خبر نهاية مجنون- اسرائيل اليوم

الساعة 10:21 ص|29 أغسطس 2011

نهاية مجنون- اسرائيل اليوم

بقلم: بوعز بيسموت

(المضمون: في دولة ليس فيها مؤسسات سياسية مستقرة، معارضة منظمة أو ثقافة سياسية مدنية، تسودها ثقافة الكذب سيكون من الصعب استقرار الديمقراطية - المصدر).

        المترجم الجزائري نظر إلي متفاجئا: "بجواز السفر هذا تريد ان تسافر الى ليبيا؟"، سأل، فأجبت أن نعم، "بالتوفيق"، قال معيدا لي جوازي الفرنسي، الذي على احدى صفحاته ترجمت الى العربية تفاصيلي الشخصية بما في ذلك مكان الولادة، رحوفوت. كان هذا في 1999 حين سعيت الى زيارة ليبيا لاول مرة، التي كانت في حينه دولة مغلقة ومنغلقة، معادية جدا للغرب، أغلقت بواباتها ليس فقط في وجه الاسرائيليين، بل حتى في وجه جوازات سفر طُبعت عليها أختام اسرائيلية.

        بعد اسبوع وصلتني مكالمة مفاجئة من السفارة الليبية في باريس، وبُشرت بأن جواز سفري بانتظاري. عشرات المرات زرت الدول العربية، ولكن السفر الى ليبيا كان تجربة من نوع آخر. كل طفل يعرف بأن ليبيا القذافي لا تشبه أي دولة عربية اخرى. ليبيا القذافي شكلت لغزا للعالم. ليبيا بعد عصر القذافي هي اليوم لغز لا يقل حجما.

 

        الدولة هي أنا

        القذافي، الذي قاد ليبيا منذ 1969، فهم مع بداية ربيع الشعوب العربية بأن مشكلة تنتظره في الزاوية. فمنذ كانون الاول أيد رفيقه، الرئيس التونسي بن علي، وندد بالمظاهرات ضده. ولاحقا هاجم ايضا الطريقة التي طُرد فيها من بلاده. ووصف القذافي في حينه الجماهير في تونس بأنها "ناكرة للجميل". ولم يتخيل أنه بعد ثلاثة ايام من فرار بن علي، ستندلع ثورة ضده في 17 كانون الثاني. ووصف القذافي الجماهير مرة اخرى بأنهم "ناكرون للجميل" و"مخدرون". "كيف يريدون تنحيتي عن رئاسة الدولة وأنا حتى لا أحمل اللقب؟"، سأل في مقابلات مع الصحف الاجنبية. من ناحيته، الشعب هو صاحب السيادة، طالما كما ينبغي ان يضاف، كان هو الزعيم.

        في "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" للقذافي كل مواطن هو حاكم، على الورق على الأقل. كاتب هذه السطور يتذكر كيف أنه في موقع أثري غني جدا بالمكتشفات من العهد الروماني في سبراطة توجه إلي طفل بعمر 14 سنة وطلب مني أن أسلمه الكاميرا. مرافقي الليبي كان محرجا وشرح بأنه كون الحاكم نقل الصلاحيات الى شعبه فأنا في مشكلة ولا أقف أمام طفل، بل أمام القانون.

        القذافي تلاعب بالقانون، بشعبه، بالنخب، وحتى بمضيفيه في المدن المختلفة في العالم. شيء واحد فقط كان محظورا عمله على أبناء شعبه – التلاعب به. من ناحية القذافي، على مدى 42 سنة، "الدولة – هي أنا". من الصعب تخيل ليبيا بدون القذافي. بشكل عام، من الصعب تخيل ليبيا الغد. التطلع هو بالطبع للديمقراطية، ولكن لا ينبغي أن ننسى بأن هذه دولة عديمة المعارضة، عديمة المؤسسات، عديمة الثقافة السياسية. الدولة هي أنا، و"أنا" لم يعد موجودا.

