خبر الجائزة الكبرى- يديعوت

الساعة 09:35 ص|28 أغسطس 2011

الجائزة الكبرى- يديعوت

بقلم: تسور شيزاف

في الصباح التالي طرابلس هادئة. مجرد عيارات نارية هنا وهناك، وبين الحين والآخر انفجار يُسمع كقذيفة دبابة. الشوارع مليئة بالقمامة. بقايا سيارات محروقة على قارعة الطريق. المحلات مغلقة ولا يمكن حتى ايجاد مطعم واحد مفتوح.

نقطع المدينة في طريقنا الى فندق "كورنيتيا" الذي يطل على البحر والساحة الخضراء. في منتصف الشارع نصب الثوار حاجز مُعد على عجل، من حاويات القمامة والصخور وغيرها من الحاجيات. شباب مسلحون ببنادق هجومية وبمدافع رشاشة يوقفون سيارتنا لفحصها.

في المتنزه المقابل للميناء تمر سيارات تندر محملة بالناس. فوقها ترفرف أعلام ليبيا الحرة وتعلوها يافطات تُبين أنها تنتمي الى قوات الثورة وليس الى قوات الحاكم الفار. جماعات جماعات من الثوار بالنظارات الشمسية وبالقبعات يلوحون ببنادق كلاشينكوف على سبيل القول: أنظروا الينا.

فقد جاءوا الى هنا من كل أرجاء ليبيا: من مسراطة، من زيتان، من تتوان. بعد نصف سنة من القتال، بمساعدة مكثفة من طائرات الناتو، تحولوا من مطارَدين الى مطارِدين. والآن يسافرون في شوارع المدينة المحررة، منتشين بالنصر وكأن كل مشاكل ليبيا حُلت في اللحظة التي حطموا فيها التمثال المذهب لمعمر القذافي في قلعة باب العزيزية.

أمام شاطيء البحر توجد الساحة الخضراء. وهي تسمى من الآن فصاعدا "ساحة الثورة". من الجانب الجنوبي تقف القلعة التي من على أسوارها ألقى القذافي خطاباته. في قلب الساحة توجد رافعات حديدية. ويشرح لنا سليمان الذي جاء الى هنا من مدينة مسراطة قائلا "ان القذافي أقام هذه كي يعلق صورة ضخمة له استفزازا لطائرات الناتو ولكنه لم يتمكن من ذلك". والآن صورة القذافي ملقية على الارض محطمة وممزقة ومحترقة، وبينما نتحدث نحن مع سليمان تندفع الى الساحة سيارة تندر للثوار لتسير جيئة وذهابا على بقايا الصورة. المزيد من السيارات تنضم الى الاحتفال وينزل منها رجال مسلحون، يرفعون شارات النصر ويهتفون "الله أكبر" وعندها تبدأ رصاصات الفرح، فتمتليء الساحة ببقايا الرصاص.

من هناك نسافر الى المستشفى في شارع الزاوية. في غرفة العناية المكثفة يوجد عشرات الجرحى من معارك الايام السابقة. جرحى آخرون يستلقون في الأروقة. بعضهم يصرخ ألما، بعضهم الآخر فاقد الوعي. الاطباء والممرضات يبدون عديمي الوسيلة بينما يتدفق المزيد فالمزيد من الجرحى يحملهم مقاتلون مسلحون. "كان هذا ببساطة مشهد من الجحيم"، هكذا يستعيد الدكتور محجوب ريشي، أحد الجراحين في المستشفى، ذكرى الساعات الاولى بعد سقوط طرابلس. "وصل الى هنا مئات الجرحى. كنا بحاجة الى ست طواقم طواريء للتصدي لكمية الجرحى ولكن كان هنا ما يكفي من اطباء لفريق واحد فقط. الكثير جدا من المرضى والجرحى ببساطة توفوا هنا لانه لم يوجد من يقدم لهم العلاج".

