خبر بين حيلة دعائية وسفينة..يديعوت

الساعة 08:30 ص|01 يوليو 2011

بقلم: سيما كدمون

        1- بحر مخاطرات

        لا يمكن أن نقول انهم لا يتعلمون عندنا من الأخطاء. ما يزال غير واضح كيف ستنتهي أحداث القافلة البحرية الحالية، لكنهم لن يضبطوا هذه المرة نتنياهو وباراك متلبسين بجريمة. يمكن الاعتماد عليهما وأن رئيس الحكومة ووزير الدفاع عشية صدور التقرير الشديد لمراقب الدولة عن العلاج الفاشل لسفينة "مرمرة" قد تزودا هذه المرة بجميع محاضر الجلسات والمباحثات الممكنة، بل إن المنتقد الكبير للقافلة البحرية السابقة، الوزير بوغي يعلون، يُبدي هذه المرة رضى كبيرا. بعد أحداث "مرمرة" فورا بدأ انتقادا لم يسبق له مثيل على من خرج لهذه العملية من غير مباحثات ومن غير اعداد عسكري ودبلوماسي واعلامي، وقصد باراك خاصة. زعم آنذاك انه كان هناك مكان لبدء المباحثات منذ اللحظة التي عُرفت فيها نية منظمي القافلة البحرية أن يلقوا مهام على وزارة الخارجية وعلى جميع الجهات المعنية. لكنه قال آنذاك انه يؤسفه وجود من اعتقد أنه يستطيع فعل هذا وحده، ومكّنه رئيس الحكومة من ذلك.

        قال يعلون هذا الاسبوع نحن هذه المرة أفضل استعدادا بيقين. فهذه المرة تم نشاط سياسي دبلوماسي له انجازات إذ سدت أكثر دول البحر المتوسط موانئها. تُمكّن اليونان في الحقيقة السفن من الرسو في موانئها لكن ليس من المؤكد أن تُمكّنها السلطات اليونانية من الخروج حينما لا تُمكّن من ذلك حتى تركيا. وصرح الامين العام للامم المتحدة ايضا معارضا القافلة البحرية وكذلك الادارة الامريكية. والى ذلك، يقول يعلون، أُجريت مباحثات سابقة في السباعية بلغت المجلس الوزاري المصغر ايضا وتناولت جوانب لم نتناولها آنذاك، ولم تُبحث في المرة الماضية في أية حلقة.

        ومع كل ذلك، وبرغم كلام يعلون، يوجد من يهتم بألا نفاجأ. يتحدثون من جهة عن قافلة بحرية أقل عنفا وتصدر من جهة ثانية أنباء عن خشية لدى الجيش الاسرائيلي من استعمال حامض الكبريتيك سلاحا كيماويا على جنود الجيش الاسرائيلي زمن محاولات وقف القافلة البحرية. عندما صدرت هذه الأنباء المقلقة ثار شك في أن يكون مصدرها ديوان نتنياهو وأنها ربما كانت ترمي الى صرف الانتباه العام والاعلامي عن الالتواء في شأن الصحفيين الاجانب الذين أُبلغوا في البدء انهم اذا شاركوا في القافلة البحرية سيُبعدون من اسرائيل عشر سنين، وبعد يوم عندما تبين أن الحديث عن قرار فاضح، ألغى نتنياهو التهديد الذي خرج من حوله بل أعلن أنه سيضم وسائل اعلام اسرائيلية واجنبية الى سفن سلاح البحرية. فهل يكون الحديث هنا عن حيلة دعائية لا عن تهديد حقيقي لجنود الجيش الاسرائيلي أم أنه ليس كل شيء معلوما لنا برغم الاعدادات الدقيقة.

        زعم وزير رفيع المستوى هذا الاسبوع أن البلاغ عن حامض الكبريتيك وعن نية نشطاء القافلة البحرية قتل جنود لم يصدر عن المجلس الوزاري المصغر. جاءتنا هذه المعلومات من الجيش لا من جهات سياسية. وسبب أن الأمر لم يُناقش في المجلس الوزاري المصغر، كما يقول الوزير، أن هذه معلومات أُضيفت بعد ذلك فقط.

