خبر وداعاً للمصالحة ..فايز رشيد

الساعة 06:18 ص|27 يونيو 2011

وداعاً للمصالحة ..فايز رشيد

إنه لأمرٌ مؤسفٌ بالفعل، فما كاد حبر اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس يجف، حتى عادت حليمة إلى عادتها القديمة، شدّ وجذب واستقطاب وتصريحات وأخرى مضادة . فقد تعطل الاجتماع الذي كان مقرراً عقده بين عباس ومشعل في القاهرة إلى أَجلٍ غير مسمى . ووفقاً لما قاله عزام الأحمد مسؤول ملف المفاوضات في السلطة، فإن فشل عقد الاجتماع يجيء من أجل المزيد من التشاور بين الجانبين .

من الواضح أن السبب الرئيسي في تعطيل المضي قُدماً في تنفيذ الاتفاق، يعود إلى تمسك الرئيس الفلسطيني بترشيح سلام فياض على رأس حكومة الكفاءات المستقلة التي جرى الاتفاق عليها، والرفض المطلق لحركة حماس لهذا الترشيح . بالطبع ومن أجل تنفيذ اتفاق المصالحة، يتوجب اعتماد الحلول الوسط بين الجانبين، فلا يستطيع أحد الطرفين فرض رأيه على الآخر . نقول هذا في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من الملفات الصعبة الأخرى التي تقف أمام تنفيذ الاتفاق، كدمج الأجهزة الأمنية على سبيل المثال لا الحصر . فإذا كان الاتفاق على ترشيح رئيسٍ للحكومة قد فشل، فكيف سيتعامل الطرفان مع الملفات المعقدة والصعبة الأخرى؟

يدرك كل فلسطيني وعربي ومساند للقضية الفلسطينية حجم الخلافات الكبيرة بين الحركتين، لكن من دون إبداء التنازل من كليهما، فلن يستطيع الاتفاق إحراز أي تقدم على طريق التنفيذ، كذلك هي الإرادة التي يتوجب على الطرفين التحلي بها، إضافة إلى التصميم على تذليل كافة العقبات المعترضة، وبخاصة أن الظروف الحالية تستوجب تنفيذ المصالحة . فقد اتضح الموقف “الإسرائيلي” من التسوية المتمثل في “اللاءات” تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفي فرض المزيد من الشروط الصهيونية ليس على صعيد الفلسطينيين وحدهم، وإنما على صعيد كل العرب . أيضاً اتضح الموقف الأمريكي من الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني، فمن الاستحالة بمكان أن يغادر هذا الموقف، جانب الانحياز المطلق للدولة الصهيونية، حتى إن جرى تقديم الوعود للجانب الفلسطيني كما فعل أوباما في بداية رئاسته . إذ بينت تجربته، ووعود رئيسين قبله هما، جورج بوش الابن وبيل كلينتون أن من السهل على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التراجع عن كافة الوعود المقدَّمة للفلسطينيين والعرب، لصالح الحليف الاستراتيجي “الإسرائيلي” .

من زاوية ثانية، تعتزم السلطة الفلسطينية خوض معركة، ستكون شرسة في سبتمبر/أيلول المقبل، وهي اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام ،1967 في الوقت الذي ترفض فيه الإدارة الأمريكية هذا الاعتراف، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى ممارستها ضغوطاً كبيرة على حليفاتها الغربيات، وعلى الكثير من دول العالم، تماماً كما فعلت إزاء إنجاح قرار تقسيم فلسطين في عام ،1947 وقرار الاعتراف ب”إسرائيل” في عام ،1948 لا نقول إن الإدارة الأمريكية أو حليفتها الصهيونية قَدَر، فمن الممكن نجاح الاعتراف بالدولة العتيدة، لكن ما نقصده أن هذه المعركة المعقدة تستوجب وحدةً وطنيةً فلسطينيةً، وهذه تقتضي تحقيق المصالحة أولاً، فمن الصعوبة طلب الاعتراف بالدولة في ظل وجود الانقسام الفلسطيني .

على صعيد آخر، فإن ما يجري راهناً في الساحة العربية من تغييرات ثورية وبخاصة في الدولة العربية الأقوى والأكبر، التي كان لها الفضل الأول في إنجاز اتفاق المصالحة بالإضافة إلى فتح معبر رفح، وكذلك الإرهاصات في دول عربية عديدة أخرى، كلها عوامل إن جرى استغلالها فلسطينياً فبالتأكيد ستؤدي إلى تصليب الموقف الفلسطيني في مجابهة “إسرائيل” والمشاريع الأمريكية . ومن الاستحالة بمكان تحويل هذه الحالة إلى دعم وإسناد للمشروع الوطني الفلسطيني في ظل الانقسام . المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية والارتقاء بالمشروع قُدُماً، هي أهداف شعبية فلسطينية وقومية عربية ومطلب لكل المساندين لقضيتنا الوطنية . ونعيد إلى الأذهان وبخاصة إلى الطرفين، مظاهرات الفرح التي سارت فيها جماهيرنا الفلسطينية في الوطن بكل أجزائه وفي الشتات وبكل مواقعه، ابتهاجاً باتفاق المصالحة الذي عقد في القاهرة في أوائل مايو/أيار الماضي، وأيضاً نتساءل: كم هو كبير وقع الصدمة على شعبنا وأمتنا في عدم تنفيذ هذا الاتفاق، وبقاء الانقسام؟

على ما يبدو، فإن الطرفين لم يدركا بعد تداعيات وأخطار الانقسام على القضية وعلى المشروع الوطني، وكم أعادهما إلى الوراء عشرات السنين، في ظل التحديات الصهيونية واستمرار الاستيطان وتهويد القدس وفرض المزيد من الشروط . المصالحة هدف حيوي آني واستراتيجي فلسطيني، وإذا كانت صعبة التحقيق رغم كل هذه الظروف التي تقتضي تنفيذها والقيام بها، ففي أي ظروف يمكن تحقيقها؟ وشعبنا الذي ملّ الانقسام سيقول بعدها: وداعاً للمصالحة . والطرفان سيتحملان مسؤولية ذلك أمام الشعب الفلسطيني والأمة العربية بأسرها .

 

* الخليج الاماراتية