السجانون فروا

عبد الكريم، شاب في اوائل الثلاثينيات من عمره، أصيب بساقه قبل نحو عشرة ايام، حين بدأ الثور يحاصرون طرابلس. "خرجنا من المسجد وانضممنا الى مجموعة المتظاهرين"، روى للصحفيين الذين يحيطون بسريره في المستشفى. "هتفنا نحو الشرطة: القذافي عدو الله، وعندها فتحوا النار علينا". عبد الكريم وبعض من رفاقه اعتقلوا وزجوا في السجن. لستة ايام بقي خلف القضبان دون ان يكلف أحد نفسه عناء فحص الجرح في ساقه. يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع اقتحم الثوار السجن وحرروه هو وبضع عشرات آخرين من السجناء. أما السجانون أنفسهم فقد فروا واختفوا.

فضل، جندي شاب من القوى الموالية للقذافي، يعالج هنا منذ بضعة اسابيع. فقد أصيب بشظية في القسم العلوي من جسده في معركة مع الثوار في مسراطة. "قبل ذلك لم يكن لدي رأي في القذافي، ولكني أعرف بأني أكرهه الآن"، يروي الجندي المفزوع. وهو يصر المرة تلو الاخرى بأنه لم يرغب أبدا في الانضمام الى جيش القذافي، وأنه فعل ذلك لانهم أجبروه على ذلك.

أحد الثوار، يدعى شريف، يقودنا الى غرفة الموتى. عندما ندخل تصدر رائحة الموت بكامل شدتها. فالغرفة مليئة بالجثث: في الثلاجات وعلى الطاولات وحتى على الارضية. في يوم واحد من المعارك قتل نحو مائة شخص، كما يروي لنا الاطباء. اكثر من 450 قتلوا في الايام الاخيرة. ولا أحد يعرف كم بالضبط قتل منذ بداية الثورة.

حول باب العزيزية، معقل القذافي الذي سقط يوم الثلاثاء في ايدي الثوار، تسمع اصوات عيارات القناصة. لا يزال في طرابلس جيوب مقومة للموالين للقذافي. فقد اختفى الحاكم الذي يحب العباءات وكأنه لم يكن ولكن غير قليل من الناس لا يزالون يخافون ان يعود. الحكومة الانتقالية للثوار، التي يقودها القاضي مصطفى عبدالجليل، عرضت العفو عن رجال القذافي الذين يتوقفون عن القتال، وجائزة 1.7 مليون دولار لمن يساعد في القبض على القذافي.

ولكن الى ان ينال أحد ما الجائزة الكبرى، فان سكان ليبيا منشغلون بمسألة من اين سيحصلون على الوقود لسياراتهم. مصافي البترول ومحطات النفط معطلة. ثمن البنزين تضاعف من ثلاثة دنانير (نحو دولارين) الى مائة دينار لقاء عبوة من عشرين لترا. الكهرباء مقننة، وفقط في الفنادق الكبرى المزودة بالمولدات توجد كهرباء على مدى ساعات اليوم. حورشات، صحفي تركي شاب كان على سفينة مرمرة وقضى يومين في السجن في بئر السبع، يروي بان رفاقه الاتراك اعتقلوا في الطريق الى طرابلس على ايدي سارقين ارادوا انتزاع معدات التصوير منهم ولكنهم اكتفوا في النهاية بعبوات مليئة بالوقود كانت تحملها السيارات كي لا تعلق في الطرق الطويلة التي بين معبر الحدود والعاصمة. وحول الاتراك وجهتهم فعادوا الى تونس إذ لم يخاطروا بالسفر الى طرابلس. أما نحن فلم يحصل معنا هذا. الـ 250كم التي تفصل بين معبر الحدود مع تونس وبين طرابلس قطعناها في قافلة من عشر سيارات ترافقنا سيارة تندر من الثوار المسلحين. ولكن في ليبيا اليوم لا يكفي المرء ان يكون حذرا. فهو يحتاج الى بعض الحظ ايضا.

