذي سمي ذات مرة في اسرائيل بانه "الصوص بلا ريش"، اثبت بانه دبلوماسي أكثر نجاحا من نتنياهو وحاصره بمبادرة التوجه الى الامم المتحدة. الفلسطينيون لم يدفعوا أي ثمن على رفضهم الحديث مع حكومة اليمين الاسرائيلية وعلى اختيارهم القناة المتجاوزة للاعتراف الدولي بدولتهم، بدلا من ادارة مفاوضات تلزمهم ايضا بحلول وسط وتنازلات.

        نتنياهو يشخص اوباما كسيد لعباس، ويراه المسؤول عن الخطوات الفلسطينية. في خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة قبل سنة أعرب اوباما عن أمله في تحقيق اتفاق "يؤدي الى قبول عضو جديد في الامم المتحدة، الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، التي تعيش بسلام مع اسرائيل".  ومرت سنة. من ناحية نتنياهو كانت هذه هي الاشارة للفلسطينيين بان يحثوا الخطوة بأنفسهم.

        ماذا يريد نتنياهو؟ ظاهرا موقفه مركب ويعكس ترددا شديدا. فهو لا يريد الفلسطينيين كمواطنين اسرائيليين أو رعايا لها، ومن هنا موافقته المعلنة على دولة فلسطينية. ولكنه لا يؤمن بان فلسطين المستقلة ستحافظ على الامن، ومقتنع بانه اذا أفلتت اسرائيل من يديها السيطرة على سلسلة جبال الضفة الغربية، وستتحول الى مواقع لاطلاق الصواريخ والمقذوفات الصاروخية نحو غوش دان ومطار بن غوريون، واسرائيل ستنقرض.

        منذ اليوم، يهدد اسرائيل 70 الف صاروخ من لبنان وغزة، وبضعة مئات اخرى من الصواريخ بعيدة المدى من ايران وسوريا. مع هذا يمكن التعايش كيفما اتفق، كما يعتقد نتنياهو، ولكن ليس مع حشود من الصواريخ قصيرة المدى على التلال المشرفة على سفوح السامرة. وعليه فان اسرائيل ملزمة بان تسيطر على غور الاردن كي تمنع ادخال السلاح، وكذا على مناطق اطلاق الصواريخ المحتملة، والا فلن تتمكن من الوجود، كما يحذر رئيس الوزراء. في هذه المعضلة الامن ينتصر، والنتيجة تتلخص في كلمة واحدة: "لا". لا للتجميد، لا للانسحاب، لا للمحادثات على المواضيع الجوهرية.

        الفلسطينيون يتحدثون منذ سنة عن التوجه الى الامم المتحدة، ونتنياهو اكتفى بخطوات منع دبلوماسية، بدلا من أخذ المبادرة. ولم يظهر هناك ابداعية ولم يبادر الى أي خطوة التفافية. ليس رد "نعم، لكن"، أو محاولة طرح مطالب مضادة اسرائيلية – مثل "الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية" – مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبالطبع ليس خطوة جريئة على نمط مناحيم بيغن أو ارئيل شارون، اللذين في اوضاع عزلة مشابهة تنازلا عن اراض اقل حيوية في سيناء وفي غزة، لتثبيت السيطرة الاسرائيلية في الضفة الغربية. السلام الذي وقعه بيغن مع مصر يتفكك، وبالذات "مائة الون موريه" اقامها بيغن وشارون في الضفة تواصل الازدهار والتفتح.

        القعود في المكان يخدم الاحتياجات السياسية لنتنياهو، ويحافظ على استقرار الائتلاف اليميني برئاسته. وزير الدفاع ايهود باراك، الذي حذر في الشتاء من "التسونامي السياسي" في الصيف، وأيد الاعتذار للاتراك، يتحدث الى الحائط. نتنياهو يستلطفه، وعلى ما يبدو يعتمد عليه في ادارة جهاز الامن وضمان الهدوء السياسي في الجيش، ولكنه يتجاهل بثبات نصائحه. والان يعتزم ايضا ان يقلص له الميزانية، ما لا يتجرأ على فعله للمستوطنين (أفيغدور ليبرمان) او الاصوليين (ايلي يشاي).

        محظور علينا أن نتشوش: نتنياهو يستمتع بالاختباء خلف ليبرمان كي يظهر كمعتدل، ولكن لا يوجد حقا خلاف بينهما. نتنياهو رفض الاعتذار للاتراك ليس بسبب غضب وزير الخارجية بل لانه رأى في الاعتذار تعبيرا عن الضعف سيؤثر سلبا على مكانة اسرائيل في الشرق الاوسط.

        طي الاعلام

        نتنياهو محق أكثر من الاخرين في تقويمه في أن "الربيع العربي" ينطوي على شر لاسرائيل. الاستخبارات اعتقدت أن في مصر "سيتغير الحاكم وليس الحكم"، وآخرون فرحوا لان يكتشفوا بان المتظاهرين في ميدان التحرير ينشغلون في الامور الداخلية وليس في احراقهم أعلام اسرائيل. رئيس الوزراء قدر بان هذه مرحلة انتقالية، وان مصر بدون مبارك ستصبح ايران جديدة او، على سبيل اهون الشرين، تركيا. كما أنه كان محقا في فهمه بان اردوغان يريد اعتذارا اسرائيليا كي يري من هي القوة العظمى الاقليمية ومن هي الدولة الفارغة، وليس لاعتبارات التشريفات والمجاملات. ولكن ردود فعل نتنياهو لم تساعد في تبديد التوتر مع الدول العربية وتركيا بل عززت عزلة اسرائيل.

        نتنياهو يأمل الان في أن تثبت السعودية ودول الخليج، التي تخاف مثل اسرائيل التغييرات في المنطقة، تحالفا سريا مع اسرائيل ضد القوى المتطرفة في أنقرة، طهران والقاهرة وحيال السياسة المنبطحة والضارة لاوباما. يوجد منطق في نهجه – أدى به الى تحالف التفافي لتركيا مع اليونان، بلغاريا ورومانيا – ولكن مشكوك أن تنجح السعودية في الاختبار وتسند اسرائيل حيال السعي الفلسطيني لتحقيق قرار الامم المتحدة.

        نتنياهو يقدر بان التصويت في الجمعية العمومية لن يترجم الى انتفاضة ثالثة وان الاستعداد المسبق سيسمح بوقف المسيرات الاحتجاجية. وهو لا يخشى ان تفرض الامم المتحدة عقوبات على اسرائيل ويتوقع اساسا صراعا دبلوماسيا طويلا مع الفلسطينيين في المؤسسات الدولية وفي المحاكم.

        في هذه الاثناء سيواصل المساعي التي من أجلها كرس حياته الدبلوماسية والسياسية، لتحويل روح الرأي العام في الغرب. نتنياهو يواصل الامل في أن ذات يوم سيفهم الامريكيون والاوروبيون بان اسرائيل تحافظ نيابة عنهم على الشرق الاوسط وان الفلسطينيين هم مجرد لجوجون.

        ولكن لعدم حظه، الى أن يتجسد هذا الحلم، سيتعين عليه أن يتصدى لمطلب الاستقلال الفلسطيني في المناطق، والذي يتمتع بتأييد دولي هائل ويسند بتهديدات الحرب – في الوقت الذي تضطر فيه اسرائيل الى طي اعلامها المحروقة من دول المنطقة.