خبر قول الحقيقة.. لحظة الحسم والحزم ..علي عقلة عرسان

الساعة 09:11 ص|13 أغسطس 2011

قول الحقيقة.. لحظة الحسم والحزم ..علي عقلة عرسان

 

الأزمة في سورية تجاوزت عنق الزجاجة ودخلت مرحلة الحل، بنظر كثيرين في الداخل ووفق المنظور الرسمي للحدث وصيرورته وتفاعلاته الداخلية والخارجية.. وهي في مضيق جديد من مضائق التأزم المتتابعة ينذر بتدخل دولي أو يرتب له في ظل ضغوط متزايدة سعة وعمقاً للوصول إلى ذلك بنظر الخارج المتشابك مع داخل متحرك متواشج معه على نحو ملحوظ، ووفق منظور أطراف متعددة المشارب والمطالب والأغراض، تعمل على تحقيق أهداف ذات أبعاد سياسية كبيرة وخطيرة، وهي معلنة أومدرَكة من دون إعلان.

وفي تقديري أن الأفقين الداخلي والخارجي، أو التفاؤلي والتشاؤمي إن شئت القول، مشوبان بمآخذ قد ترقى إلى درجة المطاعن، تؤثر على المصداقية بدرجة ملحوظة، وهما لا يقدمان تشخيصاً موضوعياً لأبعاد الأزمة في واقعها وتدحرجها يكون ضافياً وكافياً وشافياً ومقنعاً أولاً وأخيراً لمن ينشد الموضوعية ويضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، ويتطلع إلى حلول ترضي كل المواطنين في سورية، وتعزز مكانة الشعب ودوره وتفرض هيبة الدولة واحترامها، ولا تكون على حساب الوطن والمبادئ والخيارات والثوابت الوطنية والقومية بأي حال من الأحوال.

ففي حين يبني التشخيص الداخلي التفاؤلي، الرسمي أو شبه الرسمي، على:

1 ـ مشروعية مطالب التحركات الشعبية، وتقديم سلسلة إصلاحات متتالية تلبية لها، تحتاج إلى وقت واستقرار لتأخذ طريقها إلى التنفيذ التام وليشعر المواطنون بمردودها الإيجابي عليهم.

2 ـ توجه نحو الحوار لاستكمال هذا المسار وسواه من المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطلوب مقاربتها واتخاذ قرارات بشأنها.

3 ـ نجاح متواتر للحل الأمني المعتمَد ـ بالتوازي مع خطوات الإصلاح ـ الذي لا بديل له ولا غنى عنه لاستعادة الاستقرار والأمن، ووضع حد للفوضى وتهريب السلاح وحمله والخروج على القانون، والتوجه لحازم نحو فرض النظام وهيبة الدولة، لا سيما في مناطق تشهد توتراً أو تفجراً متجدداً ويعاني فيها الجميع من فوضى وعنف ودموية وتصرفات غير مسؤولة ولا محتملة ولا مقبولة بأي شكل من الأشكال، تلحق أذى بالممتلكات العامة والخاصة، وتتسبب في إرهاب الناس وترويعهم وإراقة الدماء..

4 ـ وعلى تشكيك بكل الروايات والادعاءات التي يقوم بها الطرف الآخر، ورسم صورة مغايرة لتلك التي تقدم عبر وسائل إعلام محددة على الخصوص.

يبني التشخيص الخارجي ـ الداخلي التشاؤمي منظوره وما يقدمه من صور وتصورات على:

أ ـ  تحركات شعبية مستمرة، ذات شعارات ومطالب محددة ومعلنة ومكررة، غدت معروفة ومشهورة.. تنادي بالتغيير وتشكك بالإصلاح.

ب ـ شكاوى من ممارسات أمنية لا يقرها القانون وتنال من المواطن وحقوقه وحرياته وكرامته.. ومن عنف يؤدي إلى إراقة الدماء يقود بدوره إلى عنف وإراقة دماء.

ج ـ  سياسات وخطط وبرامج ومواقف موضوعة قيد التنفيذ بطرق عدة وأدوات وعناصر كثيرة، وما يصل من الداخل ويضخم في الخارج تنفيذاً لذلك كله، عبر أشخاص ووسائل ترسم المشهد الداخلي وفق وجهة نظرها ليكون متمشياً مع خطط الخارج ـ الداخل وأهداف أطرافه ومطالب أطرافه وتشعباته، وتداخل ذلك مع مكونات الداخل الذي يُراد له أن يبقى ثابتاً على مواقفه ومطالبه وفي تصعيد مستمر كماً ونوعاً، حتى تحقيق التغيير الجذري بأهدافه المعلنة وآفاقه المنشودة.

د ـ وعلى تشكيك بكل الروايات والادعاءات التي يقدمها الطرف الرسمي، ورسم صورة مغايرة لتلك التي تقدم عبر وسائل الإعلام على الخصوص.

إن الحقيقة هي أحد أهم ضحايا هذا الوضع المحزن، وقد أصبحت الأوطان والأرواح والمصالح العليا للشعوب ضحايا سياسات وسائل إعلام غير مسؤولة لا يهمها إلا أن تكسب وتنجح على حساب لحقيقة الناس والقيم، وهي تتحمل مسؤولية عن الدم والدمار والفوضى والمصاعب الجمة التي يعاني منها وسيعاني منها الشعب العربي على المدى الطويل، وعما سيلحق بالقضايا المصيرية للأمة العربية التي أصبح يعبث بها أعداؤها على نحو غير مسبوق. نعم لقد دخل الإعلام المسموع والمرئي ـ المسموع، والمقروء، ووسائل التواصل  الاجتماعي الحديثة لاعباً ومحارباً وافتقدنا الحياد والموضوعية وضاعت الحقيقة في سوق الكلام والسياسة، وكان يجب أن يكون الإعلام مع الثقافة مصباح ديوجين الذي يساعد على البحث ن الحقيقة، وأن يتمسك بها وينصرها.. فتلك رسالته الإنسانية المهنية الأسمى.. ولكن..