السفر في أرجاء العاصمة كانت تجربة مضنية. في كل بضعة مئات من الامتار نصطدم بحاجز معد على عجل. بعض الحواجز اقامها الثوار والبعض الاخر اقامها السكان انفسهم. والى جانب احد الحواجز يجلس اعضاء ميليشيا مسلحون على اريكة فاخرة من الجلد. فقد أخذوها من احدى الفيلل المهجورة في نهاية الشارع، حيث سكنت حتى وقت أخير مضى عائلة من الموالين للقذافي فرت من المدينة.

محمد، مهندس برمجة حاسوب في مهنته، هو من ميليشيا الاحياء التي تحرس الشوارع المجاورة لبيته. وهو يقول ان "الكل هنا مسلح. أرى أطفالا ابناء 11 – 12 مع بنادق كلاشينكوف. وهم يفعلون ذلك للدفاع عن عائلاتهم". ويعد محمد بانه ما أن يعود الهدوء حتى يعود هو وباقي سكان الحي لنقل السلاح الى السلطات المختصة، وليكن ما يكون.

في أحد الحواجز يقف معيد الندامي، يلبس بدلة فاخرة حصل عليها في اثناء السلب والنهب الجماهيري لمنزل القذافي. "لم يسبق أن كانت لي بدلة كهذه"، يقول ويلوح بفخار بمسدس وجده هناك أيضا. "كان لدى القذافي الكثير من الاشياء الغالية. أفترض أنه أنفق كل أموالنا على الحفلات وعلى البنادق"، قد الندامي الذي في الايام العادية يعمل كطبيب أسنان، اما الان فهو يحرس حاجز معد على عجل وهو مسلح بمسدس قد يكون يعود للقذافي بعظمته.

يحققون المكاسب

الاحساس بالنصر لدى الثوار اجتاز البحر المتوسط ووصل حتى اوروبا والولايات المتحدة. "سيداتي سادتي"، أعلن الرئيس نيكولا ساركوي بصوت رسمي مع وصول رئيس حكومة المجلس الوطني المؤقت لليبيا محمود جبريل الى باريس هذا الاسبوع، "بودي أن ارحب بمحمود جبريل رئيس حكومة ليبيا الحرة ووفده". بعد ذلك ذكّر ساركوزي الجميع بمن أيد منذ البداية الحكم المؤقت الجديد لليبيا: "شرف عظيم لفرنسا أن اختارت، منذ شهر اذار الماضي، الثقة برئيس الوزراء جبريل".

وكان ساركوزي الزعيم الغربي الاول الذي طلب من القذافي التخلي عن منصبه في شباط، الاول الذي اعترف بمجلس الثوار والاول الذي بعث بالسفير الى بنغازي. يوم الاربعاء بعد الظهر، عندما كان القذافي لا يزال يتجول حرا، كان ساركوزي ايضا هو اول من رحب بجبريل وجها لوجه.

ساركوزي عمل لساعات اضافية الى جانب رئيس وزراء بريطانيا دافيد كمرون في اقناع الاسرة الدولية بالحاجة الى عملية عسكرية، والان يحاولان قطف الثمار على الرهان الخطير الذي أخذا به. الزعيمان سعيا الى هجوم عسكري في ليبيا على خلفية مشابهة: كلاهما زعيمان لحزبين يمينيين في دولتيهما، وكلاهما كانا يسعدهما أن يغمزا قاعدة المحافظين في حزبيهما مع بدء الهجوم.

بالنسبة لساركوزي، هذا الحسم هام على نحو خاص الان – قبل اقل من سنة على الانتخابات الرئاسية في فرنسا. فقد اجتهد ساركوزي في اثناء السنة الاخيرة على التقرب من القاعدة اليمينية في حزبه، مثلما في تأييده لقانون البرقع. نجاح الهجوم في ليبيا، الذي بدأ بغارات طائرات ميراج – عزة فرنسا – تسمح له بجني المكاسب السياسية. ساركوزي، الذي أعلن هذا الاسبوع بان فرنسا ستعقد في بداية ايلول مؤتمرا دوليا يعنى بمساعدة الحكومة الليبية الجديدة، معني بان يتصدر تصميم ليبيا الجديدة. فقد قال: "نحن مستعدون لمواصلة الهجومات العسكرية طالما يحتاج اصدقاؤنا الليبيون الى مساعدتنا".

