خبر جيهان الحسيني تكتب : فلسطين أولا ثم الحكومة

الساعة 11:04 ص|19 يونيو 2011

جيهان الحسيني* تكتب : فلسطين أولا ثم الحكومة

لا توجد في السياسة قاعدة ثابتة يمكن الاحتكام لها سوى المصلحة, فهي الحافز والمحرك الأساسي والوحيد, فطبقاً لهذه المصلحة يمكن لنا أن نحدد اتجاه البوصلة, لذلك فإن مسار الأمور في السياسة يعمل دائماً وفقاً للمصالح. لكن عندما نتناول الشأن الفلسطيني, فإن المصلحة الوطنية للقضية الفلسطينية هي الأساس وهي المنطلق للعمل وللتحرك للكل الفلسطيني من سياسيين وأكاديميين ونشطاء ...إلخ

 

باختصار شديد مصلحة الوطن هي المعيار وهو ترمومتر نقيس به الأمور ، لنحدد أولا أين موقع فلسطين لنحدد اتجاه المسار, بغض النظر عن أية مصلحة حزبية مهما علا شأنها لأن (فلسطين) يجب أن تكون فوق الجميع, فهي لا جدال الأكبر مكانه والأعظم شأناً والأكبر أهمية.

 

بلا شك أن معظم الفلسطينيين بمختلف أطيافهم يرون أن المصالحة الوطنية الفلسطينية التي تحققت أخيراً بين حركتي "فتح" و"حماس" هي المصلحة الوطنية العليا ويتطلعون إلى اليوم الذي تجسد فيه هذه المصلحة واقعياً على الأرض بإنهاء الانقسام واسترداد الوحدة بشكل حقيقي يشعر به ويلمسه الجميع في مختلف نواحي حياتهم.

 

ويرى كذلك المعنيون بالشأن الفلسطيني أن المصالحة ضرورة ملحة خاصة في ظل التحديات الراهنة والخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية وتتهددها. ويعتبرون أن قرارهم الذي اتخذوه ( أن يتوحدوا ) هو أبسط رد ممكن للفلسطينيين أن يتخذوه.

 

ولقد تحقق بالفعل إنجاز مشروع المصالحة بفضل الجديدة بعد ثورة 25 يناير, حين وقعت حركة "حماس" على الورقة المصرية للمصالحة ، ولكن رغم ذلك حتى يومنا هذا فإن المصالحة تراوح مكانها (...) مصطدمة بملف الحكومة الذي يبدو أنه يقف عائقاً بل سداً أمام إكتمالها.

 

وعلى الرغم من أن تحقيق المصالحة إنجازاً وطنياً لا شك فيه, إلا أن من يتمعن في المشهد الفلسطيني الآن ويقرأه جيداً, يدرك أن المصلحة الفلسطينية تقتضي إرجاء البدء في تنفيذ ملف الحكومة - الذي يعتبره الكثيرون بأنه عنوان المصالحة الحقيقي - وذلك لأسباب موضوعية أذكر منها الموقف الإسرائيلي المتعنت إزاء العملية السلمية, والانحياز الأميركي السافر للجانب الإسرائيلي, والدعم الدولي لحكومة سلام فياض والذي يمكن أن يتبخر في حال تشكيل حكومة فلسطينية جديدة لا يكون على رأسها, واستمرار الاستيطان وإجراءات تهويد القدس التي لا تتوقف, واستحقاق أيلول (سبتمبر) الذي تسعى القيادة الفلسطينية لتحقيقه - والذي أتوقع فشله – لكننا لا نريد للغرب أن يستخدم الحكومة الفلسطينية الجديدة والتي من المفترض أن تشكل ، كذريعة ومبرراً لعدم دعم هذا الخيار الذي نتطلع إليه جميعاً, وهو الحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 وقبولها عضواً كاملاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

ربما قراءاتي هذه للمشهد الفلسطيني وما يتعلق بالدعوة إلى تأجيل ملف الحكومة قد تصطدم الكثيرون, لكنها قراءة مستندة إلى مصوغات نراها بل نكاد نلمسها أولاً فيما يتعلق بموقف الرئيس الأميركي باراك أوباما والذي ذكر في كلمة له, بأن المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" عقبة في طريق السلام, ثانياً تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بينامين نتانياهو الذي قال: إنه لن يكون هناك مفاوضات مع الجانب الفلسطيني في ظل حكومة شاركت في تشكيلها "حماس". ثالثاً: إنه في حال شكلت حكومة فلسطينية بتوافق بين "فتح" و"حماس" فإن أميركا وإسرائيل مجتمعتين سيبدأن بالتحرك والضغط على المجتمع الدولي لوقف الدعم المادي عن الشعب الفلسطيني الذي هو في أمس الحاجة إليه, رابعاً: المتغيرات الجارية في المنطقة والثورات العربية التي منشغل الإقليم والعالم بها.

 

إن السياسة هي فن الممكن لذلك على الإنسان أن يكون بعيد النظر ويقرأ الأحداث جيداً, لذلك أعتقد أن هذا الخيار (تأجيل تشكيل الحكومة) يحترم العقل الفلسطيني الذي يجب أن لا يخدع والذي يستطيع أن يستشعر ببساطة ومن خلال خبراته التي صقلتها سنوات نضاله الطويلة أن أي خطوة سيقدم عليها يجب أن تكون ثابتة وراسخة ومحسوبة وليست قفزة في الهواء.

 

كاتبة فلسطينية و مراسلة الحياة اللندنية