جرائم الإعدام "قصص" مروعة في سجل الطاغية معمر القذافي
فلسطين اليوم-وكالات
بعد انطلاق أذان العصر بدقائق قليلة، وأثناء الاستعداد والتجهيز للإفطار الرمضاني، والجميع في ليبيا يحتفل إما مع أسرته أو أصدقائه بروحانيات هذا الزائر السنوي، لكن الرئيس القذافي يأتي دائماً بما لا يشتهيه الشعب الليبي، فبأوامر من قائد الثورة الليبية أو معمر القذافي بدأ البث التليفزيوني «المباشر» لمحاكمة شاب ثلاثيني، يدعى الصادق الشويهدى، وهو يجلس أمام مجموعة من الأفراد يوجهون إليه تهماً بخيانة البلاد والتحريض على قلب نظام الحكم.
تابع الشعب المحاكمة والشاب يدافع عن نفسه، وبعد لحظات فتح الباب الرئيسي للصالة المغطاة بالمدينة الرياضية بمدينة بنغازي، ودخلت مشنقة تجرها مجموعة من الأفراد يرتدون ملابس زيتية اللون تشير إلى انتمائهم للجان الثورية، نظر إليها الشاب وعرف مصيره، نظر إلى الأفراد وطلب منهم رؤية والدته أكثر من مرة، ولكن دون استجابة، وبعد تجاهل طلبه تقدم نحو المشنقة واعتلى الكرسي، بعد وضع كيس أسود حول رقبته، ثم جاءت امرأة تدعى هدى بن عامر، وركلت الكرسي بقوة ليتدلى الشاب وسط تصفيق وهتافات قائد الثورة الليبية.
الجميع يصفق ويهتف لقائد الثورة، والشاب مازال على قيد الحياة يلتقط أنفاسه، نظرت إليه هدى بن عامر، الفتاة المدللة للرئيس القذافي، كما يطلق عليها أهالي بنغازي، وعلامات الدهشة ترتسم على وجهها، قفزت الفتاة وتعلقت بأرجل الشاب وجذبته إلى أسفل، لم يمت الشاب ومازال يلتقط أنفاسه، حمله رجال اللجان الثورية وتوجهوا به إلى المستشفى، والشاب مازال يلتقط أنفاسه، حقنوه بمادة مسممة، والشاب مازال يلتقط أنفاسه، ففتحوا فمه ووضعوا فيه جورباً وبه رمال، هنا انقطعت أنفاس الشاب ولقي حتفه وهو يدافع عن اعتقاده بحق الشعب الليبي في حكم بلاده.
قصة الشاب الشويهدى، واحدة من بين أشهر قصص الإعدام التي تمت علناً خلال حكم الرئيس القذافي، وتعود شهرتها ليس فقط لبثها عبر القنوات الليبية الرسمية وقتئذ، وإنما إلى تنفيذها خلال شهر رمضان الكريم، هكذا قال لنا أخوه إبراهيم الشويهدى، الذي استقبلنا في منزله وقص علينا حكاية أخيه وسبب إعدامه من قِبَل الرئيس القذافي.
الشويهدى يقول: «تم إلقاء القبض على أخي يوم عيد ميلاده في ١٥ مايو ١٩٨٤، بناء على العمليات التي قام بها هو ومجموعة من زملائه الفدائيين الليبيين المنضمين إلى تنظيم يدعى جبهة إنقاذ ليبيا، وكان الهدف منها هو اغتيال الرئيس القذافى، وسميت في ذلك الوقت بأحداث باب العزيزية».
الشويهدى يضيف: «بعد فشل العملية تمكن بعض الشباب من الهرب، فيما تم اغتيال بعضهم والقبض على البعض الآخر وكان من بينهم أخي، الذي نفذ فيه حكم الإعدام في شهر رمضان، دون مراعاة حرمة هذا الشهر الكريم، ورغم أنه لم يسمح له بالدفاع عن نفسه وتم تنفيذ حكم الإعدام عليه دون أن يموت، فقد تم قتله على أيدي اللجان الثورية في المستشفى دون رحمة»، لافتاً إلى أن أخاه انضم إلى الجبهة أثناء دراسته الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حضر عدداً من المؤتمرات لمنظمات سياسية معارضة لنظام القذافي.
