خبر اثبت « محمد ».. فدموعك تحرقنا! ..بقلم/توفيق السيد سليم

الساعة 01:36 م|04 أغسطس 2011

اثبت "محمد".. فدموعك تحرقنا! ..بقلم/توفيق السيد سليم

 

إنه قدر أصحاب الرسالات السامية والهمم العالية منذ فجر التاريخ في أن تظل نوافذهم مشرعة لتطل منها أشعة الشمس وتبدد عتمة الليل البهيم، وليجد التائهون ضالتهم في زحمة المسير.. لا يضرهم من خالفهم ولا من آذاهم.. يدفعون ثواني عمرهم وقطرات دمهم وما تلين لهم قناة أو تنكسر لهم راية حتى يلاقوا ربهم وهم كذلك فرحين مستبشرين متفائلين واليقين يعمر أفئدتهم بنصر الله وإنجاز وعده..

 

لقد شرفنا الله -عز وجل- بالعيش والتعرف على ثلة من أولئك الذين ضحوا وما ضنّوا.. أعطوا وما بخلوا.. كانوا كالسحاب حيثما مرّ أغدق غيثه فأخرج ثمرا أعجب الزراع.. نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا.. منهم العلماء والمفكّرون والشهداء والإعلاميون والمثقفون.. قوافلهم تبدأ ولا تنتهي، وهل لقافلة الطهر والنقاء والعطاء أن تنتهي؟!.. حتى لو غيبها الموت أو المرض أو الإصابة.. حتى ولو تآمر عليها المتآمرون، وكاد عليها الكائدون!!.. فعبيرها يجوب الأجواء وآثارها تبقى منارات يهتدي بها الباحثون عن الحق والحقيقة..

 

الرسالي الصُّحفي محمد عثمان.. أحد أولئك الذين شرفهم الله -عز وجل- بحمل الرسالة.. رسالة الحق المبين في مواجهة أساطير الباطل وخرافات الزيف التلمودي.. امتشق عدسته -رسالته- وجاب بها كل الأزقة والحواري والحدود ليطارد بها المحتل العبراني المدجج بالباطل والعار.. يرصد جرائم المحتل ويوثق انتهاكاته ويطير بها رغم الحصار والخناق إلى كل المعمورة شاهدا إضافيا على قساوة العالم وجبروته وانحيازه اللامحدود للظّلَمة وسارقي التاريخ ومزوري الحضارة، ولكن ذلك لم يُعجب القَتَلة فكانوا له بالمرصاد.. يرقد محمد الآن على سرير المرض هناك في إحدى المستشفيات الأردنية ونصفه السفلي لا يقوى على الحراك فيما روحه ما زالت تحلق في سماء الحمد والثناء، واليقين يسكنه بكرم الله وجوده بأن يمنّ عليه بشفاء من عنده يقهر كل أسباب المرض والعجز...

 

فلَكَم انفطر القلب وتدفقت العيون بالعبرات وهي تتابع بحرقة وأسى التقرير المفجع لكل من تشرف بمعرفتك عزيزي "محمد"، ولكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. التقرير الذي بثته فضائية (MBC) عصر الجمعة الفائت ليحكي جزءا من مأساتك التي تجسد مأساة شعب يبحث عن حرية مفقودة وحقوق مسلوبة عوضًا عن كونها مأساة تمثل شريحة مهمة من النسيج المجتمعي الفلسطيني وهي شريحة الإعلاميين الذين دفعوا -وما زالوا- ثمن الانقسام المرير الذي يعصف بالمكون الفلسطيني العام منذ سنوات، فالإعلاميون الفلسطينيون اليوم لا يوجد حاضن شرعي لهم (النقابة) يتبنى همومهم ويدافع عن قضاياهم ويذود عن حياضهم.. حتى باتت أسماؤهم ترد يوميا في الأخبار العاجلة التي تتناقلها وسائل إعلامهم، فهذا مختطفٌ، وذاك صودرت كاميرته، وآخر مصاب بنيران الاحتلال أو عصي وحجارة المستوطنين، وحينما تقع الواقعة بحقهم يكتفي الجميع بتصدير بيانات الشجب والاستنكار لتطوى الصفحة بعدها استعدادا لجولة جديدة من الانتهاكات والاعتداءات..

 

ولعل المتابع لحالة الزميل المصور محمد عثمان -أصيب بنيران الاحتلال خلال أداء رسالته السامية في ذكرى يوم النكبة الثالثة والستين على البوابة الشمالية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة منذ العام 1948م- يتعرف على مدى الإهمال الذي يعانيه الصحافيون الفلسطينيون في ظل غياب جسم نقابي موحد يلمّ شتاتهم، فلعدة أسابيع ورغم إقرار الأطباء المتابعين لحالته بضرورة نقله للعلاج في الخارج ظل "محمد" طريح فراش المرض ما بين مستشفيي الشفاء غربا والوفاء شرقا لتزداد حالته الصحية تدهورا وليتضاءل معها الأمل بالتماثل التام للشفاء.. وحتى اللحظة ما زال "محمد" هناك في الأردن وحيدا في مواجهة قدره رغم دعوات ومناشدات من كثيرين بضرورة نقله إلى ألمانيا لاستكمال رحلة العلاج؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن يبدو أن تلك المناشدات تقع على آذان بها صمم.. فأين المؤسسات الدولية التي تعنى بحقوق الصحافيين؟، ولماذا لا تتدخل في هذا الموقف العصيب الذي يتهدد مستقبل فارس من فرسان الحقيقة وحياته؟، أم أن حبائل السياسة ودسائسها تفعل أفاعيلها حتى في أكثر المواقف إنسانية؟.. نتمنى ألا يطول صمت تلك المؤسسات وأن تتدخل قبل فوات الأوان..

 

أما أنت يا "محمد" فأمسك عليك دموعك.. فقد كانت لنا نارا حارقة، وكن كما عهدناك رساليا عنيدا لا تثنيه الشدائد ولا النوائب متسلحًا بيقينك المتدفق من رحم الإسراء.. فميادين مهنة المتاعب اشتاقت إليك وفي انتظار عودتك كما غادرتها على عجل في يوم مسيرات العودة..