خبر خلاف نتنياهو مع مؤسسته العسكرية ..علي جرادات

الساعة 07:07 ص|11 يوليو 2011

خلاف نتنياهو مع مؤسسته العسكرية ..علي جرادات

رغم أن "الحرب امتداد للسياسة ولغة عنيفة لها"، ورغم أنه لا يوجد قائد عسكري بلا توجه سياسي، إلا أنه غالباً، (وليس قانوناً)، ما يتصف القادة العسكريون بالتشدد قياساً بالقادة السياسيين. هذا عموماً، أما في "إسرائيل" ككيان استعماري استيطاني اقتلاعي ابتلاعي، فإن سطوة المؤسسة العسكرية على المؤسسة السياسية تتخذ طابعاً فريداً في شذوذه، حيث يهيمن العسكريون على السياسة، حد أنهم مَن أنشأ "دولة"، أنشأت بدورها مجتمعاً تماهى معها، ومع أكثر قادتها العسكريين تطرفاً.

 

أما في ظل الحكومة "الإسرائيلية" الحالية، فقد انقلبت المعادلة، إلى درجة أن يغدو رئيس وزرائها، نتنياهو، (ناهيك عن شريكه ليبرمان)، على خلاف مع أكثر القادة العسكريين والأمنيين "الإسرائيليين" تطرفاً ودموية، وهم الذين لا يقلون عنه انتماء لأكثر الأجنحة الصهيونية تشدداً، أي جناح جابوتنسكي وبيغن وشامير، ما يشي بمفارقة تستدعي التوقف، خاصة بعد اضطرار بعض هؤلاء القادة العسكريين والأمنيين إلى إخراج خلافهم مع نتنياهو إلى العلن، بعدما لم يفلحوا في جسره داخل الغرف المغلقة، ليصبح هذا الخلاف مدار جدل "إسرائيلي" عام، ويتناوله، مغزىً وأسباباً ودلالات، كبار الصحافيين والمحللين السياسيين والأمنيين والخبراء الاستراتيجيين "الإسرائيليين"، بصورة تشبه إلى حدٍ كبير جدل ما بعد حرب أكتوبر عام 1973.

 

وقد كانت البداية بالقنبلة المدوية التي فجرها الرئيس السابق لجهاز الموساد، مائير داغان، المعروف بدمويته، حين حذر في تصريحات علنية غير مسبوقة من الخطر الذي يمثله نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك على "إسرائيل"، واصفاً إياهما بالمغامرين قليلي المسؤولية، معرباً عن خشيته من عدم قدرة القادة الجدد لرئاسة الأركان وأجهزة الموساد والمخابرات والاستخبارات العسكرية على كبح جماح نتنياهو ووزير دفاعه باراك، وتحديداً إزاء التعامل مع التحدي النووي الإيراني، أما رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي" السابق، غابي أشكنازي، فقد حرص في أول حديث صحافي له بعد إنهاء مهامه كرئيس للأركان على عدم مهاجمة مضامين تصريحات مائير داغان وتخوفاته، مكتفياً بالقول: "كان يجب إبقاء هذا الخلاف في الغرف المغلقة وعدم إخراجه للعلن"، مؤكداً أن "الحرص والحرقة" هما ما دفعا مائير داغان للتصريح بما صرح به، ما يعني اتفاقه معه في المضمون، وإن اختلف معه في الإخراج، وكذا كان رأي الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة "الشاباك"، يوفال ديسكين، و"فركش"، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، حسبما تشير تحليلات الصحافيين والمحللين القريبين من أوساط الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" المختلفة.

 

واللافت أن كافة هؤلاء القادة العسكريين والأمنيين، لا ينتمون، وفقاً للتصنيفات "الإسرائيلية"، إلى ما يسمى ب"اليسار الصهيوني"، الذي يواظب العديد من أقطابه العسكريين والأمنيين السابقين، من أمثال متسناع وأيالون وأمنون ليبتون شاحك ويعقوب بيري... إلخ، على التحذير علناً من الخطر الذي يشكله تطرف نتنياهو وائتلافه الحكومي على وجود "إسرائيل" ومستقبلها.

