تبنى لكَ بدويا- هآرتس
بقلم: تسفي بارئيل
(المضمون: مصر تتخذ جانب الحذر من اتهام البدو في العمليات على طريق ايلات، ولكن اختبارها الحقيقي يوجد في تعطيل حالة عداء طويلة المدى معهم، وبتبنيهم كمواطنين متساوي الحقوق يمكنهم ان يساهموا في الامن القومي في شبه جزيرة سيناء - المصدر).
بيان الحكومة المصرية الذي نشر فجر يوم السبت في وسائل الاعلام العربية – ذاك الذي بشر بقرار اعادة السفير المصري من اسرائيل وبعد ذلك الغي – يتضمن ايضا بندا عن البدو في سيناء. "ستتشكل لجنة حكومية خاصة، تشارك فيها كل الوزارات الحكومية، لاقامة جهاز لتطوير عام لسيناء. هذا الجهاز سيشرف على كل مجالات التنمية والازدهار، في المستوى السياسي، الاجتماعي والاقتصادي ويعمل على حل مشاكل البدو... وذلك انطلاقا من الاعتراف بان عملية التنمية في سيناء هي خط الدفاع الاول في وجه المؤامرات الاقليمية التي ستتصدى مصر لها بكل التصميم". اصبع الاتهام المصري ليس موجها هذه المرة لاسرائيل، بل لايران، الصومال والتنظيمات في غزة المرتبطة بالقاعدة والتي اقامت مراكز تدريب ومخازن سلاح في سيناء.
الاعتراف في أن اهمال البدو في سيناء في عهد حسني مبارك مس بالامن القومي، يوجد له بالفعل معنى استراتيجي. ولكن معالجة مشاكلهم واعادة بناء الوضع الاقتصادي لنحو 360 الف بدوي من سكان شبه جزيرة سيناء ليستا مهمتين بسيطتين. فاعلان النوايا الطيبة كان ايضا في عهد مبارك. حين أعلن باحتفالية عن خطة اقامة نحو 80 قرية بدوية جديدة، تقام فيها مصانع، ولكن شيئا لم يحصل.
التقرير عن وضع البدو في سيناء، الذي نشره في العام 2007 المعهد الدولي لبحوث النزاعات، قضى بانهم مبعدون من قبل الحكومة عن كل نشاط سياحي. وبدلا من ذلك فانها تشجع المواطنين من المدن المصرية للانتقال للعمل في السياحة في شبه الجزيرة في محاولة لحل قسم من مشاكل العمالة العسيرة داخل الدولة. منذ 2001 لم تقم في سيناء مشاريع صناعية، وفي المصانع القائمة لا يعمل اكثر من 5 الاف عامل.
وحسب التقرير يعتبر البدو متعاونين مع اسرائيل، او على الاقل ليسوا موالين للدولة المصرية. في المدارس البائسة في سيناء يتعلم البدو التراث الفرعوني، وعندما يطالب التلاميذ بتعلم تراثهم، يستدعي المعلمون الاهالي للاستفسار والحديث.
كما اتهمت السلطات المصرية البدو بالمسؤولية عن العمليات في شواطىء سيناء في اعوام 2004 – 2006، وفي اعقاب ذلك تحول شمال سيناء الى منطقة عسكرية بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى. قرابة 3 الاف بدوي اعتقلوا وبقوا لزمن طويل في السجن دون محاكمة؛ الحواجز على الطرق جعلت عبور البضائع والاشخاص من منطقة الى اخرى صعبا، والتفتيشات من بيت الى بيت، بما في ذلك المس بالنساء، طورت ثقافة نفور وكراهية للحكم المصري. اضافة الى ذلك بدأت الحكومة المصرية باقامة جدار أمني حول الفنادق في شرم الشيخ كحماية ضد "غزو البدو" المواقع السياحية التي يسيطر عليها مواطنون مصريون من القاهرة.
في آذار من هذا العام بدأ البدو في جنوب سيناء سلسلة اعتصامات في منشآت قوة الرقابة الدولية التي تشكلت في أعقاب اتفاقات كامب ديفيد وطالبوا برفع رواتبهم لتتساوى مع الرواتب التي تدفع لمواطنين مصريين آخرين. وعرضوا على الصحفيين معطيات تفيد بانهم يكسبون بين 400 و 1000 جنيه مصري بينما العاملون المصريون والاجانب يكسبون 10 – 12 الف جنيه في الشهر. كما طالبوا بنقل مبارك وابناء عائلته من شرم الشيخ الى القاهرة، بدعوى ان وجودهم هناك والحراسة العسكرية المشددة عليهم تمس جدا بصناعة السياحة وبرزقهم.
والاغلاق الاسرائيلي على غزة بالذات أدى الى بعض التحسن في الوضع الاقتصادي: صناعة الانفاق خلقت طبقة جديدة من "مدراء الانفاق" البدو، الذين اغتنوا من التهريب. ارباب المال هؤلاء أدوا أيضا دور الدولة. فقد حرصوا على جلب أطباء الى القبائل، تطوير جهاز تعليم واقامة مؤسسات رفاه وزعت المال على المحتاجين. والى الفراغ الحكومي هذا دخلت بشكل طبيعي ايضا منظمات متطرفة، عرضت مساعدات مباشرة مقابل التعاون في تهريب السلاح لرجالهم في غزة او لتنفيذ عمليات ضد ممثلي الحكومة. وحسب احدى برقيات ويكيليكس أعرب وزير المخابرات المصرية السابق، عمر سليمان عن تخوفه من مخططات ايرانية لتجنيد البدو في خدمة حماس.
الحكومة المصرية في عهد مبارك حاولت بين الحين والاخر عقد لقاءات مصالحة مع البدو والوصول معهم الى اتفاقات عن التعاون ضد المنظمات المتطرفة، ولكن بالمقابل، تقدمت أساسا بوعود لتحسين الوضع الاقتصادي، دون أن يتم الكثير. اما النظام الجديد الذي قام بعد الثورة في كانون الثاني من هذا العام فقد بدأ هو ايضا بسلسلة اتصالات تصريحية، وفي خطوة رمزية حل رئيس الوزراء عصام شرف في نيسان ضيفا على رؤساء القبائل في جنوب سيناء، تناول الطعام معهم بتغطية اعلامية ووعد بفتح صفحة جديدة في العلاقات معهم والاستجابة لمطالبهم. وأعلن شرف الذي حمل معه رسالة تمنيات طيبة من رئيس المجلس العسكري الاعلى حسين طنطاوي قائلا: "جئت اليكم كي نأكل معا خبزا وملحا".
بعد وقت قصير من الزيارة نفذت العملية في انبوب الغاز في شمال سيناء. بعد اشهر من ذلك تضرر انبوب الغاز مرة اخرى، ومحطة الشرطة في العريش تعرضت للاعتداء من قبل مسلحين، بمن فيهم بدو. ومع ان الحكومة المصرية اشارت الى نشطاء فلسطينيين من غزة بانهم هم المسؤولون عن هذه العمليات، الا ان قوات الامن المصرية شرعت بهجوم على البدو بالذات.
مصر تتخذ جانب الحذر من اتهام البدو في العمليات على طريق ايلات، ولكن اختبارها الحقيقي يوجد في تعطيل حالة عداء طويلة المدى معهم، وبتبنيهم كمواطنين متساوي الحقوق يمكنهم ان يساهموا في الامن القومي في شبه جزيرة سيناء.