خبر حكماء قطيعة..يديعوت

الساعة 08:23 ص|15 يوليو 2011

بقلم: سيما كدمون

1- ليس جبانا فقط

        متى حدث لنا هذا آخر مرة بحيث استيقظنا ذات صباح وشعرنا أن غيمة ثقيلة تغشانا، وتهدد بجعل عالمنا مظلما. وأن أرواحا شريرة تهدد بهدم أسسنا. ومتى حدث أن أدركنا أن شيئا ما غير جيد يحدث هنا. وأن شعرنا بعجز كهذا لا بسبب التهديدات الامنية أو الوضع الاقتصادي.

        ومتى حدث أن تغلغلت معرفة أن هذه الدولة ليست هي التي عرفنا، داخلنا بقوة كهذه وشوشت على حياتنا المعتادة وضعضعت سكون نفوسنا. ومتى تحدثنا في أسى ويأس كهذين عما نُخلفه لأبنائنا.

        يبدو أنه لم يكن شعور سيء كهذا هنا منذ همس نتنياهو في أذن الحاخام كدوري أن "اليساريين نسوا معنى أن تكون يهوديا". أو عندما قال "انهم يخافون" في وسائل الاعلام. أو عندما استوضح هل يوجد في الجمهور ناس من غير الليكوديين ثم نزع عنه الدرع الواقية متنفسا الصعداء.

        حدث ذلك في أواخر ولايته السابقة، ويحدث الان مرة اخرى. انه الشعور بالتطرف والاستقطاب. وهذه دولة ممزقة منشقة. برئيس حكومة يقود الى الشقاق فضلا عن أنه لا يُليّن ولا يوحد، إن لم يكن بعمل يديه فبموافقته الصامتة. ومن كنتنياهو يعلم مبلغ كون هذا المنزلق حادا، ومبلغ كونه دحضا ومضللا. عبر هو نفسه أكثر من مرة عن أسف لسلوكه في الولاية الاولى. وتلك الأحداث والجمل التي تثير الخلاف والتي هزت الدولة. هذا اذا ما يحدث هنا الآن يا سيدي رئيس الحكومة. نحن على شفا جرف هار. اذا كان قد اجتاز في الكنيست قبل يومين قانون القطيعة الذي هيأ له رئيس ائتلافك، وأعلنت أنت أمس أنك أيدته فليس واضحا ما هو أفضل: أغيابك عن جلسة الكنيست وقت التصويت أم اعلانك المتحدي بأنك أيدته. كنا قد أوهمنا أنفسنا حتى اعترافك هذا أنك جبان فقط. أما نذير السوء فهو أنك معاد للديمقراطية ايضا.

        فما العجب اذا أن تثير بعد هذا القانون في الاسبوع القادم للبت فيه اقتراح انشاء لجنة تحقيق برلمانية في نشاط المنظمات اليسارية وأن يتجرأ اعضاء كنيست من الليكود على اقتراح أن تكون الكنيست قادرة على الاعتراض على انتخاب قضاة للمحكمة العليا. إن اعضاء الكنيست ياريف لفين أو زئيف ألكن أو أوفير اكونيس هم الذين سيقررون هل يلائم قاض أن يعمل في المحكمة العليا. والامر الفظيع كما يبدو اليوم داحضا سيُكتب غدا في سفر القوانين.

        هذا لا يُصدق لكن هذه قوانين لا تصدر عن اليمين المتطرف بل عن الليكود.

        أين كنا حينما حدث كل هذا. وماذا حدث هنا في الوقت الذي كنا نائمين فيه. كيف أصبح حزب جابوتنسكي ومناحيم بيغن حزبا معاديا للديمقراطية يُمكّن بفعل قانون من قمع الحق في الاحتجاج ويلغي فاعلية الخطاب العام. حزب يعتقد فيه اعضاء كنيست منتشيين من القوة أن مكانتهم في السلطة التشريعية تمنحهم السلطة والتأثير في السلطة القضائية ايضا.