إن هذه الأزمة ينبغي أن تحل لمصلحة الحقيقة والشعب والإنسان والوطن وليس على مصلحة أي من مكونات هذا الفريق المعنوي ـ المادي المتداخل والمتكامل في معطياته المادية والبشرية والقيمية. ونحن عند هذا المفرق لزمني الهام، وبصرف النظر عن تشخيص أي من أطراف الأزمة، نحن بحاجة إلى مسؤول ذي حكمة ورؤية ودراية وشجاعة ومعرفة بدقائق الأمور، إلى شخص في أعلى درجات سلم المسؤولية، يتقدم إلى الشعب والعالم كله الذي يتابع ما يجري وينتظر الكثير، يتقدم ليكشف الغطاء عن كل المستور من الأمور، سواء أكان ذلك في مصلحته أو في مصلحة سوا، ويقدم كشف حساب باسم الحقيقة ولمصلحتها، وباسم الشعب ولمصلحته، يبين فيه كل شيء من السياسات إلى الممارسات، وأدوار الدول والمؤسسات والتنظيمات والأشخاص والقوى التي توجد علمياً في ساحة الأزمة لاعباً أو مشجعاً أو مراقباً، ويضع النقاط على الحروف تماماً، ويقف في علو المسؤولية الوطنية والقومية والإنسانية ليقول " ها أنذا قد بلغت، ولست خياركم بل واحد منكم، لي ما لكم وعلي ما عليكم." وليعلن بعزيمة البُناة أن بداية البناء السليم تقوم على أسس سليمة فيها المتانة والقوة والعزم والوضوح والعدل، فلا تقوم الدول ولا تدوم إلا بالعدل الذي هو أساس الحكم ولا أقول الملك، فالملك لله وحده.. وأن من يبني على أرضية من الوضوح والحقيقة والعدالة والمواطنة الكاملة بقيمها ومقوماتها يؤسس لوطن وشعب ومستقبل زاهر ولا يؤسس لمرحلة طالت أم قصرت في عمر وطن وشعب. إن الكشف المطلوب لا بد من أن يتضمن الوقائع الحقائق على المكشوف أو " على بلاطة كما يقول المثل الشعبي"، وأن يشير إلى كل شيء وكل طرف وكل ممارسة وكل قضية بوضوح تام ومسؤولية كاملة، من دون أن يستثني طرفاً أو تفصيلاً أو  شيئاً.. فهذه من وجهة نظري لحظة الحسم والحزم.. ولا يكون للحسم والحزم معنى وحضور مقنع وتاريخ يفتح لأصحابه أبواب التاريخ ما لم يكونا على أرضية الحقيقة والعدالة والشجاعة والانتماء والإخلاص التامين للقيم العليا الإنسانية أولاً وأخيراً.. فلتكن الحقيقة وليكن بعد ذلك ما يكون.. فقيمة الكبار في مواقفهم التاريخية الكبيرة وفي المسؤوليات والقرارات التي يتخذونا في اللحظات الزمنية الفارقة، سواء أكان ذلك الذي يتخذون ويقررونه لهم أم عليهم، يبقيهم أم يزيلهم، يحييهم أم يميتهم.. ومن يفعل ذلك يفز على أي وجه كان الأمر ومهما كانت النتائج والنهايات، لأنه إن قال الحقيقة ولم يكن ذلك في صالحه كسب موقف الرجال الكبار المخلصين للحقيقة والمدافعين عنه والمتطلعين إلى البناء على أرضية العدل والحق والصدق، وقدم للوطن والشعب ما يبقى ويربو.. فالوطن والشعب والعدل فوق كل الأشخاص والفئات والمكاسب والمناصب..

ومثل هذا الفعل، من وجهة نظري، يؤسس لصلح شامل يستقر في عمق الأنفس ويربو هناك  ويبني فيها على معطيات الثقة والمحبة والمودة ما يبقى ويدوم بدوام الثقة والاحترام، و"الصلح خير.. الصلح خير"،  والصلح هنا تصالح النفس مع ذاتها أولاً ومع الحقيقة والقيم والمبادئ ثانياً وثالثاً ومع الآخر الذي لا يتم الصلح من دونه رابعاً وأخيراً. والصلح يؤسس، أو ينبغي أن يؤسس لبلسمة جراح الأفراد والفئات والجماعات، فمن دون علاج للجراح القديمة وبلسمتها لا يصح الجسم كله، ولا تصلح مضغة إن صلحت صلح الجسم كله بصلاحها وهي القلب.. والصلح الصالح يداوي الأنفس ويشفيها مما بها ويطهرها بماء الحقيقة والتسامح.. وبذلك تطيب القلوب، وتشفى الأوطان، ويعلو البنيان.

ويكون البناء الراسخ في هذه الحالة على أرضية المصلحة المشتركة لكل من الوطن والمواطن وتقام صروحه في ظلال المصلحة العليا للشعب الذي هو صاحب الرأي والقول الفصل والقرار النهائي في كل أمر يمسه ويمس الوطن والمستقبل والمصير.

فهل لنا أن نتطلع إلى شيء من ذلك يا ترى، أم أننا نعيش في عالم آخر، ونحلم بما لا يجوز التفكير بمجرد الحلم به.؟!