ومقابل ساركوزي، فان رئيس الوزراء كمرون لا يوشك قريبا على الدخول في انتخابات ولكن هو الاخر تمتع بثمار النجاح العسكري في ليبيا. وهكذا أثبت كمرون بانه لا يتردد في استغلال ازمة وطنية كي يكسر يمينا. كمرون كان بين اوائل المهنئين باحتلال طرابلس ويبدو أنه سيواصل ذكر مساهمته في الهجوم في محاولة لتثبيت نفسه كزعيم محافظ وقوي، على خلفية قضية "نيوز أوف ذا وورلد" واضطرابات الزعران في بلاده.

مثل كمرون وساركوزي، راهن الرئيس الامريكي براك اوباما ايضا على مكانته السياسية حين دفع باتجاه الهجوم الجوي في ليبيا. ولكن مقابل الزملاء من اوروبا، لم يفعل اوباما ذلك بشغف. تردد غير صغير كان للرئيس اوباما قبل أن يصدر ضوء أخضر للجيش الامريكي ويسمح له بالمشاركة في الهجوم على قوات القذافي قرب بنغازي. ثلاث نساء ذات رأي وقفن عندها امامه وطالبن بالتدخل الفوري لمنع قتل شعب: هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، سوزان رايس السفيرة في الامم المتحدة وسمانتا باور مستشارته السياسية.

عندما تبين أن الثوار نجحوا في السيطرة على اجزاء واسعة من طرابلس، بل ودخلوا الى حصن القذافي مع عائلته، تفرغ اوباما لبضع دقائق من اجازته في مارتهس فينيارد وهنأ الشعب الليبي على الانجاز امام الكاميرات. وقال: "بتفان أثبتم ان بوسعكم تحقيق ليبيا كما كنتم تريدون". من جهة، لا يمكن لاحد أن يتهمه بانه ورط بلاده في حرب زائدة اخرى، ومن جهة اخرى، لا يمكن لاحد أن يغضب عليه لانه وقف جانبا يشاهد المذبحة وهو صامت.

وعندها كل شيء ينهار

وبينما يحاول زعماء الغرب ترجمة الثورة الى مكسب سياسي، فان اصحاب الفنادق الكبرى في ليبيا يترجمونها الى مال. مئات الصحفيين يتدفقون الى طرابلس عبر الحدود التي يسيطر عليها رجال ليبيا الحرة. شبكات التلفزيون الكبرى والصحف الهامة استأجرت غرفا في الفنادق على شاطىء البحر في طرابلس. وقد دفعوا مئات الدولارات للسواقين المحليين ليأخذوهم من معبر الحدود الى المدينة. والاف اخرى من الدولارات لكل غرفة.

اليوم التالي للاحتلال في باب العزيزية نجد طرابلس هادئة نسبيا. ولكن هذا هدوء وهمي. فقد نواجه في كل لحظة رصاصة من قناص. الحرب الاهلية لم تنتهي بعد والثورة لم تستكمل. في مدخل الفندق القى أحد ما بصورة القذافي بحيث كل من يدخل ويخرج يدوس عليها. غير بعيد عن الفندق، في احد الشوارع التي تنزل الى خليج طرابلس الجميل، بسط الثوار صورة للقذافي كي تدوسها السيارات. وعلى صندوق القمامة المجاور توجد صورة اخرى للعقيد الفار. رجل كبير السن توجه الى الصورة زق اصبعا في عين القذافي والقى بالصورة الممزقة الى القمامة امام الكاميرات. انتهى عهد.