        "المجلس الوطني" بقيادة مصطفى عبد الجليل، والذي أعلن عن نفسه كبديل للحكم في 27 شباط، يفترض أن يصمم ليبيا كدولة ديمقراطية. وزير العدل السابق عبد الجليل، هو النقيض التام للقذافي. عديم البريق والكاريزما، ولكنه الرجل الذي أثار انطباع الغرب، الذي سرعان ما راهن عليه كالحصان الصحيح الذي سيحقق التغيير.

        السؤال الكبير هو ما الذي يسعى عبد الجليل الى عمله وهل هو قادر. المجلس المؤقت برئاسته يعد اربعين شخصا، معظمهم خدموا في نظام القذافي في وظائف عالية. ويسعى المجلس الى نقل السلطة الى حكومة مؤقتة في غضون ثمانية اشهر فيما تُعين جمعية وطنية مؤقتة بالتوازي. تلك الجمعية الوطنية ستعين حكومة جديدة وتُعد للانتخابات في غضون نصف سنة برقابة الامم المتحدة. بتعبير آخر، في غضون سنة وشهرين يفترض بليبيا أن تصوت. يبدو خياليا في دولة دون تقاليد سياسية، لا تعرف ما هي الديمقراطية.

        أمر آخر يثير القلق في الغرب هو حقيقة أن الكذب هو جزء لا يتجزأ من التجربة السياسية في ليبيا. فقد كتبت "نيويورك تايمز" هذا الاسبوع عن ذلك حين تحدث القذافي عن بلاده بأنها الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في العالم، والثوار تحدثوا عن المرتزقة وعن الفياغرا التي تعطى لجنود القذافي كي يغتصبوا النساء. في الحالتين ليس مؤكدا بأن هذا صحيح. كما أن التقارير الكاذبة عن اعتقال سيف الاسلام لم تساهم في مصداقية الثوار.

 

        من سيتمتع بالنفط؟

        الكثيرون يرون وجه شبه بين ليبيا والعراق: ارهاب يمكنه ان يتفاقم، سيطرة على النفط الليبي وخوف من الفوضى مثلما في العراق ما بعد الحرب.

        من سيتمتع بالنفط الليبي؟ الاقتصاد الليبي متعلق على نحو شبه تام بتصدير النفط، الذي يشكل 95 في المائة من مداخيل الدولة. ولا تصدر ليبيا إلا النفط فيما تستورد كل ما يتبقى، بما في ذلك المنتجات الغذائية. لليبيا مخزونات من النفط هي الاكبر في افريقيا (المكان الثامن في العالم) دون أن تجتهد الدولة على الاطلاق في أن تستغل حتى النهاية طاقاتها النفطية. اضافة الى ذلك، يوجد لليبيا ايضا مخزونات كبيرة من الغاز. في 2010 كانت ليبيا موردة النفط الثالثة لاوروبا.

        الامر الاول الذي ستفعله الحكومة الجديدة سيكون اعادة استقرار صناعة النفط. ولا غرو أن 30 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا والمانيا، سارعت الى الاعتراف بالمجلس المؤقت الجديد. لا أحد يرغب في اضاعة عقود نفطية سمينة. وحسب التقدير، فان الغرب بالذات سيربح من عقود النفط الجديدة، كون الناتو أيد الثوار مقابل روسيا والصين اللتين عارضتا الهجوم.

        ليبيا لا تحتاج الى المال: لديها احتياطات بمبلغ 150 مليار دولار بالعملة الاجنبية. البنك العالمي منح علامات تقدير جيدة لليبيا القذافي حتى في التعليم. 98 في المائة من الاطفال يذهبون الى المدارس الابتدائية و46 في المائة الى الثانوية.

        واذا كان هكذا، فان التحدي الاكبر للمجلس المؤقت هو بناء بنى تحتية ومؤسسات. والمفارقة هي انه بالذات في عصر الديمقراطية ستكون الامور أكثر تعقيدا بكثير. فقد أُديرت ليبيا كالامارات: عائلة واحدة تحتفظ بالمال وتقرر. الآن من المتوقع لاصحاب المصالح أن يتنازعوا على مصدر الدخل رقم 1 – النفط.