        والامر الأشد ادهاشا هو كيف نجح عضو كنيست واحد كان في الماضي من رجال كديما وأصبح اليوم رئيس الائتلاف في تحكيم ناس مثل بني بيغن. وكيف لم ينهض ليحتج وزراء شباب في الليكود هم بطاقة هوية الحزب ووجهه في المستقبل. كيف لم يقولوا: لن ندعك تُجيز هذا القانون.

       

        2- الليكود الوطني

        ليس سرا أن الليكود أخذ يزداد تطرفا. بدأ هذا بمنتسبي الليكود وعلا من هناك الى اعضاء الكنيست والوزراء. فكل واحد من اعضاء كتلة الليكود يعلم أن انتخابه للكنيست القادمة متعلق باولئك المنتسبين. كانوا ذات مرة أشياع فايغلين الذين كان يتطلع اليهم المرشحون للكنيست. واليمين المتطرف في الليكود اليوم غير منسوب لأشياع فايغلين فقط. فهم خاصة ليسوا نشطاء كما كانوا وكفوا عن جهدهم في اصدار الأوامر.

        جرى في السنتين الاخيرتين حملة انتساب كثيفة لليكود المتدين القومي في أنحاء البلاد وفي يهودا والسامرة. هذا الجمهور اليوم هو ثاني أكبر جماعة في الليكود بعد جماعة عضو الكنيست حاييم كاتس من الصناعة الجوية. لكن في حين كان هدف فايغلين أن يحل محل نتنياهو ويتجه الى القيادة – أصبح الامر هذه المرة مختلفا تماما، وأصبح الهدف الاندماج والتأثير كما يريد منتسبو الليكود الجدد. وهذا هو السبب ايضا الذي يجعل الوزراء واعضاء الكنيست يرون العمل معهم أسهل لأنهم لا يتآمرون عليهم بل يحاولون أن يفرضوا رأيهم عليهم.

        رويدا رويدا وعلى نحو خفي، يلائم اعضاء كتلة الليكود تصورهم العام ووجهات نظرهم لما عند المنتسبين أو لا يحجمون على الأقل عن الكشف عنها. اذا وجد ذات مرة ناس واجهوا اليمين الليكودي بشجاعة ولم يدعوا التهديدات تنفذ عليهم درعهم الاخلاقية، فانهم فضلوا هذا الاسبوع ألا يكونوا في جلسة الكنيست العامة زمن التصويت على قانون القطيعة كي لا يصوروهم وهم يصوتون على قانون سينال العار الأبدي – لكنهم اهتموا ايضا بألا ينتقم المنتسبون منهم في يوم الناخب. هذا اليوم في الصباح، أعني يوم الجمعة، ستنشر الصحيفة الاسبوعية "مكور ريشون" (مصدر أول) بافتخار أن الوزراء جدعون ساعر وجلعاد أردان وسلفان شالوم يؤيدون قانون القطيعة ايضا.

        إليكم اذا الجواب عما حدث لليكود: كبر الجانب العقائدي في الليكود نسبيا، وغيرت نسبة حملة انتساب النشطاء الى حملة عقائدية، غيرت الميزان. ففضلا عن أن المنتسبين في يهودا والسامرة وغزة وفي الخط الاخضر صاروا أكثر عقائدية، صارت نسب تصويت العقائديين أعلى ايضا. فالمنتسب العقائدي يحضر التصويت دائما ولا سيما عندما يكون الحديث عن تصويت على قائمة الكتلة الحزبية للكنيست.

        إن عقد صفقات بين المنتسبين العقائديين أصعب فهم ليسوا رجالا آليين. سيمتحنون اعضاء الكنيست زمنا طويلا ليروا أيهم أكثر قيما وأيهم أكثر ملاءمة لتصورهم العام. يجب على اعضاء الكنيست من جهة سياسية أن يقصدوهم وأن يرضوهم. من يعلم ربما تكون السنة القادمة سنة انتخابات، وليست حرب عضو الكنيست اليوم من اجل مكانته عند الجمهور بل على قلب من يستطيع أن يدخله في القائمة للكنيست.