        هل يصور هذا الواقع؟ قال لا أعلم. ما زلنا لم نرَ سلاحا وحمضا، لكن يوجد كلام على هذا ومن الجيد أن أُنذر بذلك. اولا، لأنه يمكن ألا يكون جميع النشطاء الذين يركبون السفن يعلمون ما الذي يستتر في أدوات الآخرين، وحسن أن يعلموا. والى ذلك يفضل أن نكون مستعدين لهذا الامكان من أن نأتي غير مستعدين.

        لا يشارك ذلك الوزير في ضجيج الوزراء واتهاماتهم باحداث هستيريا حول القافلة البحرية، ولا يقبل أن الحديث عن تضخيم متعمد من المستوى السياسي للمخاوف. عندما سمع بالتقرير فحص ما الذي تعتمد المعلومات عليه، ويرى أن ذلك صدر عن "أمان". وقال اذا وجدت معلومات كهذه فمن الخير التحذير.

        الامر الواضح أن برنامج عمل رئيس الحكومة كان مصروفا هذا الاسبوع في أكثره الى القافلة البحرية من جهة عسكرية ومن جهة سياسية ايضا. في حين اعتقدوا في المرة الماضية أن اسوأ ما يمكن أن يقع هو أن يربط النشطاء أنفسهم بسلاسل الى متن السفينة، يأخذون هذه المرة كل امكان بالحساب وتوجد حساسيات ايضا: فعلى السفن اسرائيليون ويهود وهناك ناجيتان من المحرقة. يكفي أن تقع واحدة في الماء أو تُجرح ليُحسم الامر. يجب أخذ هذا في الحسبان. ويدرك كل واحد في الأساس أن هذه القافلة البحرية هي لبنة اخرى في الاستعداد لايلول. ما يزال لا يوجد في العالم اهتمام كبير بها، لكن من الواضح انه اذا تشوش شيء ما فسيوجد دم وتوجد عناوين صحفية وتضعف صورة اسرائيل بحسب ذلك.

        ومن الواضح من جهة ثانية للجميع أن القافلة البحرية تحرش وأنها رمزية أكثر من كل شيء آخر. فاليوم لا توجد مشكلة انسانية في غزة. كان النمو هناك في 2010 نحوا من 16 في المائة، وتوجد مئات السيارات الجديدة على الشوارع، والمطاعم والاسواق مملوءة.

        منذ كانت القافلة البحرية الاخيرة غيّرت اسرائيل القواعد: لانه اذا كان أكثر المنتوجات الى ذلك الحين محظورا باستثناء قائمة المسموح به فكل شيء اليوم مباح ما عدا رزمة ضئيلة من المنتوجات المحظورة لأنها قد تُستعمل للارهاب. تدخل غزة كل يوم 150 – 170 شاحنة في حين يُسمح في واقع الامر بادخال 270 شاحنة هناك لكن هذا القدْر لا يُستغل جراء حماس. فهم يريدون الاستمرار في استعمال الأنفاق لجباية الضرائب وللابقاء على الأنفاق مفتوحة لتهريب السلاح.

        لكن التجربة تبرهن على أنه برغم الاستعدادات والنقاشات ومحاضر الجلسات والتدريبات العسكرية والجهود الدبلوماسية، وبرغم جميع محاولات القيادة أن تُعد لنفسها دفاعا من اجل التحقيق القادم، فان كل شيء مفتوح. يكفي أن يتشوش شيء ما صغير لنرى ما عملته أيدينا يغرق في البحر اذا لم نشأ المبالغة.

