خبر كابوس صهيوني.. في القاهرة.. ماهر رجا

الساعة 01:07 م|11 سبتمبر 2011

كابوس صهيوني.. في القاهرة.. ماهر رجا

 

ماذا حدث لنا فجأة...؟

لم يردد نتنياهو وحده هذا التساؤل في الكيان الصهيوني أمس،  فجميع الصهاينة تقريباً يطرحون اليوم السؤال نفسه بعد ما رؤوه في القاهرة..

في أسوأ أحلامهم لم يتوقع قادة "إسرائيل" ولا جمهورهم أن يروا العلم الصهيوني وهو يتردى من شرفة السفارة الصهيونية في العاصمة المصرية متهاوياً مع نثار أوراق السفارة تحت سماء مصرية أشهرت غضبها الذي كبتته طوال عقود من اتفاقات كمب ديفيد.

قبل ذلك ، لم يتوقعوا أساساً، سقوط النظام الذي كان يمنحهم شراكة في  كل مقدرات مصر السياسية والاقتصادية، ولم يتوقعوا من بعد، أن يرو خلف القضبان كل أولئك الذين أقصوا مصر عن مكانتها السياسية والتاريخية، ولم  يتوقعوا أخيراً أن تتعاقب الأحداث بهذه السرعة ، فيفر السفير الصهيوني تحت جنح الظلام، وتنشب النيران بجدران وكر الجاسوسية الذي كان شاهداً على حقائق الامتهان السياسي وما دونته  في مذكرات القاهرة.

لكن الأمر ليس مجرد كابوس.. كل ذلك يحدث اليوم فعلاً أمام دهشة الصهاينة وعجزهم وقلقهم الاستراتيجي. فيما تواصل مصر إرسال  إشاراتها الجدية عن زمن يعتبره الكثير من المحللين الصهاينة بداية الحصاد المر والمفاجئ  لكل الأوهام  والأفكار والتصورات الآمنة التي اعتقدوا، في ما مضى، أنها ستكون أبدية تحت ظلال نظام "يمثل كنزًا استراتيجيًا للأمن الإسرائيلي" على حد وصف مصادر صهيونية قبل أسابيع من قيام الثورة المصرية.

من رأى وجه نتنياهو أمس وهو يعقب في كلمة له على التطورات، أدرك ما يحدث في تل أبيب حيال غضب القاهرة.. التجهم في الملامح كان يعكس ظلال تجهم مقابل في الكلمات، في موقف تحتشد فيه الدلالات..

 

في المستوى الأدنى،  لم يظهر نتنياهو غاضباً فهو لا يستطيع أن يضرب بقبضته على الطاولة، كما في أيام نظام مبارك.. لم يهدد لأنه لا يعرف لمن سيبعث بالرسالة، فالعناوين السابقة تبددت، في حين أن اللوحة المصرية الراهنة تتقدمها قبضات ووجوه غاضبة لا تستلم ولا تقرأ مثل هذه الرسائل. والمفارقة أن نتنياهو الذي اعتاد أن يلقي بكلماته أمام المصريين على هيئة السيد الذي لا يهان، بدا ضعيفاً مصراً على التأكيد على أن إسرائيل تتمسك بكمب ديفيد، وبإعادة سفيرها إلى القاهرة حالما تهدأ الأمور.

إلا أن لرد الفعل الإسرائيلي مستوى آخر، وقد بدأت مؤشراته بالفعل قبل اجتياح السفارة الصهيونية قبل يومين في القاهرة. إذ منذ سقوط نظام مبارك وانتصار الثورة المصرية، تواصل تل أبيب مراجعة شاملة لعقيدتها العسكرية والسياسية بشكل عام، وتقوم مراكز التقدير الاستراتيجي – وفق تأكيدات سياسية وصحفية إسرائيلية – بالإصغاء جيداً للتطورات المتسارعة في العالم العربي، في محاولة لرسم استراتيجيات  بديلة في "عالم معاد"، وثمة من التقارير ما يشير إلى أن صناع القرار في الكيان الصهيوني، عادوا إلى ملفات نظريات المواجهة السياسية والعسكرية التي سبق لتل أبيب أن تبنتها بعيد العام 1948، والتي كان الكثير منها قد أحيل  إلى الأرشيف أواخر السبعينات، وبعد إبرام كمب ديفيد.

بالتالي فإن ما لم يقله نتنياهو أمس إلا بلغة الجسد، هو أن  مصر لم تعد جبهة آمنة لتل أبيب في النهاية. وأن "إسرائيل" تنكشف مجددا وبشكل استراتيجي هذه المرة، على مخاطر العودة إلى نقطة الصفر في المواجهة مع المحيط العربي والإسلامي. لقد ولى وإلى الأبد زمن يحدث فيه إعلان الحرب على غزة من عاصمة المعز. وإن كان هناك من طمأن الصهاينة في واشنطن وبعض عواصم الغرب بأن الأمور لم تخرج عن السيطرة تماماً، وأن اتفاقيات السلام مازالت في أمان، فإن ما هو مؤكد أن سقوط العلم الصهيوني عن سفارة الصهاينة في القاهرة هو مؤشر له قيمة الرمز إلى زمن مصري إعصاري مستمر يجتاح كل معالم حقب الأمس.. زمن لن يتمكن الصهاينة من حل رموزه بالشيفرة المعتادة التي منحتهم إياها العقود العجاف السابقة.