يُحتاج إلى إسرائيليين- هآرتس
بقلم: جدعون ليفي
يدبر أمور دولة اسرائيل من ليسوا اسرائيليين. فقيادتها السياسية والاقتصادية وحتى الامنية بقدر ما، مركبة في أكثرها من ناس لا يعرفون التجربة الشعورية الاسرائيلية وواقع الاسرائيليين. وهم مقطوعون. ومع تزايد الاحتجاج يحسن التنبه الى ذلك. ان مطالب المحتجين تقع على آذان صماء لان جزءا كبيرا من متخذي القرارات لا يعلمون ما الذي يتحدث عنه.
أجروا اصلاحا في النقل العام في حين أنهم لم يسافروا منذ سنين في حافلة؛ وهم يتباحثون في أزمة السكن في حين يسكن أكثرهم منذ سنين شققا فخمة؛ وأزمة الجهاز الصحي غريبة عنهم أيضا: فمتى في آخر مرة استلقوا هم او اعزاؤهم في ممر مشفى؟ وقد قرأوا عن أسعار جبن الكوتج في الصحيفة، وسمعوا عن أسعار الوقود من المذياع، ومتى زاروا آخر مرة حانوتا ولم تكن الزيارة في حملة انتخابية؟ انهم لم يقفوا منذ سنين في صف ولم ينتظروا منذ سنين أن تستجاب محادثتهم بحسب الدور. والمرأب عندهم مصطلح غريب مثل مكتب الترخيص ايضا. وهم ينهون شهرهم على نحو حسن جدا ولا يعرفون أكثر الازمات البتة.
ان سياسيّ القمة في اسرائيل هو تعيين للحياة كلها تقريبا. وهم دائما محروسون ومحميون مع سائق ملازم وسيارة ملازمة ولن تجدوا سياسيا كبيرا أبدا مع مال نقد في جيبه. لانه لماذا يحتاجه؟ لقد ولدوا للمناصب الرفيعة، وقد أخذوا ينقطعون عن الاسرائيلية المتوسطة والمتصببة عرقا، والقلقة والمعوزة. وهو بفضل الحراسة الشديدة لاكثرهم يعيشون في اسرائيل الاخرى التي يحصل فيها على كل شيء بسهولة.
كانوا منذ فجر حياتهم المهنية شخصيات مرفوعة فوق الشعب ومقطوعة عنه. واذا استثنينا عددا من الشواذ كعمير بيرتس أو شيلي يحيموفتش او جدعون ساعر الذي ما يزال ينزل مع كلبه الى الشارع في تل أبيب بقبقاب وسراويل قصيرة، او بيني بيغن الذي نال المدح لسفره في الحافلة، فلا شيء في حياة أكثرهم يشبه حياة أكثر الاسرائيليين. فهم يعرفون اسرائيل من خلال نظرهم من سيارة سكودا أو آودي فقط بشرط أن تكون الستار مسدلة.
والقيادة الاقتصادية العليا مقطوعة عن الواقع أيضا بالطبع. فماذ الذي يعلمه ملك المال عن الحياة في اسرائيل؟ فقد زار سلبردز اكثر مما زار "همشبير لتسرخان"، وزار حانوت ماركس آند سبنسر اكثر مما زار مجمع "ميغا" التجاري في المدينة. ونشك في ان يكون زار إكيا. ومثله ايضا الضابط الرفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي الذي قضى أكثر حياته في معسكرات الجيش. وهو على الاقل قد التقى زمن خدمته العسكرية اسرائيليين كثيرين، من جميع الطبقات لكنه يعلم القليل جدا فقط عن الواقع المدني. هكذا هي القيادة العليا في اسرائيل التي تتخذ قراراتها المصيرية في الحرب والسلام، والفقر والنماء.
هذا أمر لا يقتضيه الواقع. فثمّ دول في العلم ما يزال الساسة فيها، ومنهم الكبار فيهم، يحيون حياة متوسطة متصلة بالواقع المدني في بلادهم. رأيت قبل بضعة اشهر رئيس حكومة هولندا، مارك روتي يخرج وحده لعدو مسائي قرب بيته المتواضع في ضاحية الطبقة الوسطى في لاهاي؛ وقد اجتهدت زعيمة المعارضة السابقة في السويد، مونا سالن، ان تأتي قبل عدة أسابيع للاستماع لمحاضرة صحفي اسرائيلي في متحف في استكهولم؛ ورأت في فيينا مرة المستشار النمساوي يأتي عرضا مسرحيا مثل أوساط الناس.
وقعت في هذه الدول ايضا اعمال قتل سياسية، ومع كل ذلك ينجح قادتها في الحفاظ على صورة حياة متواضعة وغير مقطوعة عن الناس في الاساس. وليس الموت هو الذي يحررهم من السياسة كما هي الحال عندنا. وهذا ما يمكن هؤلاء الناس من ان يعرفوا واقع بلدانهم من مكان أقرب قبل العمل السياسي وبعده.
الثورة التي ربما تقع الان ستضطر الى ان تشمل التغيير في هذا المجال ايضا. فاسرائيل محتاجة الى قيادة اسرائيلية تعرف اسرائيل. وعندنا اليوم رئيس لم يقد منذ عشرات السنين سيارة بنفسه، ورئيس حكومة لم يحمل منذ ايام خدمته العسكرية حمالة جرحى ولا سلة مشتريات ايضا، ووزير دفاع قيل كل شيء من قبل في طابع حياته الرئائي. ان هؤلاء الناس لا يستطيعون الفهم. يحتاج الى اسرائيليين.