        2- أين العقل؟

        اليكم سؤالا: كم مرة سمعنا هذا الاسبوع جملة "الحاخامون ايضا ليسوا فوق القانون؟"، والجواب: كثيرا. كثيرا جدا الى درجة أنها تُسمع مثل صفير في الظلام. مثل ناس يتحدثون للتغلب على الخوف. كُتبت كلمات كثيرة وقيلت هذا الاسبوع عن صورة أخذ حاخام كريات اربع دوف ليئور الى التحقيق متهما بالتحريض بسبب تأييده كتاب "نظرية الملك". زعموا في الصهيونية المتدينة هذا الاسبوع أن النيابة العامة جعلت جميع الحاخامين الذين يُعدون معتدلين مضطرين للدفاع عنه وأنه بدل عزل ناس "التسعير" المتطرفين، دفعوا الصهيونية المتدينة كلها الى جانبه. قالت جهات في المستوطنات هذا الاسبوع إن كل ما فعله الحاخام ليئور أنه بذل موافقته التي تشبه توصية على ظهر كتاب. قال لي عنصر رفيع المستوى من المستوطنات أشك كثيرا أن يكون الحاخام قرأ الكتاب أصلا، ما الذي ربحناه من هذا اذا؟ يوم فظيع مخيف يزيد في الاستقطاب ويجعل ناسا معتدلين مثل الحاخام شارلو يعاضدون الحاخام.

        قال ذلك العنصر إن "التسعير" موجود في أكثره في مستوطنة يتسهار وفي المعهد الديني هناك. وبدل الذهاب واعتقال الاشخاص ومحاكمتهم والزج بهم في السجن، يعتقلون حاخاما بعملية خاصة في أنفاق في الطريق الى غوش عصيون، ويوقفون الصهيونية المتدينة المعتدلة كلها في وضع لا خيار  لها فيه سوى أن تدافع عنه ويجعلون في خلال ذلك كتابا تافها لم يسمع به أحد، من الأوسع مبيعا. أين العقل؟.

        لكن ينبغي ألا نُبلبل فالحاخام ليئور ليس من اولئك الذين "ساعدوا صديقا" وأوصوا بكتاب لم يقرأوه. فالحديث كما تبين هذا الاسبوع عن شخص قدرته على الدراسة في أعلى المستويات. انه شخص يُعد حكيما ومفتيا. كان مرشحا للمحكمة العليا (الشرعية) ولم يُعين بسبب مقالات كثيرة له في شأن العرب. صحيح انه توجد فتاوى تُبين انه معتدل. لكنه هنا عبّر عن رأيه في مجال يعتبر فيه السلطة العليا، فهو مثل الحاخام عوفاديا يوسيف عندما يفتح فمه ويُعبر عن مواقف عامة فيصبح الجميع في حرج، لكن عندما يُفتي لا يجادله واحد من اليهود الشرقيين.

        الحاخام ليئور انسان جدي وأساسي. لا يمكن أن يُقال انه بذل موافقته على كتاب لم يعلم ما هو. الخطر خاصة ينبع من جديته في امور يفهم فيها.

        ربما كان يمكن اذا التصرف بعقل أكبر وحكمة أكبر. لكن ليس كل من لا يكون حكيما لا يكون عادلا.

        3- قطيعة وحلم

        دخل قانون ثوري هذا الاسبوع مرحلته النهائية. اذا اجتاز القراءة الثانية والثالثة فقد يصبح واحدة من بطاقات الزيارة لهذه الولاية ويصعب أن نفهم كيف نجح قانون معاد للديمقراطية الى هذه الدرجة، يضر بحرية التعبير وقد يضر بمكانة اسرائيل في العالم، في أن يجتاز نحو القراءة الثانية والثالثة. اجتاز هذا الاسبوع اللجنة الدستورية وقد يكون حتى بعد تليينه وتعديله واحدا من القوانين الاشكالية المختلف فيها مما سُن هنا.

