خبر السلك الذي أضاء الحي.. هآرتس

الساعة 02:47 م|27 يوليو 2011

بقلم: أبيرما غولان

(المضمون: ربما يفضي الاحتجاج في الشارع الاسرائيلي الى سقوط الحواجز بين اليمين واليسار ونشوء برنامج عمل سياسي مدني يطلب مستقبلا قابلا للاحراز -  المصدر).

في صباح السبت قالت واحدة من نشيطات الخيام إنها تعتقد ان المظاهرة المخططة لان تكون مع خروج السبت ستنجح. وقالت: "يبدو أنه سيأتي 7 الاف شخص". وأمل رفاقها أن تكون على حق. وفي المساء كانوا ما يزالون مشغولين بجدل عاصف في أنه من يتحدث وباسم من، فركوا أعينهم بدهشة.

لم تثر الدهشة لرؤية عشرات الالاف الذين تدفقوا على تل أبيب فقط بل بسبب اللافتات التي رفعها المتظاهرون. فكان ثمّ "الشعب يريد عدالة اجتماعية"، و "العدالة لا الصدقة". و "دولة رفاهة". ان الاحتجاج الحالي وهو الاكثر إثارة للاهتمام منذ كان الفهود السود، متميز ببواعثه ومركباته البشرية والسياسية والطبقية، وهو أوسع كثيرا من النواة التي أحدثته. وقد بدأ هذا الاحتجاج بعدة أشخاص حفروا في ساحتهم الخاصة ولمسوا سلك الكهرباء تحت الارض الذي أضاء الحي بمرة واحدة.

إن حقيقة أن رئيس الحكومة الغى رحلة الى بولندة، وان وزير المالية يعلن بلا انقطاع أنه لم يقل، فانه يطلب الى جميع الوزراء "الدخول تحت حمالة الجرحى" – هي البرهان . ان السلك الكهربائي الذي كشف موصول بكل بيت لكنه كان معطلا. وقد امتلأ فجأة بتيار قوي وبدأ الحديث بلغة كانت محظورة تقريبا حتى اليوم (في معارضة الخصخصة وتأييد دولة الرفاه)، وهي لغة يربط المحرضون المنحازون بينها وبين "عناصر يسارية متطرفة خطرة"، وقد ربطت على نحو مفاجىء بين خطوط خفية كانت تجري حتى الان، وكل واحد منها يصدر عن ذاته وعن يأسه، نضالا مستقلا – نعني العاملين الاجتماعيين والاطباء والمعلمين والاباء والطلاب الجامعيين وعمال المقاول.

تنبع قوة هذا الاحتجاج التي لم تبلغ ذروتها حتى الان من تيار ضخم دفن زمنا طويلا جدا تحت الارض. وهو تيار غضب ويأس وشعور بعدم العدالة وهو في الاساس خوف من المستقبل إزاء سياسة تمكن الدولة منذ سنين من أن تتحلل البتة من التزاماتها للمواطن وتتخلى عنه لصراع بقاء لا يحتمل. لكن هذه القوة العفوية جدا قد تصبح ايضا حجر الرحى الذي يفشل الاحتجاج.

ان بنيامين نتنياهو في الحقيقة هو فارس الليبرالية الجديدة والخصخصة ولكن ينبغي الا تلقى عليه وحده المسؤولية عن اخفاق السلطة في اسرائيل. فالتأليف القاتل بين تعزيز الاحتلال والامن والاستثمارات الضخمة في المستوطنات والحريديين، مع تجفيف القطاع العام واضعاف قوانين الرقابة قد بدأ قبله واستمر حينما كان خارج الحكومة ايضا.

في 1996 لاحظ نتنياهو على نحو دقيق موانع التطوير الكبرى. وكانت المشكلة حلوله التي دارت دائما حول الخصخصة وأفضت بدل التنافس الى تركيزية خطرة، ودفع رشوة سياسية الى شركاء فئويين والى اضعاف لا يقل خطرا للتربية والصحة العامة والرفاهة. والمشكلة الاخطر هي الحلول الخاطفة التي يسلها الان.

لم يبدع نتنياهو هذه الحكمة أيضا، لكنه يطورها بموهبة لامعة: فهو عن علم بان تغيير الاجهزة غير المنظمة والجافة (مديرية اراضي اسرائيل ولجان التخطيط هي مثال واحد فقط) سيتطلب شجاعة وحزما وبذلا، وفريق وزراء ممتازا ورسميا (لا حينما تكون شاس في وزارتي الداخلية والاسكان)، يفضل ان يبادر الى قوانين عاجلة وان يستعمل تعليمات متعجلة قد يكون ضررها أكبر من فائدتها.

وهو باعتباره يحلل المشكلات تحليلا جيدا، تكون حلوله الخاطفة تقصد تسكين الاحتجاج. وهو من أجل هذا يستعمل الان موشيه كحلون. كحلون باعتباره رمزا لا باعتباره هو نفسه. كحلون المتصل بجمهور كبير غاضب من مصوتي الليكود يخشى نتنياهو ان يخسره، فيحتضن المتظاهرين ويمكنهم من تسجيل انجازات ويبرهن لهم على أنهم يغيرون الطريقة.

هذا الاحتضان قد يلاشي الاحتجاج ويدفنه آخر الأمر لكنه قد يخدمه ايضا. ولما كان كحلون يؤمن بالحاجة الى تدخل أكبر للدولة في الاقتصاد، ولما كان نتنياهو محتاجا الى "الكحلونية" كالحاجة الى الهواء للتنفس فانه قد يأتي من هنا التغيير الذي يطلبه الاحتجاج. قد لا يكون بالضبط الاشتراكية التي تخفق في بعض الخيام لكنه قد يكون البداية المباركة لهدم التقسيم المشكل بين اليمين واليسار في إسرائيل وإنشاء برنامج سياسي جديد ومدني، يطلب مستقبلا قابلا لان يحرز.