        ولعل هذا هو السبب للتخوف من ان ليبيا ستصبح العراق الثاني. فالناتو يسعى الى بذل كل جهد مستطاع كي يعود النظام الى حاله بسرعة. فكيف تُمنع الفوضى دون قوات على الارض؟ سؤال غير بسيط.

        لا أحد يعرف ماذا سيحصل في ليبيا، ولكن الاسرة الدولية تعرف ما لا تريد – الفوضى التي تخدم فرع القاعدة في المغرب.

        الانتصار على القذافي وإن كان يعزى للثوار، ولكن بدون المساعدة من الناتو، من المعقول الافتراض بأن القذافي كان سيسيطر على المقاومة حتى بثمن إبادة بنغازي.

        الغرب اليوم مجند في كل ما يتعلق باعادة بناء ليبيا. أحد أهداف الغرب هو منع حمام دماء واعمال انتقام في الدولة. في هذه الاثناء، عدد ضحايا الحرب الأهلية ليس واضحا. ثمة من يدعي بأنه يبلغ الآلاف. آخرون يدعون بأنه عشرات الآلآف.

        ولكن مثلما هو الحال دوما بعد الحرب، سيكون من الصعب بناء السلام. باريس، التي كانت الاولى التي اعترفت بحكومة الثوار، تسعى الى أن تعقد في الاسبوع القادم لقاء قمة في موضوع ليبيا يقرر "خريطة الطريق ما بعد عصر القذافي". وذلك بالتوازي مع مبادرة الدبلوماسية الفرنسية لازالة كل العقوبات ضد ليبيا في الامم المتحدة. من الصعب التصديق أن ذات فرنسا إياها، تحت حكم ساركوزي إياه، هي التي منحت لذات القذافي شرف الملوك لدى زيارته في 2007. بالمناسبة، ساركوزي سارع هذا الاسبوع الى ان يستضيف في قصر الاليزيه الرقم 2 في المجلس المؤقت، محمود جبريل.

        كل مساعدة غربية للمجلس المؤقت – اقتصادية، عسكرية أو سياسية – يجب ان تأتي فقط بعد طلب رسمي من المجلس المؤقت. الطلب الاول وصل هذا الاسبوع الى باريس عندما طلب مندوب المجلس المساعدة في بناء الديمقراطية، ربما كي يجسد كم سيكون هذا صعبا، وقد تمكن عبد الجليل نفسه من التهديد بالاستقالة في ضوء سلوك بعض من اعضاء المجلس.

 

        اللقاء مع الطاغية

        هذا الاسبوع تابعت الصور في باب العزيزية، اعمال السلب والنهب وتحطيم تمثال الرجل الذي أدار بلاده بيد من عليا. في 2003 في تونس صدف لي أن التقيت القذافي، بل وتبادلت معه بضع كلمات. سألت اذا كان لا يزال يتبنى فكرة "يسراطين" – دولة موحدة لاسرائيل ولفلسطين، للشعبين، الاسرائيلي والفلسطيني. فأجابني جوابا غريبا: "زمن السلاح خلفنا".

        بعد بضع ساعات من نشر المقابلة، على نحو مصادف جدا، سمعت من غرفة الفندق في عمان طوني بلير يكشف للعالم الاتفاق السري الذي تخلى فيه القذافي عن السلاح النووي. لم استطع أن أمنع نفسي من أن اشكر في قلبي القذافي الذي منحني سبقا صحفيا لم أحلم به.

        في وقت لاحق حرص القذافي على أن ينغص حياتي. في 2004 عند تعييني سفيرا في موريتانيا بذل القذافي كل جهد مستطاع كي تقطع موريتانيا علاقاتها مع اسرائيل، بل إن القذافي قطع كل علاقة له مع موريتانيا.

        عندما صعد الحكم الجديد في موريتانيا وقطع العلاقات مع اسرائيل في أعقاب "رصاص مصبوب"، بدأ القذافي في قصة غرام علنية مع موريتانيا. فضلا عن ذلك، فان مكتب سفير اسرائيل أصبح مكتب جمعية نجل القذافي، سيف الاسلام.

        لا ريب أن القذافي وفر لي فصلا مشوقا في حياتي. الراحة كصحفي – وبالمقابل، الموت كسفير.