خدعة صائب عريقات- ِإسرائيل اليوم
"أ 22 في المائة فقط"؟
بقلم: دوري غولد
إن القيادة الفلسطينية، كما ذكرت في الماضي في هذا العامود الصحفي، تعلم جيدا انها غير قادرة على احراز عضوية في الامم المتحدة بالتوجه الى مجلس الامن في ايلول القريب لانها ستلقى قرار النقض الامريكي. الفلسطينيون عالمون ايضا بحقيقة انه ليس لقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة قوة قانونية ملزمة وأن رفع منزلة وفد م.ت.ف من منزلة مراقب ليس دولة في الامم المتحدة الى منزلة مراقب دولي، لن يغير الواقع على الارض في الضفة الغربية.
سيبقي ذلك للفلسطينيين هدفا أكثر تواضعا هو قرار من الامم المتحدة يعزز الاعتراف الدولي بكون خطوط 67 هي حدود الدولة الفلسطينية في المستقبل ويحطم حق اسرائيل في حدود قابلة للحماية، وهو حق عبر عنه أول مرة القرار 242 عن مجلس الامن.
ان صائب عريقات، المسؤول عن التفاوض من قبل الفلسطينيين، جعل هذا الشأن واحدا من أهدافه الرئيسة في جهوده الدبلوماسية منذ عدة سنين. ففي خلال حضوره مع الاعلام العالمي يكرر على الدوام جملة ان الفلسطينيين قبلوا واعترفوا باسرائيل الموجودة في 78 في المائة من عرض "فلسطين التاريخي"، وان كل ما يطلبونه هو الـ 22 في المائة الباقية. واستعمل ابو مازن ايضا هذه الدعاوى في مقالة في 16 ايار 2011 في صحيفة "نيويورك تايمز"، حينما قال: "نحن نتوجه الان الى الامم المتحدة بضمان حقنا في العيش بحرية في الـ 22 في المائة الباقية من وطننا التاريخي".
ان عرض القضية على هذا النحو مع استعمال هذه الدرجة المئوية، يظهر اسرائيل وكأنها تطلب الى الفلسطينيين ان يصالحوا وان يتخلوا عن اراضي اكثر وان يبقوا مع 18 او 15 في المائة أو اقل من ذلك من الارض. قال عريقات في برنامج "برستيانه امينفور" في السي.ان.ان في تشرين الثاني 2009: "يبدو لي الان ان نتنياهو يريد أن يقسم الـ 22 في المائة هذه". وهذا التوجه يعرض اسرائيل باعتبارها الجانب الاناني في الصراع. يؤمل قادة فلسطينيون ان يثبطوا باسماعهم هذه الدعاوى، المطالب الدولية التي تطلب الى الفلسطينيين المصالحة.
"ندب صغير" على الخريطة
من المحقق أن تلعب هذه القصة التي يروج لها عريقات منذ سنين دورا لامعا في الحيلة الدعائية المخطط لها في ايلول. توجد طرق كثيرة للفحص عن قضية النسب المئوية في الصراع العربي الاسرائيلي، وكل واحدة منها قد تغير "ميزان" العدل من وجهة الناظر الموضوعي.
بعد نشر تصريح بلفور، اراد البريطانيون ان يعرضوا مسألة الصراع على ارض اسرائيل الانتدابية في سياق اقليمي أوسع. فعلى سبيل المثال، في خطبة خطبها اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني في 12 تموز 1920، ذكر ان فلسطين الانتدابية التي كانت مرشحة لتصبح وطنا للشعب اليهودي لن تكون أكثر من "ندب صغير" على الخريطة في الموازنة الجغرافية مع المناطق الواسعة التي سيحقق فيها العرب سيادتهم.
وأمل الا "يحقد" العالم العربي على الارض الصغيرة التي ستعطى للشعب اليهودي. وفي واقع الامر فان المنطقة الاصلية لفلسطين الانتدابية التي تشمل الاردن في ايامنا تشكل أقل من 5 في المائة من الاراضي التي حررها البريطانيون في الحرب العالمية الاولى من أجل الدول العربية عامة.
