خبر مغزى عودة التوتر لمثلث سيناء إيلات غزة ..محمود الريماوي

الساعة 08:19 ص|22 أغسطس 2011

مغزى عودة التوتر لمثلث سيناء إيلات غزة  ..محمود الريماوي

تنبع أهمية العمليات التي شهدتها منطقة إيلات الخميس الماضي 18 أغسطس/آب الجاري، في ما كان ينبغي أن يرافقها من تذكير بالحصار الذي ما فتئ قطاع غزة يتعرض له جواً وبحراً، وفي نقاط الاتصال البرية مع الضفة الغربية المحتلة.

 

كان يفترض أن النتائج السياسية تفوق في أهميتها حصاد هذه العمليات التي شملت في وقت لاحق استشهاد عدد من قادة المقاومة الشعبية في قطاع غزة. لم تنل هذه العمليات غطاء سياسياً يضيء على واقع الحصار الذي يتعرض له القطاع، ما ينفي خروج الاحتلال نهائياً، وليس معلوماً علاوة على ذلك كيف أمكن للقوة الضاربة للاحتلال، استهداف نحو خمسة من القادة الميدانيين في وقت واحد وخلال أمد زمني قصير، ما يدلل في جميع الأحوال على خلل أمني جسيم أودى بهؤلاء القادة، الأمر الذي جعل تطورات نهاية الأسبوع تبدو كتطورات دامية في أعين كثيرين، وليس كسراً للمعادلة الجائرة القائمة كما ينبغي أن يكون عليه الأمر.

 

يسترعي الانتباه أن هذه التطورات وقعت في وقت تقوم فيه السلطات المصرية بحملات في سيناء ضد منظمات أصولية. هذه الحملة وصفها البعض بأنها تتيح واقعياً عودة السيادة المصرية إلى المنطقة، بعدما قيدت اتفاقية كامب ديفيد الوجود العسكري المصري فيها. في تلك الأثناء أفادت سلطات الاحتلال أن مقاتلين فلسطينيين قد انتقلوا من قطاع غزة إلى سيناء ثم إلى إيلات وقاموا بعملياتهم هناك، وذلك من دون تعقيب فوري من السلطات المصرية. وأعقب ذلك ما بثته "قناة الجزيرة" منتصف ليل الخميس الجمعة عن استشهاد جنديين مصريين في الشريط الحدودي بين طابا وإيلات، وتلا ذلك إغلاق معبر رفح من الجانب المصري، وهو نقطة الاتصال الوحيدة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي.

 

هذه التطورات مرشحة للتفاعل، وفي حدود ما حدث في الأيام القليلة الماضية، فإن مصر تعود طرفاً في التفاعلات الدراماتيكية، في وقت ينشغل فيه المجلس العسكري الحاكم بتأمين المرحلة الانتقالية للعهد الجديد، وحيث لم يعد أحد يعلم على وجه التعيين متى تأزف المرحلة الانتقالية على الانتهاء. وفي واقع الحال فإنه مع استشهاد جنديين مصريين فإن هذا الاعتداء يضاف إلى سلسلة اعتداءات سابقة أودت بحياة جنود مصريين، ما يجعل النظام حُكماً مدعواً إلى مراجعة بعض بنود كامب ديفيد والمتعلقة أساساً بالحضور العسكري على أرض سيناء المصرية، وفي النظر بحق مصر في الرد على أي اعتداءات يتعرض له جيشها، من دون المسارعة إلى إلغاء الاتفاقيات بالضرورة، فتل أبيب تشن غاراتها على مواقع مصرية، فيما هي تدعي التمسك بالاتفاقيات الثنائية الموقعة! لقد شنت تل أبيب اعتداءها استناداً إلى ادعاءات عن تسلل مقاتلين إلى سيناء ومنها إلى إيلات، ولم يتقدم احد بعرض هذه المعلومات سوى الطرف المعتدي وحده.

 

نشاط منظمات أصولية في سيناء يستحق المتابعة والمكافحة، وخاصة حين يشتبك هذا النشاط مع واقع اجتماعي واقتصادي صعب لأبناء سيناء يشجعهم على تحدي السلطات. غير أن الطرف "الإسرائيلي" الذي دأب على القيام بعمليات تجسس في مصر، ليس طرفاً محايداً في هذه البيئة المعقدة ولا تعنيه مصلحة مصر من قريب أو بعيد، بل على خلاف ذلك يُعرّض المصالح الوطنية المصرية للخطر. وعلى اتصال بذلك فإن دوام محاصرة الاحتلال لقطاع غزة يديم المشكلات ويشكل صاعق تفجير لها. والحل بالتأكيد ليس في إغلاق معبر رفح بين آونة وأخرى، بل في تمكين أبناء القطاع من الاتصال بالضفة الغربية وبقية دول العالم من خلال هذا المعبر كما من مطار تم تقويض منشآته، ومازال الاحتلال يرفض إعادة بنائه وتشغيله، فيما الدعوات الفلسطينية لاستخدامه قد توقفت وكأن أبناء القطاع في غنى عن استخدام هذا المنفذ الجوي.

 

إن المرء يتساءل هنا عن جدوى المصالحة بين حماس وفتح التي ترعاها مصر (وعلى افتراض أن مصالحة فعلية قد تمت..) ما دام التواصل الجغرافي مقطوعاً بين الضفة والقطاع، وتحول دونه حواجز الاحتلال وبواباته الكهربائية المغلقة.

 

مغزى ذلك كله أن مسائل الصراع والتسوية (والمصالحة!) على ارتباط وثيق في ما بينها، ومن الواضح أن تل أبيب تتحكم في كل شيء، مرة باسم حقها في اتخاذ إجراءات عسكرية حتى ضد مصر ل"ضبط الحدود" رغم اتفاقية السلام، ومرة بدعوى أنها انسحبت من القطاع وتركته لشأنه، لكن النيران تصدر من القطاع ف"تضطر" تل أبيب إلى الرد على مصادر النيران، وطوراً لأن الاتصال قائم بينها وبين السلطة الفلسطينية في رام الله ف"يحق" لها مطاردة مطلوبين واستهداف حياتهم. ويمتد التحكم ليشمل استمرار الاستيطان سواء كانت هناك مفاوضات أم لا، وهو ما يعتبره كثرة من الإسرائيليين تجسيداً ل"الحلم الصهيوني"، بما يجعل من اللصوصية المكشوفة قرينة ملازمة للصهيوني الحالم والمخلص.

 

لقد لوحظ بعد استشهاد الجنديين ارتفاع النداءات في مصر للرد على هذه الجريمة، وفي واقع الأمر، فإن ثمة فراغاً في عناصر المواجهة السياسية مع تل أبيب لا تملؤه إلا مصر، وسبق لأكثر من سياسي مصري أن دعا إلى مراجعة أسلوب التعامل مع تل أبيب، كما لا مفر من أن تعمد حكومة حماس في غزة إلى ضبط منظمات أصولية بعضها ذات صلة بنظائر مصرية لها وتستهدف الأمن المصري، بما يشكل عامل تشويش وتوتير تستفيد منه تل أبيب في المقام الأول.

 

صحيفة الخليج الإماراتية