سبتمبر وعزلة "إسرائيل" .. محمد عبيد
سبتمبر بات قريباً جداً، ومع اقترابه أكثر تشعر "إسرائيل" بعزلة متزايدة، مصدرها الرئيس مواقفها، وهي من تريد تسيير العالم حسب مصالحها، وتجيير أية حركة، أو سياسة لحسابها، كأنه بات على العالم أن يقف على رجل واحدة كرمى لعيون هذا الكيان.
العزلة مفهوم جديد نسبياً على "إسرائيل" التي اعتادت اختراق التنظيمات والدول والحكومات، وتشكيل لوبيات وجماعات الضغط العاملة على مدار الساعة من أجل خدمة سياساتها والدفاع عن عدوانها المتواصل في الأراضي المحتلة، إن كان في فلسطين أو لبنان أو الجولان المحتل. وهي لذلك تجد نفسها الآن أمام موقف لا تحسد عليه، فالذي على المحك، علاقاتها الدولية، وموقعها المتميز، وأولويتها على أجندة الكثير من الدول التي لم يتمكن العرب والفلسطينيون من حشدها وتوظيفها لنصرة قضاياهم في المحافل الدولية.
دولتان جديدتان تنضمان لمعسكر عزلة "إسرائيل" عالمياً، وما ينكأ جروح الكيان أن إحدى هاتين الدولتين قد تكون الأحدث في المجتمع الدولي، وهي دولة جنوب السودان التي راهن الكيان على اختراقها وجعلها خاصرة لينة للسودان ومصر، يضغط عليها كلما أراد ابتزاز المواقف، أو الضغط باتجاه نصرة تعنته وجرائمه بحق الفلسطينيين، لذلك نجد "إسرائيل" تبقي على أحدث سفرائها في العالم لغرض ما تسميه "التشاور"، عقب إعلان جنوب السودان أنها ستصوت مع مشروع الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، عندما يطرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
وبصرف النظر عن التخريجة التي استخدمتها جنوب السودان لتبرير قرارها تأييد المسعى الفلسطيني، وأن ذلك يعود إلى اعتراف فلسطين بها لدى تأسيسها، فإن للخطوة أهميتها نظراً لأن "إسرائيل" طلبت رسمياً على لسان نائب وزير خارجيتها داني أيالون من الدولة حديثة العهد عدم التصويت مع الاعتراف بدولة فلسطينية.
هندوراس أيضاً رفضت طلباً "إسرائيلياً" مماثلاً، وأعلنت أنها ستصوت لمصلحة الفلسطينيين، ما شكل ضربة جديدة للكيان الغارق في حلم يقظة يصور له العالم خاتماً في الخنصر، والذي أبقى على سفيره لديها أيضاً للتشاور، كما زعم.
سبتمبر "الفظيع" بالنسبة لرئيس الكيان شمعون بيريز، لن يكون إلا خطوة أولى على طريق جعل كل يوم يمر على كيان العنصرية وإرهاب الدولة والتعنت "فظيعاً"، ولن يكون سحابة صيف عابرة تمر مرور الكرام، ولو جرفتها "ريح الفيتو" الأمريكي التي تنتظر العرب وقبلهم الفلسطينيين في الأمم المتحدة، كأن سبتمبر هذا الذي أبى إلا أن يفجر انتفاضة الأقصى في وجه عراب القتل والتنكيل أرئيل شارون قبل 11 عاماً، لا ينفك يجترح المعجزات، ويسدد الضربة تلو الأخرى لكيان يعتبر نفسه فوق أي قانون أو شريعة.
فليصوت المجتمع الدولي كما يريد، لأن اعترافه من عدمه لن يخرج عن إطاره الرمزي، كونه لن يؤسس دولة للفلسطينيين إذا تم، والسبب واضح، ومرده استمرار الاحتلال، والضم والتوسع، واستعمار الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتهويد القدس، وتغيير الحقائق على الأرض الفلسطينية، ومحاولات تشويه التاريخ المتواصلة، التي تنتهجها "إسرائيل" لتقويض حق الفلسطينيين في دولة عاصمتها القدس المحتلة، ولوأد حقهم غير القابل للمساومة، أو السقوط بالتقادم في العودة إلى ديارهم التي اغتصبتها مجموعة من العصابات تحت شعارات ومزاعم تاريخية مكذوبة.
ستتوالى إعلانات الدول المشابهة، لا لشيء إنما للتحول الذي تشهده المنطقة العربية، الذي أفرز حقائق جديدة، أهمها عودة مصر إلى الصف العربي أقوى مما كانت، متسلحة بدعم شعبي لسياساتها، وقرار يصنع في الميادين العامة لا في مطابخ السياسة، أو فنادق أوروبا و أمريكا، ولا تحت ضغط المعونة، والتهديد بلقمة الشعوب ومصائرها.
عزلة "إسرائيل" تحصيل حاصل، فمهما تعامى العالم عن جرائمها واحتلالها الأطول في التاريخ الحديث، وتعنتها على موائد التسوية، واستمرارها في تجريد الفلسطينيين من حقوقهم والتنكيل بهم، فإن الوقت حان ليزيل غشاوة وضعها طوعاً على عينيه عندما لم يجد توجهاً عربياً صريحاً، يعتبر الشرعية الدولية أساساً ووجهة للاعتراف بحقوق الفلسطينيين، ويتبنى المشروع كشأن داخلي، ومصلحة حيوية.