خبر الحمد لله أنه أشقر!../ رشاد أبو شاور

الساعة 09:28 ص|27 يوليو 2011

الحمد لله أنه أشقر! رشاد أبو شاور

وأنا أتلقى أوّل الأنباء عن مذبحة النرويج أصبت بحالة دهشة، و.. خوف!

دهشة لحجم الضحايا، ولأن أوسلو ارتبطت في أذهاننا بما هو سيء سياسيا لنا كعرب، وكفلسطينيين بخاصة، وهذا عائد لما سمي باتفاق أوسلو، وها ما جرّ علينا المصائب الواحدة تلو الأخرى، في متوالية مشئومة لا تتوقف.

خشيت أن تكون (القاعدة) قد ضربت في أوسلو، ورددت في سرّي، وحتى بصوت مرتفع رغم أنني كنت وحدي أمام شاشة التلفزيون: هذا ما كان ينقصنا!

أمّا الخوف فهو من أن يكون من أقدم على هذه الجريمة عربي مسلم أسمر، شرق أوسطي، بحسب الأوصاف التي يبادر الإعلام الغربي ( المردوخي ) بخاصة، فيطلقها على مقترف أي جريمة وحتى قبل أن تعرف هويته، وخلفيات جريمته.

 نحن لسنا بحاجة لغزوة ( أوسلو) أسوة بغزوة مانهاتن، فيكفينا غزو العراق، واحتلال أفغانستان، وتتويه القضية الفلسطينيّة، وخسارات العرب والمسلمين في أوربا وأمريكا، وتحويل الإسلام إلى بعبع لتخويف العالم، وابتزاز الشعوب، حتى الأميركان أنفسهم، وتبرير كل السياسات العدوانية، والانحياز للكيان الصهيوني، ونشر الإسلاموفوبيا لا سيما في حقبة المحافظين الجدد: بوش الابن، رامسفلد، تشيني.. ومن ينسى ( الآنسة) كونداليسا وأفضالها على العرب والمسلمين، وتحديدا الفلسطينيين واللبنانيين!..ولا يغيب عن بالنا قط الكونغرس الذي وقف 29 مرّة إعجابا بخطاب نتينياهو، ولاءً للصهيونية والكيان الصهيوني، وتنكرا لحقوق الشعب الفلسطيني، وتحبيذا للعدوان عليه، والسطو على ممتلكاته، وفي القلب منها القدس التي تهوّد أمام سمع العالم وبصره!

حمدت الله وأثنيت عليه، وشكرته شكرا كثيرا حتى بدوت وكأنني إحدى العجائز الملهوفات على عودة غائب ليس لهن سواه، ويطلبن من الله بإلحاح أن يعيده ليعينهن على عجز آخر العمر وأرذله.

الم تفعلوا ما فعلت، بالله عليكم، حتى غير المؤمنين منكم ( العلمانيين) على رأي الأصوليين الذين نبتوا مع تفجر الثورات، وتفشوا بعد غزوة الصناديق في مصر، ودعاة التحالف مع المجلس العسكري طمعا في الانتخابات التي يراهنون بأنها ستمكنهم من القفز على الحكم بأصوات (المؤمنين)، بعد أن يئسوا من بلوغ هذا الطموح بالطبنجات والخناجر؟!

أمّا وقد تأكدت واطمأننت وهدأت نفسي إلى أن المجرم أشقر وشعره ذهب، على رأي أغنية سميرة توفيق الاستشراقية التي بغضتها جدا، والتي يقول مطلعها:

أشقر وشعره ذهب

من حبه شفت العجب

والحق أننا شفنا العجب من بعض هؤلاء الشقر، وليس من أشقر واحد، منذ الحروب الصليبية إلى يومنا هذا، فهم اقتحموا علينا بلادنا، ونكلوا بأسلافنا، وطردونا من ديارنا، وما زالوا يقترفون بنا كل ما حرمه الله.

طابت نفسي وأنا أقرأ وأشاهد صورة ذلك الشخص المأفون عقليا، الملتاث نفسيا، أندرس برينغ بريفيك، لأنه قدم نموذج المتعصب المريض، وذكرنا بتصريحاته وكتباته التي نقلتها وسائل إعلام منها القدس العربي بكتاب (كفاحي) لهتلر.. فالعنصرية تعود في أوربة، ورياحها تهب من متعصبين سفلة في أميركا، يدعو بعضهم لحرق القرآن الكريم، ويعمد رسّام كاريكاتور معتوه في الدنمارك فيشوه صورة النبي محمد، وهكذا يستفزون مشاعر المسلمين.

قلقت على بعض الأصدقاء الفلسطينيين الذين يعيشون في النرويج، والذين استقبلوا هناك بعد أن ضاقت بهم بلاد العرب، فمنحوا الجنسيات ووجدوا العمل، وبات بعضهم جزءا من الحركة السياسية في النرويج، و..كما هو المتوقع فإن انحيازهم هو لقوى اليسار أحزابا وتيارات، ومنها حزب العمال النرويجي الحاكم المناصر لحقوق الشعب الفلسطيني..ولو في حدودها الدنيا.

