والآن – المقاطعة- هآرتس
بقلم: تسفي بارئيل
(المضمون: حركات الاحتجاج السورية تدعو الى مقاطعة استهلاكية داخلية لعشرات الشركات التي يرتبط اصحابها بالنظام. فهل هذا هو ما سيؤدي اخيرا بالنخب السنية السورية الى ادارة ظهر المجن للاسد؟ - المصدر).
"هذا المنتج ليس للاكل، بل للقتل"، يحذر العنوان في الصورة التي يظهر فيها شاب سوري يمسك بعلية شيكولاتة للدهن "نوتيلا"، فيما أن وجهه مدهون بلون أحمر كالدم. "أنا أقاطع، فماذا عنك؟"، يسأل العنوان في اسفل الاعلان، ويضيف: "شيكولاتة نوتيلا – 1 في المائة شيكولاتة، 99 في المائة اهانة".
لماذا تتنطح صفحة الفيس بوك لحركة الاحتجاج السورية بالذات على نوتيلا؟ لان مستوردنا، حبيب باتنجاني، وابناؤه، طوني واياد صرحوا بانهم يؤيدون نظام بشار الاسد. كما أن باتنجاني هو أحد كبار الموزعين لمنتجات أساسية مثل الارز والسكر، عضو مجلس ادارة شركة التأمين "عروب"، من كبرى الشركات في سوريا، وبالتأكيد صديق قريب لعائلة الاسد.
باتنجاني ليس وحيدا. في قائمة نشرتها حركة الاحتجاج السورية الاسبوع الماضي تظهر عشرات الشركات والاعمال التجارية التي يطالب سكان سوريا بمقاطعتها. من شركات استيراد السيارات التي بسيطرة رامي مخلوف، ابن خال الاسد، عبر الشركات التي بملكية فراس طلاس، ابن وزير الدفاع الاسبق مصطفى طلاس، وشركات بملكية حبيب الخولي، الذي كان قائد الاستخبارات في سلاح الجو ويعمل الان مستشارا خاصا للرئيس وحتى عشرات الشركات التي بملكية مجد سليمان، بما فيها صحيفة البلد اللبنانية التي تدافع بتصميم عن النظام السوري.
القائمة الطويلة تكشف عن اصحاب الامتيازات الذين يتمتعون بمقابل جدير بعلاقاتهم الوثيقة مع النظام، وتشير اليهم كمن يمولون عائلة الاسد ومسؤولين عن ان النظام لا يتأثر حاليا بالعقوبات التي تفرض على الدولة. منظمو المقاطعة يشرحون بان العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الاوروبية لا يمكنها أن تؤثر حاليا على النظام، والى أن يبدأ المواطنون السوريون أنفسهم بمقاطعة استهلاكية شاملة، فان النظام سيكون بوسعه أن يمول أعمال الذبح دون أن يخشى على مصيره.
هدف منظمي المقاطعة الاقتصادية أبعد من ذلك بكثير. فهم يريدون أن يروا تجميدا للاستثمارات الاجنبية والغاءا للاتفاقات التجارية والمشاريع المستقبلية بالذات من جانب مستثمرين عرب. هكذا مثلا السعودية تمويل نحو 22 مشروعا زراعيا وصناعيا في سوريا، قبل بضعة اشهر اقرضت سوريا نحو 100 مليون دولار وهي توفر عملا لالاف العمال السوريين. قبل سنتين فقط قرر عبدالله ملك السعودية استئناف العلاقات مع الاسد بعد نحو أربع سنوات من القطيعة في أعقاب اغتيال رفيق الحريري. عندما زار عبدالله سوريا في تشرين الاول 2009 جلب معه وفدا تجاريا ضخما وقع على اتفاقات مستقبلية مع النظام. في نهاية الاسبوع انضمت السعودية الى الاعلان الهام لمجلس التعاون الذي يضم ست دول في الخليج، وجه انتقادا حادا للنظام السوري ويوم الاحد أعادت السعودية سفيرها من دمشق.
ولكن ليس فقط السعودية شريكة في الاقتصاد السوري. فالكويت هي مستثمر هائل آخر في الدولة – شركات كويتية تحوز على نحو 11 في المائة من اقتصاد التأمين السوري – وهكذا قطر ايضا. الشركة القطرية "ديار للعقارات" استثمرت في 2008 نحو 250 مليون دولار في بناء مئات وحدات السكن في مدينة اللاذقية الساحلية، التي اصبحت احدى بؤر الثورة الكبرى. كما أن حكومة قطر تمول مباشرة نظام الاسد بملايين الدولارات. ولشدة المفارقة، سوريا بالذات في وضعها الحساس هي التي تجميد مشروع تنمية بنية تحتية كهربائية بحجم اكثر من 6 مليار دولار، وقع عليه مع شركة كهرباء قطرية. اصدار الرخصة للشركة تأخر بسبب غضب دمشق من شكل تغطية الثورة من قبل "الجزيرة".
من الجانب الاخر من الحدود تهدد الان تركيا بتفعيل عقوبات خاصة بها. فبعد ثلاث سنوات من العلاقات المالية، التي تطورت فيها التجارة بين الدولتين الى أكثر من 2 مليار دولار، تحطمت دفعة واحدة بسبب اعمال القمع التي وصفها نائب رئيس الوزراء التركي بانه "اعمال فظيعة". ونقلت أنقرة هذا الاسبوع الى دمشق "تحذير أخير" ولكن ليس واضحا ما هو طابع هذا الانذار. هل تعتزم تركيا تجميد استثماراتها، حظر الشركات التركية من العمل في سوريا، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي؟
يحتمل الا تدفع حتى العقوبات التركية النظام السوري الى تغيير سلوكه. ولكن بالنسبة لـ 21 مليون مواطن سوري يرتزقون من الاستثمارات الاجنبية، فان مثل هذه العقوبات هي مثابة ضربة شديدة كفيلة فقط بان تزيل الاحساس بانعدام المخرج وتعظيم المظاهرات. حجم الاستهلاك (باستثناء المنتجات الاساسية) في سوريا هبط حتى النصف، البطالة نمت من 10 في المائة الى 20 في المائة، وبدأت سوريا تطبع كميات كبيرة من المال وحجم المال المهرب الى خارج الدولة يقدر بنحو 20 مليار دولار. المواطنون الذين اقترضوا بتشجيع من الحكومة لشراء سيارات جديدة (الفرع الذي يسيطر فيه رامي مخلوف واصدقاؤه) كفوا عن تسديدها، والبنوك السورية ايضا (في قسمهم الاكبر بشراكة لبنانية) خائفة من الانهيار.
حملة المقاطعة لحركات الاحتجاج السورية كفيلة بالتالي بان تظهر بانها الوسيلة الاكثر نجاعة ضد النظام، ولا سيما عندما يبدأ التجار الكبار في مدن حلب، حمص ودمشق، رجال النخب السنية الذين نالوا امتيازات واسعة من النظام واعطوا بالمقابل لهم شرعية سياسية، باعادة فحص طبيعة "الصفقة" التي عقدوها مع الاسد. غير أنه حيال حسابات النهاية الاقتصادية يقف نظام لا يعتزم التنازل، يواصل الحديث عن "الوحدة الوطنية" عن "عملاء اجانب يسعون الى انهيار الامة"، وعن "عصابات مسلحة تعمل باسم مصالح أجنبية وتقتل المتظاهرين"، وينثر تحذيرات بان الدولة ستعاقب كل من يخرق القانون. في الغرب قد يكونوا يراهنون على الزمن كعامل في احداث الانعطافة، ولكن في هذه الاثناء يقتل المواطنون بالعشرات.