        يُعرِّف القانون الدعوة الى القطيعة – القطيعة الثقافية أو الاقتصادية أو الاكاديمية أو القطيعة مع منطقة تسيطر عليها اسرائيل – بأنها مظلمة مدنية. بعبارة اخرى اذا اعتقد شخص ما أنه وقع عليه ضرر فانه يستطيع أن يطلب تعويضات. على سبيل المثال سيكون من المباح لشخص ألا يشرب نبيذا أُنتج في المناطق أو ألا يذهب لمشاهدة عرض في قصر الثقافة في اريئيل. لكنه اذا دعا الآخرين الى القطيعة مع النبيذ أو مع قصر الثقافة فقد يدفع من جيبه. ويعني هذا أنه اذا ظهر شخص ما في بث وقال إن المستوطنات في رأيه كارثة فان المحكمة تستطيع أن تقضي بتعويض أكبر من الضرر الذي سيسببه كلام هذا الشخص. أو كي نحدد المفارقة فقط نقول انه سيكون من المسموح به دعوة مواطني اسرائيل الى عدم استهلاك جبن الكوتج لكن سيكون من المحظور أن يُقال إن الاحتلال مُفسد.

        المبادر الرئيس الى القانون هو رئيس الائتلاف زئيف ألكن. بدأ هذا في الأصل بصفته قانونا جنائيا غير أن ألكن تخلى عن المسار الجنائي وحدد بدل ذلك عقوبات ادارية: سيكون من الممكن أن تفرض على منظمة أو شركة تدعوان الى قطيعة أو تشاركان في قطيعة، عقوبات ادارية كأن لا تُمكّنا من المشاركة في مناقصات حكومية أو ألا تُمنحا هبات وإفضالات أو دعما من وزارات الحكومة. اذا انضممت مثلا الى قطيعة مع دولة اسرائيل تشتمل على يهودا والسامرة بطبيعة الامر فلن تستطيع الاستمتاع بافضالات دولة اسرائيل.

        وُلد القانون بعد أن قادت السلطة الفلسطينية قطيعة مع منتوجات اسرائيلية من يهودا والسامرة. وكان هذا في الولاية السابقة، وانضمت داليا ايتسيك التي كانت آنذاك وزيرة الصناعة والتجارة والسياحة الى ألكن في القانون الذي يقاوم هذه القطيعات. وانضم ايضا كديما وجميع الاحزاب من اليمين ورؤساء اللجان في الكنيست وجميع ناس الرئاسة في الكنيست تقريبا. كان ذلك قانونا أشد تطرفا وكانت فيه ايضا مادة سياسية تقول إنه اذا فرض كيان سياسي علينا قطيعة (الكيان الفلسطيني مثلا) فسيكون من الممكن الاقتطاع من هذا الكيان جميع تكاليف أضرار القطيعة. ليس هذا المثال عرضيا فقد ولد القانون كي يضر بشركات اسرائيلية تشارك في بناء المدينة الفلسطينية روابي والتزمت باعتبار ذلك جزءا من الاتفاق ألا تشتري سلعا من المستوطنات. تلقى القانون الذي بدأ كما قلنا آنفا بتأييد من كديما، انتقادا اعلاميا على المس بحرية التعبير وحرية الفرد، وأجازت تسيبي لفني قرار أن يسقط ناس كديما أسماءهم من اقتراح القانون. لكن المعركة الكبيرة كانت هذا الاسبوع في اللجنة الدستورية واجتاز بأكثرية ثمانية مقابل خمسة مع معارضة كديما والعمل والاحزاب العربية. جاء بوجي هرتسوغ الذي كان وزيرا في الحكومة التي قررت تأييد القانون، جاء الى اللجنة وهاجمه.

        سألت ألكن هذا الاسبوع لماذا كان من الملح جدا اجازة قانون كهذا في حين أن مكانتنا باعتبارنا الديمقراطية الوحيدة في المنطقة قد أخذت تضعف.

        قال ألكن إن التعليل الرئيس أنه لا يمكن ان يكون في الولايات المتحدة قانون يقضي بأن شركة امريكية تشارك في قطيعة مع اسرائيل معرضة لغرامات تبلغ مئات آلاف الدولارات بل السجن ولا يكون هنا قانون كهذا. يمكن أن تبلغ المفارقة حد أنه اذا وجد نشيط يسار متطرف اسرائيلي يدعو شركة امريكية الى القطيعة مع دولة اسرائيل لا يحدث له شيء لكن صاحب الشركة الامريكية يدخل السجن بضع سنين.

        كل شيء واضح الآن. إن ألكن يهتم بالامريكيين ببساطة.