صديقي نضال حمد الفلسطيني النرويجي، الكاتب والصحفي النشيط طمأنني برسالة ألكترونية عليه وعلى أسرته، وعلى الفلسطينيين الذين أعرفهم، بعد أن شرح لي في عجالة أن من وقع عليهم العدوان ينتمون لحزب العمال، وأنهم شباب الحزب المتحمسون للشعب الفلسطيني، وأنه يعرف بعضهم مباشرة، وكان معهم قبل المجزرة بأيام قليلة.

أخبرني نضال في رسالة ثانية أن انفجار أوسلو وقع في منطقة يعبرها يوميا هو وزوجته البولونية الأصل، النرويجية الفلسطينية - انتبهوا للأممية التي يعيشها الفلسطيني، وهذا مثال واحد- وأنه حاليا في إيطاليا، وسيعود إلى أوسلو ليتابع المأساة، ويكتب عنها، وعن خلفياتها بالتفصيل، فالمجرم ولد في رحم اليمين النرويجي المعادي للمسلمين والأجانب، والآخر بشكل عام، وهو معجب بالكيان الصهيوني.

الخطاب الفكري الثقافي لبريفيك لا يختلف عن خطاب المحافظين الجدد في أمريكا بوش، وهو ينسجم مع فكر صامويل هنتنغتون في كتابه (صراع الحضارات).. فهو ليس ظاهرة فردية ناشزة.

أمّا وقد شكرت الله كثيرا وحمدته على أن مجرم أوسلو، وصاحب (خزوة) أوسلو هو أشقر أصولي - من أي طائفة وملّة هذا المأفون المعجب بنتينياهو وليبرمان؟!- فإنني لا أملك سوى الابتهال لله أن يهدي أي أصولي أسمر شرق أوسطي ينوي تنفيذ فعلة ما في مكان ما، في أوربة أو أي قارة، أو بلد، أن يراجع نفسه، ويحكّم ضميره، ويقلع عن فعلته، حتى لا يغطّي على (خزوة) أوسلو، و.. يضيف لخطاب العنصرية والإسلاموفوبيا ما يؤججها، ويلحق مزيدا من الضرر بقضيتنا الفلسطينيّة، وبالعرب والمسلمين الذين يعيشون في أوروبة وأمريكا.. وكل بلاد العالم.

العربي يبهر العالم منذ أشهر بثوراته السلمية المتحضرة، بصبره وجلده ومضاء عزيمته وهو يتظاهر ليل نهار في ساحات المدن في البلدان العربيّة، لنيل الحرية والكرامة والعدالة، وإنهاء أنظمة الفساد والقمع، فلا تشوهوا صورته الحضارية، لأنكم بهذا لا تخدمون سوى من تدعون أنكم تحاربونهم!

سأبادر للقول، وعلى مسؤوليتي: من يقم بأي عمل في أي بلد، خارج ميدان المعركة على أرض فلسطين، والعراق، ولبنان المتحفّز دفاعا عن سيادته، وثرواته.. فهو حتما يعمل في خدمة أعداء العروبة والإسلام، بوعي منه، أو بجهالة!

في الميدان الرئيس في أوسلو رأينا محجبات يحملن الورد مع شعب النرويج الحزين، تكريما لأرواح ضحايا الجريمة العنصرية.. فلنقرأ المشهد جيدا.

ويبقى هناك خبر أتى من ( أوسلو)، فقد أمر نتينياهو بدراسة إمكانية إلغاء اتفاق أوسلو في حال توجه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية!

يقال في المثل: أجت منك!

يا ريت يفعلها نتينياهو والعصابة الصهيونية صاحبة أكاديمية الإجرام والشر التي حذا حذوها بريفيك فحصد برصاص كراهيته حتى أبناء جلدته، تماما كما يفعل جيش الاحتلال والمستوطنون مع الفلسطينيين...

يا ريت يريحنا نتينياهو من اتفاق أوسلو.. ليفلت عليه الشعب الفلسطيني، ويغرق الكيان الصهيوني في مشاكل لن يقوى على حملها، ومواجهتها، وسينوء ظهره تحت ثقلها.

بريفيك! إنه صهيوني جدا، صهيوني نموذجي، فالصهيوني ليس بالضرورة يهوديا. ألم يكن بلفور، وتشرتشل، وبوش.. صهاينة كشارون، ونتينياهو، وبن غوريون، وبيغن، وغولدا مائير؟!

وإلاّ: كيف وجد الكيان الصهيوني، ومن أين له كل هذه القوّة التي بطش بها بنا على مدى عقود؟!

إذا كان لنا أعداء في أوربة كبريفيك.. فيجب أن لا ننسى أن لنا أصدقاء كثيرين، ومنهم هؤلاء الشباب النرويجيين الذين مزق أجسادهم بالرصاص والمتفجرات.. المجرم الصهيوني بريفيك.. توأم غولدشتاين (بطل) مجزرة الحرم الإبراهيمي!