خبر كآخر الفراعنة- معاريف

الساعة 08:12 ص|04 أغسطس 2011

كآخر الفراعنة- معاريف

بقلم: إيال مغيد

مأساة يونانية، دراما شكسبيرية، مسرحية اخلاقية من القرون الوسطى، كل واحد يمكنه ان يختار لنفسه التشبيه المناسب له لسقوط النجم المصري من السماء. يبدو أن الانسانية تحتاج الى الاهانة مثلما تحتاج الى التمجيد. تحتاج الى الجحود مثلما تحتاج الى السجود. هذان هما وجهان لذات العملة القديمة. هذه المرة، في محاكمة حسني مبارك، أُضيف مظهر أصيل – حمالة، تابوت، عليها كان مستلقٍ الرئيس الذي اقتيد الى قفصه مباشرة من المستشفى.

الرعاع، الذين هم أصحاب دور كلاسيكي، طالبوا بعدم الرحمة وحصلوا على رئيسهم المخلوع وهو مهان حتى التراب. العقاب، كما طلب الجمهور، يجب مصادرته من السماء ومنحه لممثلي الارض. فقد قرر الجمهور المصري ألا يقتل الرب في الأعالي مبارك، بقوى الطبيعة، كعادته، بل الانسان من خلال محكمة دنيا.

طالب النظام الجديد بالاسراع في استباق السرطان الذي يأكل بجسد المتهم من كل فم. في مثل هذه اللحظة لا يوجد حتى ولا واحد من المشاهدين عن بعد لم يشعر بالرأفة تجاه المحكوم الذي يعتبر كميت، مهما كان مدى طغيانه؛ فما بالك عندما يدور الحديث عن رئيس تمسك بالهدنة معنا، بالسلام الذي ما بثه من برودة كان أفضل بلا قياس من نار الحرب.

مبارك، كآخر الفراعنة، في صورته الحازمة، أنصت من سريره باستخفاف لجملة اتهاماته التي بسطها المدعون، بعضهم بحماسة، بعضهم بحرج وعلى عجل. وهو نفسه لم يبدو قلقا أو مشوشا بل العكس، كان احيانا ساخرا. كان واضحا من حركة يده أنه يحتقر الهذر الذي لا ينتهي عنه. ماذا لديه ليخسره؟ حياته باتت خلفه. ليس على نفسه يحرص، بل على نجليه اللذين وقفا من فوقه بلباسهما الابيض، اللذين لم يبدوا كمحكومين بل كممرضين رحيمين أو ككاهنين يرافقان الميت الى مرقده الأخير وهما يحملان القرآن في أيديهما.

تحاول وسائل الاعلام، على عادتها، تعظيم العرض ولكننا نحن، المشاهدين في هذه الدراما التي تجري وراء الزاوية، مثل كل الرعاع قبلنا، بفضول ممزوج بالرعب، يُخيل أننا سبق أن رأينا كل شيء. يُخيل أنه لم يعد ممكنا لشيء أن يفاجئنا بالثورات وبالتقلبات. فمؤخرا فقط شهدنا اولمرت وهيرشيزون، ومع الفارق صدام وموشيه قصاب، كل الابطال لم يعودوا كما كانوا من قبل. ولكن في كل مرة من جديد، فان للمصير المتقلب لا تزال قوة على الفعل والتأثير.