 

وتشير التحليلات "الإسرائيلية" إلى أن الخلاف العلني الدائر بين نتنياهو، وبين مَن هم على يمينه، فضلاً عن مَن هم على يساره، من القادة العسكريين والأمنيين "الإسرائيليين"، يعكس ما هو أعمق من مجرد اعتباره خلافاً بين قادة سياسيين أقل دقة في تقدير حسابات موازين القوى الواقعية على الأرض، قياساً بالقادة العسكريين والأمنيين، الأدرى بهذه الحسابات، والأكثر ميلاً بالتالي لبناء مواقفهم وفقاً لها، بل، وأن من الصعب اختزال تفسير هذا الخلاف بفرضية تأثر هؤلاء القادة العسكريين والأمنيين بجناح شارون الليكودي الذي اضطر إلى شق تكتل الليكود وتأسيس حزب "كاديما" بعد خلافه التكتيكي مع نتنياهو ومَن معه من قادة "الليكود"، إذ حتى لو كان الأمر كذلك، فإن حزب "كاديما" ظل في الجوهري والاستراتيجي ليكودياً بامتياز. 

 

أجل، إن التحليلات "الإسرائيلية" تشير إلى أن الأمور أبعد من ذلك، وأن هنالك خلافاً يتنامى أكثر فأكثر داخل الحلقات الضيقة في مطبخ صياغة القرارات الاستراتيجية في حياة الكيان الصهيوني، بفعل التحولات الاستراتيجية والتاريخية في المنطقة، التي لم تبدأ، وإن كانت بلغت ذروتها، بالحراك الشعبي العربي وتداعياته على هذا الكيان، بل، بدأت، (التحولات)، قبل ذلك، ببروز التحدي النووي الإيراني، وطموحات النظام الإيراني لتحقيق نفوذ إقليمي مؤثر في السياسة الدولية، فضلاً عن دعمه للمقاومة اللبنانية، التي لم تدحر الجيش "الإسرائيلي" من جنوب لبنان عام 2000 فقط، بل، وتمكنت أيضاً، باعتراف لجنة تحقيق "إسرائيلية" رسمية، (لجنة فينوغراد)، من إلحاق نكسة موجعة، ب"الجيش الذي لا يقهر"، ما زعزع مرة أخرى يقين القادة العسكريين والأمنيين "الإسرائيليين" بقوة ردعهم، التي يعرفون حدودها الفعلية أكثر من كافة القادة السياسيين، وبصورة خاصة أكثر من نتنياهو الذي، (ناهيك عن شريكه ليبرمان)، تسطو الأيديولوجيا لديه على السياسة إلى درجة إخراجه من دائرة الواقع وتحولاته، فيما ما زال "الإسرائيليون"، مجتمعاً وساسة وعسكريين وصحافة، يعيشون أزمة فشل عدوانهم العسكري الذريع على لبنان عام ،2006 وهو الفشل الذي ذكرهم باستخلاصات لجنة "غرانات" حول ما وقع لجيشهم من هزيمة عسكرية فاجعة في حرب أكتوبر عام ،1973 التي أفضى إليها تصورهم الخاطئ لمعادلة القوة بين طرفي الصراع.

 

لقد زعزع فشل "إسرائيل" العسكري في لبنان عام 2006 يقين قادتها، والعسكريين منهم بخاصة، في إمكانية التحكم بمصير المنطقة إلى ما لا نهاية، خاصة في ظل ما تشهده من تحولات استراتيجية، وحول هذا السؤال الكبير يدور الجدل اليوم بين نتنياهو وبين قادة عسكريين وأمنيين لا يقلون عنه أيديولوجية، لكنهم باتوا على قناعة، بأن الحروب الخاطفة واقتصار مسرحها على أرض "العدو"، لم تعد قائمة كما كان قد أسس لها بن غوريون، بل، وباتوا على قناعة بأن طبيعة بعض التحديات التي تواجه "إسرائيل" اليوم لا يمكن حسمها عسكرياً من دون التورط في حروب إقليمية طويلة المدى، ومن دون تعرض الجبهة "الإسرائيلية" الداخلية لخسائر فادحة، يعد ما وقع منها أثناء عدوان 2006 على لبنان مجرد "مزحة"، قياساً بما يمكن أن يكون عليه الأمر في حال اللجوء للخيار العسكري لحسم الملف النووي الإيراني، (مثلاً)، كخيار يمكن أن يتطور إلى حرب إقليمية ربما تتلقى فيها "إسرائيل" هزيمة لا تقوم لقوة ردعها بعدها قائمة، جرياً على مقولة بن غوريون: "إن "إسرائيل" لا تحتمل هزيمة واحدة"

 

صحيفة الخليج الإماراتية