 

        3- حال اليسار

        أسرعوا في حلقات اليسار هذا الاسبوع الى نزع القفاز. الشعور هناك هو أن المبادرين الى القانون أطلقوا النار على أرجلهم. يقولون في "سلام الآن" انهم يحاولون منذ سنين صرف الانتباه الى ضرر المستوطنات وأنه نشأ الآن بمرة واحدة وعي لمناضلتها. إن "سلام الآن" التي ناضلت قانون القطيعة حتى سنه ردت فورا بعد اجازته في الكنيست وافتتحت موقعا على الفيس بوك يسمى "إرفعوا دعوى علي فأنا أقطع مع منتوجات المستوطنات".

        في غضون يومين انضم الى الدعوة اكثر من سبعة آلاف شخص. إن خطة "سلام الآن" هي زيادة النضال حدة وأن تعمل على اعلام المنتوجات من المناطق وأن تسبب رفع دعاوى قضائية مدنية يتبين بها قانونية قانون القطيعة. ويخططون ايضا لنشر أسماء الشركات المنتجة في المناطق كي يمنحوا المعلومات للجمهور غير المعني بشراء منتوجاتها. وهم على ثقة ايضا من أنهم لو سألوا الشركات المنتجة في المناطق هل تريد قانون القطيعة لكان الجواب النفي على نحو لا لبس فيه.

        يزعمون في "سلام الآن" أن هذا القانون والرد العام عليه سيحدثان للناس وعيا وتمييزا بين منتوجات من المناطق ومنتوجات اخرى. فهم يرون أن قانون القطيعة يعمل كما عمل رفع أسعار جبن الكوتج: ففي الحالتين مضى شخص ما بعيدا جدا وعاد الرد عليه كعصا مرتدة.

        ليست هذه الدعوى داحضة تماما. فقانون القطيعة هو أكثر الدعوات الى القطيعة فاعلية كما قال لي هذا الاسبوع محام من تل ابيب. وحاله كالحال مع الاولاد إذ في اللحظة التي نقول لهم فيها انه لا يجوز اللعب بالنوافذ الكهربائية في السيارة فانهم يبدأون اللعب بجنون. أصبح كل يساري فجأة يشعر بحاجة الى القطيعة مع منتوجات المستوطنات. وقال لم أصرف حتى هذا الاسبوع انتباها الى فكرة القطيعة لانها لم تبدو لي مهمة. أمس احتفلت مع عائلتي في مطعم وسألتنا النادلة أول المساء أيوجد شيء لا نأكله كفواكه البحر ولحم الخنزير فأجبتها: "المنتوجات من المستوطنات".

        يستعدون في احزاب اليسار والمنظمات خارج البرلمان ايضا لاجراء مظاهرة كبيرة مع خروج السبت القريب في تل ابيب. فالمنظمون يرون أنه قد بلغ السيل الزبى، وأن شعور الطواريء بين مؤيدي اليسار سيفضي في نهاية الامر الى خروج الجموع الى الشوارع. إن الاقتراحات الجديدة للمس بالمحكمة العليا، والتحقيق مع منظمات اليسار ومنع تمويلها ومقترحات القانون الاخرى تُحدث شعورا بأنه نشأ هنا خطر حقيقي على الديمقراطية. يقولون في اليسار ربما يترك الجمهور هذه المرة عدم اكتراثه.

 

        4- من ثمار القطيعة

        لكنهم في يهودا والسامرة ايضا لا يستريحون فوق أوراق الغار. فلقانون القطيعة تأثير شديد فيما يحدث هناك قبل كل شيء. تحدث المدير العام لـ "يشع"، نفتالي بانت، بالهاتف عن أنه قد جاءه هذا الاسبوع مئير هيرش، المدير العام لقطاع "أحِيا"، وهو مصنع زيت زيتون من أكبر المصانع في البلاد موجود في السامرة. قال هيرش انه يتلقى مكالمات هاتفية من البلاد كلها تريد طلب زيته. والطلب كما يقول مجنون ببساطة.

