إطووا الخيام- هآرتس
بقلم: يوئيل ماركوس
لم يكن الامر أمر جبن الكوتج ولا ازمة السكن بل مظالم كثيرة ارتبطت معا. هي صرخة الطبقة الوسطى التي تحمل على ظهرها الدولة، والتي تخدم في الجيش وفي الخدمة الاحتياطية، والتي تدفع ضرائب عن دخل لا يكفيها لحياة كريمة. وباختصار كان ما رأيناه في الخيام التي نصبت في كل جادة ورصيف خاليين احتجاج أفضل الشباب الذين يسيرون نحو مستقبل قاتم وبلا أمل. هذه مظاهرة من نوع جديد، من غير تنظيم حزبي ومن غير منظمة هستدروتية ومن غير دعم من اليمين أو اليسار، وحدّها الطموح الساذج الى العيش بكرامة. انها مظاهرة لم يكن لها مثيل.
وهذا هو الشيء الذي جعل مظاهرة الخيام متعددة الطبقات جدا ومتعددة المشاركين جدا. فقد جاءت عائلات كاملة مع الاطفال الصغار دون تنظيم مرتب. وقد انتشروا ببساطة في البلاد كلها. كانت هذه هي المظاهرة الأصيلة الوحيدة مما أذكر في البلاد، التي لم تنظمها أجسام سياسية.
إن الزعماء الذين ولدوا في الميدان، وكثير منهم ما يزالون غير ناضجين، فاجأهم ما أحدثوه. ولم يخفوا مفاجأتهم من حقيقة انهم نجحوا في تنظيم مظاهرة 300 ألف انسان – وهي اكبر مظاهرة كانت قط في البلاد من غير تنظيم من أعلى. أدهشهم النجاح جدا الى حد أنهم قرروا عدم المبادرة الى مظاهرة جماعية اخرى مع خروج السبت القريب لئلا يكون فيها عدد أقل من المشاركين. وبرغم أن قادة الميدان أنفسهم، قد أذهلهم نجاحهم، ولا يعرفون بالضبط كيف يتوجهون من هنا، فانهم أخافوا الجهاز السياسي وأصابوا رئيس الحكومة ووزراءه المقربين بالذعر.
بلغت مظاهرة الخيام اتساعا جعل الحكومة تدرك انه لن يمكن حسم انتفاضة الخيام بواسطة بضعة ملايين هنا وبضعة ملايين هناك ووعود باطلة. وقد فعل بيبي ما يعرف فعله دائما فانشأ لجنة من 18 شخصا.
لكن يبدو ان الحديث هذه المرة ليس عن نوع اللجان التي تنتهي الى طمس الحقائق. فليس المزاج العام لتمرد الخيام من النوع الذي يمكن طمسه، بحيث يمضون الى البيوت مع شعور بالكرامة وهمي بأنهم كأنما أحرزوا نصرا. لم تبدأ قوات كوماندو البروفيسور تريختنبرغ العمل قبل ان تبتز من بيبي التزام أن يحقق التوصيات للتخفيف عن الطبقة الوسطى.
إن بيبي في وضعه الحالي يُذكر بتلك النكتة عن اليهودي الذي تسلق السلم في السيرك مع وعد بأن يقفز. لكنه عندما صعد الى أعلى ورأى الجمهور الذي يدعوه الى القفز سأل بصوت مرتجف: أي قفز؟ ومن يقفز؟ كيف أنزل من هنا؟ أدرك بيبي أن سلة حيله قد فرغت. وأنه لن يكون له مناص وانه سيضطر الى مجابهة المسارات الاجتماعية والاقتصادية التي ستملى عليه كي يظل في ولاية رئيس الحكومة حتى نهاية الولاية.
بلغ بيبي نقطة يجب عليه فيها ان يحدد ترتيب افضليات حكومته وتحدياتها في المستقبل القريب. وعليه أن يجابه نفسه باعتباره زعيم المعسكر اليميني، وأن يجابه ميزانية الدفاع التي يحاول باراك متعللا بالتسونامي أن يمليها عليه، وأن يجابه حلفه الاستسلامي للحريديين والمستوطنين والمستوطنات، وأن يجابه ليبرمان الذي كان كل ما رآه في مظاهرة الخيام أن المطاعم الفخمة مزدحمة وأن الجميع يأكلون السوشي. أما الشيء الوحيد غير الواضح فهو أي دولة هو وزير خارجيتها.
يبرهن احتجاج الخيام على أنه يمكن احراز أهداف مهمة من غير عنف ومن غير هدر لحياة الانسان. وهو نموذج يحتذى لمظاهرات من نوع آخر، حينما تعترف الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول بالسلطة الفلسطينية أنها دولة. هذه رسالة لجيراننا في الضفة ولعرب اسرائيل، انه يمكن أن تقام في مجتمع ديمقراطي مظاهرات من نوع آخر من غير سفك دماء ايضا، لان العنف يستدعي العنف.
ستنبؤنا الايام أي قيمة يوجد للوعد الذي ابتزه كوماندو تريختنبرغ من بيبي بالتخفيف عن الطبقة الوسطى و"تحقيقه". لكن على كل حال، استنفدت مظاهرة الخيام نفسها، وسيحسن المتظاهرون الصنع اذا طووا الخيام في ذروة نجاحهم. أي الآن قبل أن يبدأ التوتر بالانخفاض وقبل ان يغطي الشأن الفلسطيني على التمرد الداخلي. لا تطرحوا الخيام في القمامة بل احفظوها في المخازن فربما تحتاجون اليها مرة اخرى. واذا خدعوكم أو لم يفوا بكلامهم فسيكون الاجراء التالي هو الانتخابات وتنحية بيبي عن السلطة.
لا تستطيع أية دولة أن تسلم لرئيس حكومة يجعل تنحيته مهنة.