لم يكن الصادق الشويهدى وحده هو الذي تعرض لعملية شنق أو إعدام في ساحة عامة، فالإعدام بالنسبة للرئيس القذافي أمر عادى ومباح ضد أي شخص ليبي له رأى سياسي معارض لرأى قائد الثورة الليبية، بحسب كلام الشيخ على المغربي، أحد الشهود العيان على حادث إعدام طلاب داخل جامعة قاريونس في مدينة بنغازي.
يعود المغربي بذاكرته إلى عام ١٩٨٤ عندما كان طالباً في السنة النهائية بكلية الآداب، حيث استيقظ المغربي من نومه وتوجه إلى الجامعة كعادته، ولكنه وجد حركة غير عادية في الجامعة، وصفها لنا بالغريبة، فالأمن مستنفر في كل مكان وهناك دعوات للطلبة بالتوجه إلى مدرج ٧ أبريل.
توجه المغربي إلى المدرج مثله مثل العشرات من زملائه لمعرفة أسباب الدعوة للمدرج، فوجد عرضاً لمقطع فيديو يستعرض محاكمة وإعدام طالبين في جامعة الفاتح في طرابلس، أحدهما كان يدعى، باسل الكعبار، فسر سبب إقدامه على عملية اغتيال الرئيس القذافي، قائلاً للمحقق، كما جاء على لسان المغربي: «كنت داعماً ومؤيداً لمبادئ الثورة الليبية حتى التقيت الرئيس القذافي مع بعض زملائي من أعضاء اللجان الثورية في منطقة سبها ودار بيننا وبينه حوار لم أتمكن من إدراكه يتلخص في نقاط ثلاث هي وصف القذافي نفسه بأنه محمد الرسول وأننا الصحابة بعدها تطرق إلى القرآن الكريم والكتاب الأخضر وقال لنا أنه إذا تعارض الكتاب الأخضر مع القرآن الكريم، فإننا نلتزم بما جاء في الكتاب الأخضر، أما النقطة الثالثة فهي إذا تعارضت مصلحة الثورة مع مصالح أبيك وأمك فغلب مصالح ومبادئ الثورة الليبية».
وبعد انتهاء الشاب من حديثه، ومازال الحديث على لسان المغربي، تم إعدامه في ساحة جامعة الفاتح، وبعدها تم حشدنا أمام كلية القانون بالجامعة وترددت أنباء عن إعدام طلاب في جامعتنا قاريونس، لم نصدق في البداية واعتقدنا أنها شائعة، ولكننا فوجئنا بوجود مشنقة أمام كلية القانون، بعدها بلحظات قلائل دخلت علينا مجموعة من السيارات منها سيارة للمساجين، ونزل منها شاب في منتصف العشرينيات من العمر، ثم جاء رجل ممسكاً بورقة وبدأ يتلو الحكم، وكان الشاب يدعى رمضان أحمد مصطفى النويرى.
الاتهامات الموجهة للشاب من قِبَل القذافي، هي انضمامه لحزب محظور وهو حزب البعث وأنه سافر أكثر من مرة إلى العراق، والتقى مؤسس الحزب في البلاد وهو ميشيل عفلق، وأنه تم إلقاء القبض عليه أكثر من مرة وتعهد بترك الحزب إلا أنه لم يف بوعوده، لذلك فإن المحكمة حكمت عليه بالإعدام حتى الموت، وتقدم الشاب إلى المشنقة وتم تنفيذ الحكم إلا أنه ظل يتنفس ما يقرب من ١٢ دقيقة، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
حالات الاغتيال التي أمر بتنفيذها الرئيس القذافي لم تتوقف فقط على المدنيين من الطلاب أو المثقفين أو المنضمين إلى أحزاب معارضة، وإنما جاءت أيضاً من داخل العسكريين أنفسهم، وهو ما حدث مع النقيب أحمد على بن سعود، آمر المنطقة العسكرية بمدينة طبرق، أحد الضباط الأحرار المشاركين في ثورة الفاتح مع الرئيس القذافي، حيث قرر هو ومجموعة من زملائه الإطاحة بالقذافي بعدما رأوه من ممارسات سياسية جاءت ضد مبادئ الثورة الليبية التي خرجوا من أجلها، بحسب كلام نجله على بن سعود، الذي خرج عن صمته لأول مرة، قائلاً: «زمان كنا لا نستطيع أن نتحدث عما حدث لأبى وكنا نخاف أن يعرف المحيطون بنا أن والدنا تم شنقه من قبل القذافي حتى لا يبعدوا عنا ويتجاهلونا، خوفاً من أن يتعرضوا لمشاكل بسببنا».