ان عُريقات في محاولته البرهان على عدله باستعمال النسبة المئوية "ينسى" ان يذكر الاردن. في 1922 قسم بريطانيا، التي حصلت على انتداب على ارض اسرائيل من عصبة الامم، قسمت فلسطين الانتدابية بان لم تطبق المواد المتصلة بانشاء وطن قومي للشعب اليهودي على منطقة شرقي الاردن التي اصبحت بعد ذلك المملكة الاردنية.
وفي واقع الامر أعطى البريطانيون السكان العرب 77 في المائة من منطقة الانتداب الاصلية وابقوا لليهود 23 في المائة فقط. وتضاءلت هذه النسبة اكثر في 1948، بعد أن احتلت الاردن الضفة الغربية وسيطرت مصر على قطاع غزة. وفي ايامنا ايضا تقول جهات فلسطينية واردنية في احيان كثيرة، لكن لعدم الاقتباس انه بعد بضع ساعات من انشاء دولة فلسطينية سينشئون اتحادا كونفدراليا. وقد اثيرت هذه الفكرة اول مرة في 1985، في اتفاق بين حسين وعرفات ولم تزل عن برنامج العمل منذ ذلك الحين.
فلسطين والاردن ستتحدان
تبدو مسألة العدل في الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني مختلفة تماما حينما لا نحصر الانتباه فقط في المنطقة الواقعة بين نهر الاردن والبحر المتوسط. ان عُريقات يضلل الجماعة الدولية بقوله ان الفلسطينيين يطلبون 22 في المائة فقط من فلسطين وأنهم قد يحصلون على اقل من ذلك بالفعل، اذا أخذت دول كثيرة المطالب الاسرائيلية في حسابها.
والحقيقة مختلفة. فحينما تعود الاردن على نحو حتمي لتصبح جزءا من تسوية سلمية في المستقبل سيسيطر الجانب العربي على أكثر من 80 في المائة من المنطقة الاصلية من أرض اسرائيل الانتدابية.
وفي الخلاصة فان هدف الدعوى الفلسطينية الحقيقي عن 22 في المائة هو في الحقيقة ان تحرز 100 في المائة من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة. والاختلاف في غزة اقل لان اسرائيل انسحبت منها في سنة 2005 بـ "الانفصال". وفي ما يتعلق بالضفة الغربية، ينبغي أن نؤكد ان القرار 242 الذي صدر عن مجلس الامن، والذي اتخذ بعد ستة اشهر من حرب الايام الستة، لم يطلب الى اسرائيل قط أن نتخلى عن جميع المنطقة التي سقطت في يديها نتائج حرب دفاعية. وقد كان هذا واحدا من أجلّ انجازات الدبلوماسية الاسرائيلية تحت وزير الخارجية آبا ايبان.
تريد المبادرة الفلسطينية الحالية في الامم المتحدة أن تبطل القرار 242 وان تفرغه من مضمونه. يطمح الفلسطينيون في ايلول الى اشراب الوعي الدولي معايير جديدة لحل الصراع والى تضييق مجال المناورة المناطقي الذي تمتعت به اسرائيل اكثر من 45 سنة. ومن الواضح أن هذا الشيء سيزيد الضغط الدولي على اسرائيل. في الماضي حصل تفسير دولة اسرائيل لحقوقها القانونية في ضوء القرار 242 على تعزيز طوال سنين كثيرة على ايدي طائفة من وزراء خارجية الولايات المتحدة. ويحاول الفلسطينيون وضع حد لهذا الشيء.
وهكذا فان تحدي اسرائيل في الامم المتحدة في ايلول القريب لا يتلخص بنضال عن انشاء دولة فلسطينية. فالحديث عن نضال عن حق اسرائيل في الا تضطر الى العودة الى خطوط 67، وهو حق ثبتته الامم المتحدة في الماضي. لكنه يواجه الان هجوما واسعا.