        انشأت حوانيت جماعة فيس بوك تحت عنوان: "يا سلام الآن، اقطعوا معنا ايضا"، والرسالة واضحة هي ان المنتوجات المقطوع معها تحظى بطلب عظيم. وقال بانت ان القائمة التي تقطع معها "سلام الآن" تنشر في البلاد كلها وأن الناس يأخذون القائمة ببساطة ويمضون لشراء المنتوجات. ويقول أن هناك ارتفاعا حقيقيا لمبيعات المصانع في يهودا والسامرة.

        حدث يوم الاربعاء ضغط من سكان يهودا والسامرة للقطيعة مع "ماكدونالدز" التي لا تفتح فروعا في يهودا والسامرة. إن رئيس ومالك شبكة "ماكدونالدز" في اسرائيل هو عمري فدان من منشئي "سلام الآن". عارضوا هذا في مجلس "يشع". يقول بانت خربت القدس بسبب هذه الامور. وهو مستعد لأن يتكلم بتفصيل على رأيه الشخصي في قانون القطيعة:

        يقول: في القانون ثلاثة مركبات. يتحدث الاول عن شركة وقعت بالفعل على عقد للقطيعة مع اسرائيل ولهذا لن تشتمل عليها مناقصات حكومية. يبدو لي أن لا جدل في هذا. ويتناول الثاني اسرائيليا يخرج الى الخارج ويشجع هناك على القطيعة مع اسرائيل. ويبدو لي ايضا أنه يوجد اجماع على هذا. والجدل هو في اسرائيليين يدعون الى القطيعة مع منتوجات من المستوطنات.

        يقول بانت في رأيي أن ليس الموقعان على اقتراح القانون هذا هما ألكن وميلر بل رامي هويبرغر ورفاقه. فهم يستطيعون أن يتجولوا اليوم في فخر وأن يقولوا إن الامر حدث بسببهم. جرت طوال عمر الدولة جدالات لا تقل حدة لكن لم يقطع أي جمهور قط مع جمهور آخر. لكن عندما يقطع فنانون مع أناس بسبب مكان سكنهم ويحاولون بتر مصدر عيشهم فانهم قد فتحوا صندوق العجائب. اليوم مع المستوطنين واعمالهم وغدا ستكون قطيعة مع كل اعضاء "سلام الآن" واماكن عملهم.

        يقول بانت ان قانون ألكن يسمى خطأ قانون القطيعة لكنه قانون يرمي الى صد القطيعات. إن من بدأ موجة القطيعات لا يستطيع أن يلوم سوى نفسه. كان يجب علينا أن نقول في دولة سليمة: لنتجادل ما شئنا لكن ينبغي ألا نبدأ القطيعة بعضنا مع بعض. وقد ولد كل هذا في زعمه حول القطيعة مع قصر الثقافة في اريئيل.

        لكن يجب أن ندقق ونقول ان القانون لم يولد حول قطيعة الفنانين مع اريئيل بل بسبب شركات اسرائيلية استعملها الفلسطينيون لبناء المدينة الفلسطينية الجديدة "روابي"، والتزمت مقابل العقد ألا تشتري منتوجات من الضفة الغربية وشرقي القدس وهضبة الجولان. كان ثمة وزراء من كديما خاصة بينهم روني بار أون وداليا ايتسيك وقعوا على عريضة دعت وزراء الحكومة الى عدم التعاون مع هذه الشركات الاسرائيلية. جرت على القانون في هذه الاثناء تغييرات كثيرة، وخرج كديما من الصورة وما بقي سيكتب في صفحات التاريخ.

        سألت بانت ماذا سيحدث منذ اليوم فصاعدا. ما الذي يخططون لفعله في يهودا والسامرة في أعقاب الحرب التي أعلنتها عليهم منظمات اليسار.

        يقول بانت: لا يجب أن يفعلوا شيئا، يجب الآن تسكين كل شيء. هذا الامر يبلغ أبعادا صعبة. لست أنوي أن ابدأ القطيعة مع ناس واعمال وآمل أن يعاودوا في اليسار ايضا سلامة العقل فيكفوا عن القطيعة. يجدر أن يختفي كل هذا الامر من العالم.